شهدت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية الأخيرة، والتي وصفت بـ المصيرية، زخماً في حملاتها الانتخابية بعدما ركزت على العديد من القضايا، على رأسها الاقتصاد واللاجئون السوريون، وهو ما لوحظ في خطابات العديد من السياسيين الذين توعدوا بإعادة السوريين خلال مدة أقصاها عام واحد.
وكان على رأس هؤلاء السياسيين، زعيم حزب النصر (Zafer Partisi) أوميت أوزداغ، وتحالف الأجداد (ATA İttifakı) الذي توعد عبر مرشحه الرئاسي حينها، سنان أوغان، بإعادة اللاجئين السوريين بالقوة خلال عام واحد، وذلك في حال وصولهم إلى سدة الحكم.
وأظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 14 من أيار الفائت، فشل حزب النصر وتحالفه الأجداد في دخول البرلمان التركي بعد حصوله على 2.43 في المئة من أصوات الناخبين، وهو أقل من عتبة الـ 7 في المئة التي يفرضها قانون الانتخابات لدخول التحالف أو الأحزاب المنضوية تحتها إلى البرلمان.
وتشير النتائج إلى انخفاض عدد الأصوات التي حصل عليها أوزداغ وتحالفه في الولايات التي تضم أكبر عدد من اللاجئين السوريين، حيث حصل على نسبة 2.92 في المئة من الأصوات في مدينة إسطنبول التي تحتوي على أكثر من نصف مليون لاجئ سوري، بينما حصل على 1.32 في المئة في هاتاي، وعلى صفر في المئة من الأصوات في ولاية شانلي أورفا المتاخمة للحدود السورية.
وحصل تحالف الأجداد في ولاية كلّس على 2.05 من أصوات الناخبين، إلا أن هذه النسبة ارتفعت في الولاية المجاورة، غازي عنتاب، لتصل إلى 3.47 في المئة من الأصوات، بينما حصل على نسبة 2.59 في المئة من الأصوات في إزمير التي تعتبر قلعة حزب الشعب الجمهوري.
ويمكن الملاحظة أن معظم الولايات التي تحتوي على أكبر عدد من اللاجئين السوريين أعطت صوتها إلى تحالف الشعب الحاكم في الانتخابات البرلمانية، عدا ولايتي إزمير ومرسين، التي أعطت صوتها إلى تحالف الأمة المعارض، إلا أنها لم تدعم تحالف الأجداد لدخول البرلمان.
وحصل مرشح تحالف الأجداد الرئاسي، سنان أوغان، المعروف بمواقفه المناهضة للاجئين السوريين، والذي خاض الانتخابات الرئاسية أمام الرئيس التركي المنتخب رجب طيب أردوغان، وزعيم حزب الشعب الجمهوري (CHP) ومرشح تحالف الأمة المعارض، كمال كليتشدار أوغلو، على نسبة 5.17 في المئة من أصوات الناخبين.
وفي حين يرى "أوغان" أن النسبة التي حققها جاءت بسبب مطالبه بحل مشكلة اللاجئين السوريين في تركيا، ودعم حزب النصر والتحالف له في الانتخابات، إلا أن البعض يرى بأنه حصل على هذه النسبة بعد انسحاب مرشح حزب البلد (Memleket Parti) محرم إنجة من السباق الانتخابي قبل 3 أيام من الجولة الأولى.
تغير في الخطاب
وذهبت الانتخابات إلى جولة ثانية بتاريخ 28 من أيار الفائت، لتحديد رئيس الجمهورية التركية الثالث عشر، والتي شهدت عقد اتفاقيات جديدة كانت مستبعدة في الجولة الأولى، ولعل من أهمها انضمام مرشح تحالف الأجداد سنان أوغان إلى تحالف الشعب بقيادة أردوغان.
وتسبب انضمام أوغان إلى تحالف الشعب تغيراً ملحوظاً في خطابه الذي يتبناه فيما يخص اللاجئين السوريين، حيث كان يتوعد بإعادة اللاجئين السوريين "بالقوة" إلى سوريا فور وصوله إلى سدة الحكم، إلا أن هذا الخطاب تغير بعد انضمامه إلى تحالف الشعب.
