أظهرت دراسة صادرة عن "المعهد الوطني للإدارة العامة" (INA) المرتبط بحكومة النظام السوري، أن آلاف الموظفين يرغبون في ترك العمل في المؤسسات العامة والحكومية، لأسباب مختلفة، في مقدمتها ضعف الرواتب.
وناقشت الدراسة نزيف الموارد البشرية من المؤسسات العامة، وواقع الظاهرة وآثارها، والسياسات المقترحة لإيقاف هذا النزيف، إذ تبين نتيجة التحليل الكمي، أن هناك خمس وزارات بلغت نسبة التسرب منها أكثر من 50 بالمئة، بالاستناد إلى عام 2010 كسنة أساس، وكان التسرب الأكبر لدى الذكور، ليتراوح ما بين الضعفين إلى الخمسة أضعاف مقارنة بالإناث.
وأفاد عميد المعهد الوطني للإدارة العامة، عبد الحميد الخليل، بأن الدراسة استندت إلى بيانات منشورة بين عامي 2010 و2022، وتم تحليل التسرب على مستوى كل وزارة وكل مؤهل علمي، وعلى مستوى الذكور والإناث.
زيادة في عدد الإناث
وتشير الدراسة إلى وجود زيادة في عدد الموظفات الإناث عام 2022 مقارنة بالعام 2010 كسنة أساس، خاصة ضمن وزارات النفط والثروة المعدنية والتجارة الداخلية وحماية المستهلك، والكهرباء والتربية والداخلية والمالية.
وتبيّن أن معدل التسرب لدى الذكور يبلغ 32.7 بالمئة من مؤسسات القطاع الحكومي والعام، وزيادة في الإناث بنسبة 9.7 بالمئة في العام 2022 مقارنة بالعام 2010.
وبحسب ما نقلت صحيفة "تشرين" المقربة من النظام، فإن الدراسة خلصت إلى أن قوة العمل تتجه على ما يبدو نحو التأنيث، أما على مستوى المؤهل العلمي فقد بينت الدراسة أن هناك 40.4 بالمئة من المتسربين يحملون شهادة المعاهد المتوسطة، و54.11 بالمئة من حملة الشهادة الابتدائية وما دون.
توجه نحو ترك العمل
وأكدت الدراسة وجود نيات لترك العمل في القطاع الحكومي والعام، ويعود سبب 22 بالمئة من هذه النيات إلى ضعف الرواتب والأجور، في حين ترجع فئات أخرى السبب إلى ضعف فرص الترقية والمسار الوظيفي.
ومن المتوقع أن يؤثر النزيف البشري على الكفاءة والفاعلية في العمل من حيث جودة وتوقيت تقديم الخدمات الحكومية، وعبء العمل الزائد على العمالة الباقية، وندرة بعض الاختصاصات، فضلاً عن وجود آثار في الجوانب الاجتماعية والسلوكية والنفسية للعاملين غير المتسربين وعلى أسر المتسربين وزملائهم، خاصة إذا كان التسرب إلى خارج البلاد.
ما سبب الاستقالة من المؤسسات الحكومية؟
وفي وقت سابق نشرت صحيفة "تشرين" تقريراً مطوّلاً عن الاستقالات المتزايدة من القطاع العام في سوريا، مشيرة إلى أن النصف الأول من العام 2023، شهد نحو 1800 استقالة في دمشق وريفها.
وذكرت الصحيفة أن أسباب الاستقالات "معروفة للجميع"، وفي مقدمتها تدني الرواتب التي لم تعد تغطي نفقات المواصلات، والبحث عن فرص عمل بديلة، مضيفة أن القطاع العام "كان رديفاً حقيقياً لجيش النظام، لضمان استمرارية العمل والإنتاج"، داعية إلى "إجراءات حقيقية لتحسين واقع القطاع العام، وإعادة بريقه قولاً وفعلاً، من خلال إجراءات يفترض اتخاذها، في مقدمتها تحسين الرواتب الهزيلة ومكافحة الفساد".
وحول أسباب الاستقالات، نقل التقرير عن الباحث عبد الرحمن تيشوري قوله إن "أسباب الاستقالات معروفة في مقدمتها الفساد، والمتابع يلحظ أن الجهات المسؤولة عن مكافحة الفساد والرقابة لم تقم بدورها"، مشيراً إلى وجود القانون 28 لعام 2018، الذي عدل قانون وزارة التنمية الإدارية، في حين لم تقم وزارة التنمية بترجمته على أرض الواقع.
وقال تيشيوري إن "الأكثر خطورة هو انتشار الفساد واختراقه منظومة التنشئة، إضافة إلى الأسباب الرئيسة للفساد التي في مقدمتها تدني الرواتب وتطبيق القوانين والتبليغ عن حالات الفساد، وظروف الحرب التي ساعدت".
وأشار إلى أن "المطلوب سن قوانين أكثر شدة لمكافحة الفساد، وإنشاء منظومة أمنية للإبلاغ عن الفساد بشكل متجانس، واختيار شاغلي المناصب والإدارات على أساس الكفاءات، والأهم استثمار خريجي المعهد الوطني للإدارة العامة".