شهدت السنوات الأخيرة، صعوداً كبيراً للأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا ومناطق أخرى من العالم، ممن تحمل ملامح عنصرية في أدبياتها وبرامجها وسياساتها، وانعكس ذلك على نتائج الانتخابات في العديد من الدول الغربية، من السويد شمالاً، حتى إيطالياً جنوباً.
من هذه الأحزاب والتيارات، من وصل إلى سدة الحكم، وبعضها كاد يصل، مثل "ماري لوبان" زعيمة الحزب اليميني المتطرف في فرنسا، أو أصبح بإمكانهم المشاركة في تشكيل حكومات بلادهم.
وانعكس ذلك على موقف بعض الدول الأوربية التي باتت تطالب بالتطبيع مع النظام السوري، حيث كشفت صحيفة "فورين بوليسي" قبل أيام عن ضغوط تمارسها اليونان وقبرص وإيطاليا والمجر والنمسا وبولندا داخل الاتحاد الأوروبي لتغيير سياسات تماشيا مع مصالح النظام.
التحليلات الصحفية والقراءات الأكاديمية والبحثية في هذا المجال، أشبعت بحثاً وتمحيصاً حول أسبابها، ونتائجها ومآلاتها على الوضع الداخلي لهذه الدول، اقتصادياً ومجتمعياً بشكل خاص، وعلى العلاقات الدولية وخريطة السياسات العالمية، بشكل عام.
أغلب هذه الأحزاب، اشتركت بتأييدها للديكتاتوريات في المنطقة العربية، وعلى رأسهم رئيس النظام السوري بشار الأسد، إضافة إلى معاداتها للاجئين والمهاجرين، ما يطرح تساؤلات حول تأثير وصولها لمواقع القرار، على حال السوريين الموجودين في بلادهم؟
دعم الأسد.. هدف مشترك
يطلق توصيف "اليمين المتطرف"، على التيارات السياسية التي تتبنى نزعة متطرفة معادية للمسلمين واليهود والأجانب، ولديها تمسك متطرف بالقيم الوطنية، والهوية السياسية، والثقافية، واللغوية.
في هذا الإطار، وفيما يتعلق بتأييد الأحزاب اليمينية المتطرفة الغربية للأسد، فإن البعض منها لم تقتصر موالاته لرئيس النظام السوري، على الجانبين السياسي والدعائي، ليتطور إلى العسكري.
وحسب تحقيق سابق لمجلة "نيو لاينز" الأمريكية، فإن منظمة فرنسية غير حكومية لها صلات مع اليمين المتطرف في فرنسا، دعمت ميليشيات تابعة لنظام الأسد.
وكشف تحقيق للمجلة نشرته في 10 يونيو/ حزيران 2021، عن تورط منظمة "أنقذوا مسيحيي الشرق" فرنسية، بدعم وتمويل ميليشيات تابعة لنظام الأسد، مدانة بارتكاب جرائم حرب.
ورغم أن هذه المنظمة غير حكومية، إلا أنها تعمل بالشراكة مع وزارة الدفاع الفرنسية، وعمدت إلى جمع أموال في فرنسا "من أجل مساعدة المسيحيين في سوريا"، إلا أن مستندات وشهادات ووثائق، أظهرت أنها كانت تقدم لميليشيات تابعة لنظام الأسد في محافظة حماة.
أبرز الأحزاب اليمينية الغربية..
في فرنسا، وفي أثناء السباق الانتخابي الذي شهدته البلاد في أبريل/ نيسان الفائت، شددت اليمينية المتطرفة "مارين لوبان"، على نيتها إعادة العلاقات مع نظام الأسد، في تأكيد لمواقف سابقة في ذات السياق أعلنتها خلال عام 2017.
وسبق هذا التصريح، زيارات متكررة لشخصيات من حزب "التجمع الوطني" اليميني الفرنسي المتطرف الذي تتزعمه "لوبان" إلى سوريا للقاء الأسد، كان آخرها في أغسطس/ آب 2021، وترأس الوفد آنذاك النائب في البرلمان الأوروبي، "تيري مارياني"، الذي نقل رسائل من الأسد يبدي فيها استعداده لإعادة العلاقات مع فرنسا.
ولا يتردد أتباع اليمين المتطرّف في فرنسا، في إبداء إعجابهم ببشار الأسد، وداعمه "فلاديمير بوتين"، الذي يوصف بأنه "نبي" هذا الفئة.
