صفقة لبنان وغزة بانتظار ورقة هوكشتاين

2024.01.12 | 06:17 دمشق

صفقة لبنان وغزة بانتظار ورقة هوكشتاين
+A
حجم الخط
-A

حرص الأميركيون على تسريب معطيات مفادها أنهم طلبوا من إسرائيل وقف عملية التدمير والتهجير غير المحدودة في غزة، وحذّروها من توسيع نطاق الحرب نحو لبنان والضفة الغربية والبحر الأحمر. ولأن بنيامين نتنياهو يريد استمرار الحرب أشهراً أخرى، فقد أطلق مواجهة من نوع آخر، قد يكون أقل تدميراً، لكن تداعياته السياسية أشدّ خطراً: الاغتيالات والعمليات الخاطفة.

والمعلومات التي تتردد منذ بداية كانون الأول الفائت، أن إدارة جو بايدن منحت حكومة الحرب الاسرائيلية مهلة أقصاها نهاية العام لإنهاء حرب غزة وتحقيق ما أمكن من الأهداف السياسية هناك، تبين أنها صحيحة. وتنفيذاً لذلك، سحب الأميركيون حاملة الطائرات العملاقة "جيرالد فورد"، فيما مارس الإسرائيليون أسلوب الضربات الخاطفة والاغتيالات على امتداد الشرق الأوسط.

وهذه الضربات بدأت من الجنوب اللبناني حيث يتوالى استهداف كوادر "حزب الله" في أماكن تُعتبر بعيدة نسبياً عن الحدود، وفي ضاحية بيروت الجنوبية تم أيضا استهداف نائب رئيس المكتب السياسي لحماس صالح العاروري، وإلى دمشق ومحيطها، حيث جرت تصفية القيادي في الحرس الثوري الإيراني رضي موسوي، والمسؤول البارز في كتائب القسام في سوريا، حسن عكاشة، قبل يومين.

تجاوبت إسرائيل نسبياً مع واشنطن وحلفائها الغربيين، وقلصت من حجم المجازر وعمليات التدمير في غزة، بمقدار ضئيل، لكنها فتحت حرباً أخرى خارجها

ويمكن في هذا السياق إدراج العملية التي استهدفت كوادر من ميليشيا "الحشد الشعبي" في العراق، وأما الضربة العنيفة التي طاولت، تزامناً، حشود الإيرانيين على قبر قاسم سليماني في كرمان، وأوقعت أكثر من 100 قتيل، فيصعب وضعها في السياق إياه، لكن المسؤولين الإيرانيين اتهموا واشنطن وتل أبيب بالوقوف وراءها.

إذاً، تجاوبت إسرائيل نسبياً مع واشنطن وحلفائها الغربيين، وقلصت من حجم المجازر وعمليات التدمير في غزة، بمقدار ضئيل، لكنها فتحت حرباً أخرى خارجها، وعلى مسافة كيلومترات قليلة، أو ربما المئات أو الآلاف من الكيلومترات، من حدودها. وثمة أسباب عدة تدفعها إلى اعتماد هذا الأسلوب.

وأبرز تلك الأسباب تكمن في أن:

  • لا يتحمل الأميركيون وحلفاؤهم في حلف الناتو خسارة استراتيجية بالذخائر والأموال بلا حدود، في بقعة صغيرة من الشرق الأوسط، فيما هم مهددون بخسارة الجبهة في أوكرانيا مع فلاديمير بوتين.
  • لا يتحمل الغرب وواشنطن فكرة ارتكاب المجازر والتدمير والتهجير إلى ما لا نهاية، على مرأى من المجتمع الدولي والعرب والمسلمين، حتى أولئك الذين يقيمون علاقات طيبة مع إسرائيل وباشروا معها مسارات التطبيع.
  • تدرك الإدارة الديموقراطية مع جو بايدن أخطار انزلاقها المتدرج في الفخ الذي يدفعها إليه نتنياهو في الشرق الأوسط، وهي التي بذلت كل الجهود للانسحاب من مستنقعات الشرق الأوسط، وتحديداً من سوريا والعراق وأفغانستان.
  • وكذلك فإن الإدارة الأميركية ومعها كل دول الناتو لا تريد قطع الخيط الموصول بينها وبين إيران، والذي كشف عنه سفير طهران لدى النظام السوري حسين أكبري، إذ أعلن أن وفداً من دولة خليجية زار إيران قبل 10 أيام، حاملاً رسالة من الأميركيين، تطرح إمكان التوصل مع إيران إلى تسوية شاملة على مستوى الأزمات في الشرق الأوسط كله.

