ليس غريبا أن تجد على مختلف أنواع الألبسة المعروضة للبيع في مصر مكتوب عليها عبارة "صنع في مصر بأياد سورية"، حيث تنتشر الكثير من ورشات الخياطة والمصانع والمشاغل السورية في العديد من المدن والمحافظات المصرية، لا سيما في مناطق العبور ومدينة نصر وجسر السويس التابعة للقاهرة.
خلال أكثر من عشر سنوات، حقق السوريون شهرة في عالم الأزياء المصرية الواسع، عبر إنتاج الملابس بجودة منافسة للسوق المحلي، والتي تتنوع ما بين فساتين الزفاف والسهرة والملابس القطنية الداخلية والخارجية.
يعد القبول الشعبي والدعم الحكومي للمستثمرين من أبرز العوامل التي ساعدت على انتشار المنتجات السورية.
صناعة الملابس في المركز الأول بين صناعات السوريين
بحسب تقديرات "تجمع رجال الأعمال السوريين"، وهو تجمع يضم عددا من رؤوس الأموال السورية في مصر، فإن الصناعات النسيجية وصناعة الملابس بأنواعها من أهم الصناعات التي أقاموها.
ووفقاً لرئيس التجمع خلدون الموقع، فإن السوريين يفضلون العمل في قطاع الملابس لسهولة الاستثمار به ولخبرتهم السابقة بالعمل بهذا المجال ولقد حققوا نجاحا به، وقد وصل إنتاجهم إلى نحو 120 مليون قطعة ملابس شهريا تساعد في تلبية احتياجات السوق المصري.
وقال الموقع، في مقابلة تلفزيونية مع قناة " إم بي سي مصر" في شباط/فبراير الماضي، إن السوريين يملكون ما بين 5 آلاف إلى 7 آلاف ورشة ومصنع مختلف الحجم والإنتاج.
وتشير العديد من التقارير المحلية إلى أن السوريين تحولوا إلى رافعة اقتصادية نتيجة مساهمتهم في السوق المصري، وتتنوع استثمارات السورية في صناعات الغزل والنسيج والصناعات التكاملية، مثل الإسفنج والورق والصناعات البلاستيكية وصناعات أخرى.
وتنتشر مصانع ومشاغل السوريين في جميع المحافظات، ولكن بشكل أكبر في المدن الصناعية مثل العبور والعاشر من رمضان وجسر السويس، والتي تعد مناطق كثافة سكانية للسوريين.
رامي الأسود (54 عاما)، سوري وصاحب مصنع ملابس قطنية، يقول لموقع "تلفزيون سوريا" ورثت المهنة عن والدي الذي كان يملك مشغلا صغيرا في سوريا، وبعد الحرب لجأت إلى مصر وبدأت من الصفر في ورشة صغيرة.
ويضيف رامي، الأمر لم يكن سهلا، لقد أمضيت وقتا طويلا في دراسة الذوق المصري من حيث الألوان والموديلات التي يفضلونها، والآن بضاعتنا موجودة في السوق ويقبل عليها أصحاب المحال سواء مصريين أو سوريين.
تعد مصر سوقا استهلاكية ضخمة، كما أنها بوابة التصدير لإفريقيا، وهناك سهولة بالوصول إلى أسواق القارة السمراء بسبب الاتفاقيات الاقتصادية بين مصر والدول الإفريقية، مما يسمح للمستثمرين بتوسيع أعمالهم.
وفقاً لتقديرات المفوضة العليا لشؤون اللاجئين، فإن السوريين من أكثر الجنسيات التي تساهم في الاقتصاد المصري، ووصل حجم استثماراتهم إلى مليار دولار أميركي، ولكن المفوضية لم تحدث هذا الرقم منذ سنوات ما يعني أنه تقدير تقريبي.
في حين يعيش في مصر نحو مليون ونصف المليون سوري، ويشكلون 17 بالمئة من الأجانب فيها، إلا أن نحو 150 ألفا فقط منهم مسجلون لدى المفوضية.
تنوعت صناعات الملابس بين فساتين الزفاف والسهرة والتي شكلت شهرة واسعة في الآونة الأخيرة خصوصا في حي "عباس العقاد" والملابس القطنية الداخلية التي تصنعها أفضل الشركات السورية في مصر مثل"قطونيل" وملابس تجهيز العرائس والعبايات وغيرها.
توفير فرص عمل
توفر المصانع والمشاغل السورية للألبسة والمنسوجات فرص عمل للسوريين والمصريين في آن معا، حيث تحتاج هذه الصناعات إلى أيد عاملة كثيرة.
وفي حال نقص العمالة، تعمل الكثير من المصانع على تدريب من يرغب بالعمل وجعله يتقنه بشكل كامل من ثم توظيفه ومساعدته على التطور في العمل.
محمد عبد الغني (34 عاما) مصري يعمل في مصنع سوري لفساتين السهرة والزفاف يقول، تعلمت فن التطريز اليدوي على الفساتين من زملائي السوريين، وأصبحت أتقنها بشكل كبير.
يقول سليمان الأحمد (50 عاما) سوري وصاحب مصنع ملابس، لا يختلف أجر السوري عن المصري، بل إن الذي يتقن عمله أكثر يحصل على حوافز.
يضيف سليمان، تعمل معنا العديد من المصريات، وهن مثال للاجتهاد والإصرار على النجاح، فالمرأة المصرية مكافحة بطبعها ونحن نعتبرهن أخواتنا وبناتنا.
وتتراوح أجور العاملين في المصانع بين 3000 و 10000 ( 200 دولار) على حسب الخبرة وأوقات العمل وطبيعته.
ورفعت مصر مؤخرا الحد الأدنى للأجور إلى 6000 جنيه (130 دولار) من بداية شهر أيار/مايو بعد أن كان يبلغ 3500 جنيه بحسب وزارة العدل المصرية.
بالإضافة للمصريين، وفرت المصانع فرص عمل لعدد كبير من السوريين، سواء من كان يعمل في هذا المجال، أو من رغب في تعلمه.
سمية محسن (36 عاما) سورية تقول، أعمل في مشغل خياطة منذ خمس سنوات، كنت قد بدأت العمل بدون أي خبرة، ولكن مع مرور الوقت تعلمت الحبكة والدرزة " آلات للخياطة" واستطعت تطوير نفسي، وقريبا سأفتح محلي الخاص للخياطة.
انتشار محال الملابس السورية
في أشهر أسواق القاهرة تنتشر محال الملابس السورية " وسط البلد وقصر النيل وعباس العقاد والأزهر" والتي اختار السوريون العمل فيها بسبب اكتظاظها الدائم بالزبائن والمارة.
دينا السيد مصرية تقول، أحب التعامل مع السوريين بسبب استقبالهم المحترم للزبون، وطريقتهم المميزة بالبيع، كما أن أسعارهم مراعية للوضع الاقتصادي الحالي.
لا يفرق الزبون المصري بين المحال على حسب جنسية مالكيها، بل يختار المكان الذي يناسب ذوقه وتكون أسعاره جيدة، هذا ما دفع أصحاب المحال السوريين لإظهار أفضل ما لديهم من معاملة ومنتجات بجودة عالية.
هشام فخر الدين (46 عاما) سوري مقيم في القاهرة صاحب محل ألبسة يقول، يتنوع زبائننا، ولكن في الغالب هم مصريون، حتى العاملون في المحل أكثرهم ليسوا سوريين، ونحن لا نفرق بين الاثنين أبدا فالمجتهد هو من يعمل بجهد ويتطور.