ومن الأسماء المتداولة في هذا السياق، حزب "الفجر الذهبي" في اليونان، ممن يصف المعارضين السوريين للأسد بأنهم "مجموعة قتلة"، وحزب "فورزا نوفا"، وحركة "كازا باوند" في إيطاليا، وكذلك التيارات القومية الإسبانية والبلجيكية والبولونية والمجرية، وغيرها من الدول الأوروبية من بينها الدنمارك، التي نفذت أحزاب يمينية داخلها في فبراير/ شباط 2021، حملة طالبت السوريين بالعودة إلى "سوريا المشمسة، بلادكم تحتاجكم"، حسب وصف الشعارات التي أطلقوها.
وهناك أيضاَ "الجبهة الأوروبية للتضامن من أجل سوريا”، التي تأسست عام 2013، على يد شخصيات تنتمي إلى دول أوروبية عدة، من بينها هولندا، وفنلندا، وإسبانيا، وإيطاليا.
أما في ألمانيا، فقد بدأ حزب "البديل" اليميني المتطرف بالانتعاش في الانتخابات الأخيرة ليتقدم فيها، مستغلاً أزمة الطاقة، وهو من الأحزاب الداعية إلى الانفتاح والتعاون مع بشار الأسد، وتكررت خلال السنوات الأخيرة، زيارات وفود منه إلى سوريا للقاء مسؤولي النظام والترويج لرواياته، داعياً اللاجئين السوريين في ألمانيا إلى العودة، ويضع ذلك ضمن مشاريعه السياسية.
أما في أميركا، فلا يمكن عند التطرق إلى دعم اليمين المتطرف للأسد، التغافل عما حصل في مدينة تشارلوتسفيل بولاية فريجينا في أغسطس/ آب 2017، من أعمال عنف اندلعت خلال مسيرتين إحداهما للبيض "المتطرفين"، ممن رفضوا نصبا تذكاريا لأحد جنرالات الحرب الأهلية، والأخرى تناهض العنصرية والكراهية في المدينة، وما تخلل هذه المظاهرات من رفع صورة بشار الأسد، ومكتوب ضمنها عبارة: "الذي لا يقهر".
وفي ذات المدينة، شهد الاجتماع الحاشد الذي نظمته حركة "القوميين البيض" الأمريكية، لقاءً مع متظاهر كان يرتدي قميصا كتب عليه: "شركة توصيل برميل بشار"، في إشارة إلى البراميل التي كانت تلقيها قواته على المدن والبلدات السورية، وهتف المشاركون: "الأسد لم يخطئ بأي شيء".
وفي محاولة للإجابة على أسباب محبة القوميين البيض في أوروبا وأمريكا للأسد، الذي يعتبرونه بطلاً، يقول موقع "ذي إنترسبت" الأمريكي، إن الأسد نال إعجابهم، لأن نظامه يستخدم في حملاته الدعائية التي يبثها في أوروبا، ذات العبارات التي يستخدمها اليمين المتطرف، مثل بناء "مجتمع نقي متجانس" من المؤيدين للأسد.
وحسب الموقع، فإنه في حين يهدف القوميون البيض إلى "خلق مجتمع صحي ومتجانس من خلال النقاء العرقي"، فإن ذلك يعني بالنسبة للأسد "مجتمعاً خاليا من أي نوع من المعارضة".
في ذات السياق، يرى الباحث في شؤون الشرق الأوسط زياد ماجد، أن الأسد أصبح أحد رموز التيارات اليمنية المتطرفة في الغرب، التي تروج لمزاعم أن ما يجري في سوريا عبارة عن "سلطة تفرض النظام والاستقرار على الشعب"
أهداف يحققها الأسد
استخدم الأسد ونظامه الأحزاب اليمينية لأهداف عدة من بينها:
تلميع صورته أمام مجتمعاتهم من خلال مزاعم "مكافحة الإرهاب"، والترويج للأكاذيب التي ينشرها حول ما يجري في سوريا، وأنه آخر القادة العرب الذين يقفون ضد "الإمبريالية الأمريكية" و"التطرف الإسلامي".
الأمر الآخر، إيصال رسائل سياسية للحكومات وقادة هذه البلدان، وفي غالبها استعداده للحوار وإعادة العلاقات، وإمكانية المساعدة في حل قضية اللاجئين التي بدأت تؤرق تلك الدول.