إذاً، تقليص كثافة النار والدماء والغبار في غزة - نسبياً وبمقدار طفيف- يتذرع به نتنياهو للانطلاق في الضربات الخاطفة البعيدة عن بقعة الحرب. وهو يستغل الفرصة للحصول على ضوء أخضر يسمح له بتنفيذ اغتيالات على مستويات رفيعة، في شمال خط الليطاني حتى ضاحية بيروت الجنوبية. وهذه المنطقة كانت تحظى منذ العام 2006 والقرار 1701، بتغطية دولية، وامتنعت فيها إسرائيل عن تنفيذ ضربات جوية، على رغم أنها بقيت تضرب أهدافا لحزب الله في سوريا بوتيرة شبه منتظمة.

بالتوازي يعمَل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والمبعوث لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكشتين، على منع توسع رقعة الصراع في المنطقة، وتشمَلُ دائرة هذه العبارة حزب الله بالدرجة الأولى، والحوثي في الدّرجة الثانية، ومن الحرس الثوري الإيراني، ومن وجهة نظر الدبلوماسية المكوكية الأميركية فإن منع توسع الصراع ينبغي أن يكون بعودة سكان شمالي قطاع غزة إلى مناطقهم والانتقال إلى مرحلة جديدة تكون فيها العمليات "أكثر دقّة". وهذا ما قاله بلينكن لمجلس وزراء الحرب الإسرائيليّ. لكنه في المُقابل سمع رفضاً واسعاً لخطوة إعادة السكان إلى شمال القطاع ما لم تكن مقرونة بصفقة تبادل الأسرى.

كل هذا النقاش التفصيلي مؤجل إلى ما بعد الحرب على قطاع غزة. ولكن ما يجري هو تمهيد الأرضية للوصول إلى الاتفاق، أولاً حول غزة وثانياً حول ترسيم الحدود البرية مع لبنان

وهو ما يعني أن إسرائيل تحاول استغلال الطلب الأميركي لعقدِ صفقة تبادل مع حركة حماس، يكون عنوانها: "عودة سكان الشّمال مُقابل الإفراج عن الأسرى". بالمقابل فإن حماس لم تُغيّر موقفها من صفقة تبادل الأسرى التي ترتبط بوقفٍ شامل لإطلاق النّار والإفراج عن كلّ الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، بالتزامن مع تعبير بلينكن عن رفض إدارته التام لتصريحات وزراء اليمين الصهيوني حول تهجير سكان القطاع، وقال لمجلس الحرب إن بلاده رصدت تقارير حول محادثات بين إسرائيل والكونغو لنقل قسم واسع من سكان غزة إلى إفريقيا، وهذا ما لن تسمح به إدارة بايدن، لما له من "آثارٍ سيّئة" على مصالح دول الطوق، وتحديداً مصر والأردن.

وعليه فإن كل هذا النقاش التفصيلي مؤجل إلى ما بعد الحرب على قطاع غزة. ولكن ما يجري هو تمهيد الأرضية للوصول إلى الاتفاق، أولاً حول غزة وثانياً حول ترسيم الحدود البرية مع لبنان، وفي إطار المفاوضات، فإن ما يصل إلى لبنان من رسائل يشدد على الاهتمام الغربي والإسرائيلي بتوفير ضمانات لإعادة سكان المستوطنات الشمالية. ومن بين هذه الضمانات التي تقترحها القوى الدولية، هو مسألة انسحاب حزب الله وخصوصاً الأسلحة الدقيقة والصواريخ والمسيرات مع قوة الرضوان.