تعيش سوريا في وضع اقتصادي مترد للغاية، وسط فشل النظام السوري في تأمين أساسيات الحياة من كهرباء وطعام ووقود وأدوية ويعاني الناس الأمرين في الحصول عليها.
وفي ظل هذا الوضع يخشى سكان مناطق سيطرة النظام من القرارات المفاجئة التي تحدث بين حين وآخر، مثل منع فئات جديدة من الدعم الحكومي، أو الزيادة اليومية في الأسعار، أو انهيار الليرة السورية إلى مستويات أدنى أو فرض ضرائب جديدة، مثل "ضريبة القيمة المضافة" التي يروج النظام على أن تطبيقها سيكون قريباً.
وتهدف الضرائب التي توضع من قبل الحكومات في الدول عادة، لرفد خزانة الدولة بالموارد لأجل تحسين الوضع المعيشي وتأمين الخدمات للمواطنين من صحة وتعليم وبنى تحتية وطرق مخدمة ووسائل نقل واتصالات وغير ذلك.
ولا يرى المواطن السوري أياً من ذلك، بل على العكس، تشهد مناطق سيطرة النظام السوري أوضاعاً مأساوية على جميع المستويات بما يخص الخدمات الأساسية التي من المفترض أن تقدمها الدولة لمواطنيها.
وخلال العقد الماضي فرض النظام السوري عدداً من الضرائب الجديدة على السكان بعضها مرتبط بالحرب التي أشعلها وتدمرت مدن بكاملها على إثرها.
وفي مقدمة تلك الضرائب، ضريبة الكهرباء، وضريبة المياه، وضريبة الهاتف، وضريبة إعادة الإعمار، وضريبة الإنفاق الاستهلاكي، إلى جانب ضريبة الدخل وضريبة الرفاهية، وما يتصل بالطوابع التي لا يمكن إجراء أي معاملة من دونها.
ومنذ عام 2011 أدخل النظام السوري العديد من التعديلات على النظام الضريبي في سوريا، في ظل الأزمات الاقتصادية المتتالية التي تعيشها مناطق سيطرته والعقوبات الغربية التي منعت عليه كثيراً من الموارد خصوصاً في قطاع النفط.
متى ستفرض الضريبة الجديدة؟
وحتى الآن لا يُعرف الوقت الذي ستعلن فيه حكومة النظام السوري عن بدء تطبيق ضريبة "القيمة المضافة"، إلا أن وزارة المالية أعلنت استكمال الدراسات المتعلقة بالجوانب الفنية للضريبة على القيمة المضافة.
ويبدو أن النظام السوري بصدد إدخال تعديلات شاملة على النظام الضريبي، وتنظيمه في مشروع فوترة إلكترونية بهدف تحصيل ضريبي أكبر للنظام يمنع التهرب من دفع الضريبة الذي تعود مشكلته الأساسية لنخر الفساد في كل المؤسسات.
وتعد الضرائب المورد التقليدي الثالث لخزينة النظام السوري، بعد تراجع المورد الأول، صادرات النفط، إلى أكبر مستنزف للخزينة، وضعف المورد الثاني (فوائض المؤسسات الحكومية) وتحوّل القطاع العام إلى قطاع خاسر.
ورغم أن النظام السوري يسد عجز الموازنة من زيادة الرسوم المفروضة على كل شيء تقريباً، مثل رسوم استخراج جوازات السفر وشهادات السواقة، فإن لدى النظام عدداً أساسياً من الضرائب الذي يحصلها بطرق مباشرة أو غير مباشرة عبر رسوم وطوابع لا تتم المعاملة إلا بوجودها رغم الادعاء بأنها خدمة مجانية بمعظم الأحوال.
كيف يرى سوريون فرض ضريبة القيمة المضافة؟
ورصد موقع "تلفزيون سوريا" آراء عدد من سكان دمشق وريفها في ضريبة القيمة المضافة والترويج الواسع لها من قبل وسائل إعلام النظام السوري، في ظل القرارات المتتالية التي يصدرها النظام بين حين وآخر فيما يخص الاقتصاد.
ورغم أن كثيرين ممن التقيناهم لا يعرفون ما هي ضريبة "القيمة المضافة" ولماذا ستفرض عليهم، أكدوا أن الضريبة بكل الأحوال لن تفيد الشعب وستسرق القليل المتبقي في جيوبهم.
وقال الحاج أنور السعيد، (79 عاماً) الذي كان يعمل في مجال العقارات، إن الضرائب في سوريا لا تتوازن مع دخل الناس، يعني عندما تفرض 10 أو 20 في المئة مما أكسبه شهرياً كضرائب، والدخل في أساسه لا يكفي فنحن أمام مشكلة.
وأضاف السعيد في حديث لموقع "تلفزيون سوريا"، "يعني أنا عشت في دول أوروبية في شبابي، هناك يوجد كثير من الضرائب، لكن هناك خدمات كاملة تقدم من الحكومة للناس".
وأشار إلى أنه من غير المعقول أن تحصل مني ضريبة من دون أن تعطيني في مقابلها كهرباء وتدفئة وتعليم جيد وغير ذلك.
ولفت إلى أن "الوضع في سوريا معقد فنحن لا نعرف ماهية النظام الاقتصادي الذي نعيش فيه، فهو يرفع شعارات الاشتراكية منذ نصف قرن إلا أنه يطبق كل قوانين الرأسمالية نت دون أن ننعم بخيراتها" على حسب تعبيره.