سوريون يتخوفون من "اليمين"
فيما يتعلق بملف الهجرة، سادت مخاوف لدى عديد من السوريين في أوروبا، من معاداة الأحزاب اليمينية للاجئين والمهاجرين، تزامناُ مع دعواتهم لإعادة تعويم الأسد، وتبرير جرائمه، بل ويباركونها.
وترى هذه الأحزاب، أن اللاجئين والمهاجرين يشكلون خطراً على ثقافة المجتمع الأوروبي وهويته، ويزعمون وجود تأثيرات سلبية لهم على فرص العمل وجودة الخدمات الاجتماعية والصحية والمجتمعية، مع الإشارة إلى أن هذه المزاعم، كانت باباً من الأبواب التي دخلوا فيها حملاتهم الانتخابية، ونجحوا إلى حد كبير في الحصول على أصوات الناخبين.
المثير في هذا المجال، أن العديد من المنتسبين لهذه الأحزاب ونوابهم من أصول شرق أوسطية أو شمال أفريقيا، ومع ذلك، لا يتوانون عن كراهيتهم لأبناء بلدانهم، بل ويتغزلون بالديكتاتوريات .
ونذكر هنا، أنه في ألمانيا، يتفاخر اللاجئ السوري الأرميني "كيفورك ألماسيان" المنتمي لحزب "البديل من أجل ألمانيا" المتطرف، بتأييده للنظام السوري وبشار الأسد، وهو من المحرضين ضد اللاجئين السوريين، وقد رفضت السلطات الألمانية طلبه للجوء، لأن تهديدات النظام لا تطوله، ما أثار امتعاض وغضب حزبه.
دعم روسي مباشر
المحلل السياسي والباحث في العلاقات الدولية محمود الابراهيم، يرى بأن "الأحزاب اليمينية في أوروبا مدعومة بشكل مباشر من هيئة أمن الدولة الروسية، وهي امتداد لمشروع روسيا في أوروبا"، إضافة إلى "توجهات الأحزاب العنصرية في أمريكا، التي تتفق على مواجهة الإسلام السياسي".
وأضاف في حديث لموقع "تلفزيون سوريا"، أن اليمين المتطرف لم يكن فاعلاً في أوروبا قبل العقدين الأخيرين، "ولم تكن هناك تنظيمات واسعة قوية قادرة على الدخول في الانتخابات والسيطرة على المجال السياسي، لكن بعد غزو العراق بدأت بالظهور والسيطرة على المشهد السياسي الأوروبي".
ويشير الابراهيم، إلى أنه "ما قبل 20 إلى 25 عاماً، كان ظهور اليمين غالباً عبر أصوات فردية، وتعاني ضعفاً في الأداء، وصعوبة في الوصول إلى البرلمان، كما تعاني من نبذ مجتمعي، إضافة إلى أن الأحزاب اليمينية كانت تعاني من معاداة من المؤسسات الصهيونية، داخل الاتحاد الأوروبي، لكونها تعادي اليهود بشكل أو بآخر".
وحول تأثير صعود اليمين على واقع اللاجئين السوريين في أوروبا، توقع أن تصل الأحزاب اليمينية إلى السلطة في أوروبا خلال السنوات العشر القادمة، "وقد يكون من سياساتها طرح مشاريع لمعالجة مسألة اللاجئين، وتنظيم وضعهم دون التخلي عنهم، بسبب حاجة البلاد إلى اليد العاملة".
وتابع: "على المدى المنظور، لن يكون لهذه الأحزاب تأثير حقيقي، لكن على المدى المتوسط، قد يكون هناك نوع من التأثير، مثل عرقلة الحصول على الجنسيات، أو حيازة حقوق الإقامات".
وفي إجابة عن تساؤل حول تأثيرات تسلم اليمين للسلطة في أوروبا على الشأن السوري، يقول المحمود، إن "الميليشيات هي التي تحكم في البلاد والنظام السوري غير موجود فعلياً، وبالتالي لا يعول عليه"، مشيراً في هذا السياق، إلى أنه "لا يمكن تجاهل أن النظام السوري منذ عقود عبارة عن نظام مافيوي، ويعتمد على شبكات مالية وسياسية وجماعات ضغط سياسية واقتصادية مهمة في أوروبا ومناطق أخرى من العالم، لتأمين حركته المالية والسياسية، وهذه الجماعات هي من تؤمن الغطاء للأحزاب اليمينية المتطرفة".