وقال "أوغان" في مقابلة تلفزيونية على شاشة (TRT) الحكومية عقب تحالفه مع أردوغان، إنه "لا يمكن إرسال اللاجئين إلى منطقة ليس لدينا فيها جيش، هل سنأخذهم إلى الحدود ونقذفهم عبرها" في نقد لخطاب المعارضة التركية تجاه اللاجئين السوريين.
وأشاد "أوغان" بخطوة الحكومة التركية في إرسال اللاجئين السوريين إلى بلادهم بآمان: "الحكومة التركية تعمل على عودتهم ومستمرة في عمليات إعادة الإعمار ما يضمن أن يكونوا بأمان، ولكني لم ألاحظ تلك الجدية في التعامل مع ملف اللاجئين السوريين لدى الطرف الآخر (أي الطاولة السداسية)".
ويرى البعض أن تقارب سنان أوغان أحد أكثر السياسيين المناهضين للاجئين السوريين في البلاد، أسهم في تمييع الخطاب العنصري الذي يتبناه بعض السياسيين الأتراك في البلاد، إلا أن انخفاض الخطاب العنصري ربما لا يستمر لوقت طويل.
"المعارضة تراقب خطوات الحكومة"
يرى الكاتب الصحفي التركي، رمضان بورصة، أن حزب النصر وحزب الجيد (İYİ Parti)، لن يتراجعا عن خطابهم المناهض للاجئين السوريين، إلا أنهم ينتظرون رد فعل الحكومة التركية المُشكلة حديثاً، ويراقبون الخطوات التي سيتخذها وزير الخارجية الجديد، هاكان فيدان، فيما يخص مشروع العودة الطوعية للاجئين السوريين.
ويؤكد "بورصة" أن الحزبين يراقبان عن كثب فعالية الخطوات التي تتخذها الحكومة الجديدة فيما يخص الاقتصاد واللاجئين السوريين، وذلك حتى يتسنى لهما تشكيل خطاب جديد مناهض للاجئين السوريين في البلاد.
وتبنى مرشح تحالف الأمة كمال كليتشدار أوغلو، حملة انتخابية مناهضة للاجئين السوريين في تركيا، وذلك بعد توقيعه بروتوكولاً مشتركاً مع أوميت أوزداغ، يحمل في بنوده إعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا خلال عام واحد، بعد أن كانت خطته في الجولة الأولى إعادتهم خلال عامين.
ويشير الكاتب الصحفي "بورصة" إلى أن الحملة التي تبناها كليتشدار أوغلو في الجولة الثانية من الانتخابات أسهمت في انخفاض أصوات الناخبين، خاصة في المناطق الكردية على الرغم من تصويتهم له في الجولتين الانتخابيتين للرئاسة التركية.
ويرجح "بورصة" تراجع نسبة الناخبين الأكراد الذين منحوا أصواتهم إلى كليتشدار أوغلو في الانتخابات إلى عاملين، وهما مهاجمة اللاجئين السوريين، واتهام حزب الهدى (HÜDA PAR) من تحالف الشعب، بالإرهاب: "يوجد داخل صفوف الأكراد ناخبون محافظون ومتدينون، ولا يقبلون ربط حزب الهدى بالإرهاب ولا بمناهضة اللاجئين".
وأضاف: "هناك ناخبون دعموا كليتشدار أوغلو في الجولة الأولى بسبب تحالفه مع حزب السعادة الإسلامي، إلا أنهم امتنعوا عن التصويت له في الجولة الثانية بعد مهاجمته اللاجئين وحزب الهدى الكردي الإسلامي".
يمكن القول إن المعارضة والسياسيين الأتراك المناهضين للاجئين السوريين فشلوا في الحصول على مكاسب سياسية في الانتخابات البرلمانية والرئاسية معاً، وخاصة بعد عقد تفاهمات وتحالفات بالتزامن مع الجولة الثانية من الانتخابات، إلا أن ذلك لا يمنع أن يتجدد هذا الخطاب وفق التغيرات والمعطيات التي ستنعكس على انتخابات رئاسة البلدية نهاية شهر آذار من العام المقبل.