من جانبها، قالت أم أحمد، "أنا بصراحة ما بعرف شو يعني ضريبة قيمة مضافة، بس كلمة الضريبة لحالها معناها شي مو منيح بالنسبة للسوريين".
وأوضحت أم أحمد (التي تعمل مستخدمة في إحدى مؤسسات الدولة) في حديث لموقع "تلفزيون سوريا"، أنا راتبي حالياً 195 ألف ليرة سورية، ما عم يكفينا خبز وزيت وسكر شهرياً، ولولا أن زوجي بيشتغل بالخضرة كنا متنا من الجوع حرفياً".
وتساءلت إن كانت هذه الضريبة التي ستفرض يتم خصمها من راتبها الشهري أم ستُحصل بطرق أخرى؟ "يعني قديش بياخدوا مني دخلك، وكيف بتنحسب والله ما بعرف شو قلك، بس يعني مو معقول يكون في علينا ضرائب فوق كل شي عم نعانيه، هي ضريبة الحياة بسوريا كأن".
أما زوجها أبو أحمد فقال: "من فترة شفت على فاتورة في نسب وضرايب وهيك قصص نحنا ما منفهم بهي الشغلات، يعني أنا بدفع ضريبة كهربا بس ما في كهربا ليش عم ادفعها وادفع تكلفة بطاريات لنشغل ضو ونشحن موبايل".
وتابع: "السؤال هو شو الفرق بين فرض الضرائب وزيادة الأسعار كل كم يوم؟ يمكن نفس الشي، وهذا كله سيؤدي بالنهاية لمعاناة أكبر بين يلي بقيانين بالبلد".
لماذا يستحدث النظام مزيداً من الضرائب؟
ورغم أهمية الضرائب بالنسبة لأي دولة، فإن الواقع السوري لا يسمح بأي رسوم إضافية على أي منتج، فكيف بضريبة تضاف على كل سلعة مهما كبرت أو صغرت قيمتها.
وعادة ما تبدأ الدول بفرض قيمة مضافة بنسبة 5 إلى 10 في المئة على كل سلعة من سعرها النهائي، ما يعني أنه من الصعب التهرب منها.
وقال سامر بدوي خريج كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، إن فرض هذه الضريبة سيشكل أعباء غير محمولة على المواطن السوري، يعني خصوصاً إن تم حساب الفرق بين الرواتب والأجور بالنسبة للدخل القومي ونسبة الضريبة.
وأضاف سامر في حديث لموقع "تلفزيون سوريا" أن الوضع السوري لا يسمح حالياً بكل ذلك في ظل التدهور الاقتصادي الجاري حالياً، ولكن هناك حالة غير مفهومة فيمن يدير الاقتصاد السوري بشكل كامل.
وأشار إلى أن سوريا حالياً في حالة أقرب لصفر خدمات وتنمية اقتصادية وانهيار تاريخي بقيمة العملة وتضخم يتجاوز الـ 300 في المئة وبطالة متفشية وإنتاج قليل جداً، يعني أنت أمام دولة فاشلة اقتصادياً بكل معنى الكلمة.
وأكّد أنه من المستحيل تحميل أي ضرائب إضافية فوق الأجور المتدنية التي لا تتجاوز الـ 15 دولاراً في الشهر بأحسن الأحوال.
ويرى بدوي أن هناك تهرباً ضريبياً حقيقياً في سوريا من قبل رجالات النظام الكبار الذين يمتلكون كل النشاطات والفعاليات الاقتصادية الكبيرة أصلاً، وليس تجار السوق كما يدعون على وسائل إعلامه.
وشدد على أن تطبيق نظام الفوترة الإلكتروني في سوريا يحتاج إلى سنوات إن لم يكن عقوداً، فتحول كهذا يحتاج إلى بنية تحتية اقتصادية ضخمة وبنوك على سوية عالية من الخدمة وثقافة فهم المنظومة المالية الجديدة، وهذا شبه مستحيل حالياً.
ولفت إلى أن التطبيق في حال أقره النظام لن يكون بأكثر من 1 إلى 2 في المئة في البداية على السلع المحلية إن كان الاقتصاديون الموجودون يفهمون الوضع السوري، وقد يكون أكثر على ما يطلق عليها سلع الكماليات مثل الملابس وأدوات التنظيف والإلكترونيات والمكملات الغذائية وما إلى ذلك.
أبرز الضرائب التي يفرضها النظام السوري
- ضريبة الدخل
- ضريبة الكهرباء (تضم رسوماً مالية - رسوم إدارة محلية - رسوم نظافة)
- ضريبة الهاتف (رسم إنفاق استهلاكي وضريبة مالية)
- ضريبة المياه (تضم رسوم المكان، رسم صيانة عداد، رسم صرف صحي، رسم طابع، طابع إعادة إعمار، طابع إدارة محلية)
- ضريبة جامعية (طابع استخراج شهادة وطابع تصديق شهادة)
- ضريبة المجهود الحربي (طوابع على أكثر من 50 معاملة حكومية)
- ضريبة إعادة إعمار (طابع إعادة إعمار، طابع شهيد، طابع مالي)
- ضرائب على الممتلكات العقارية وتحويلات الأموال ورسوم جمركية تتجاوز 200 في المئة على سلع ومنتجات معينة مثل السيارات والإلكترونيات وفي مقدمتها الهواتف المحمولة.