في الوقت الذي تتغير فيه خرائط العالم ومنطقة الشرق الأوسط، تسعى القوى المتصارعة والمتنافسة على توسيع هامش نفوذها، وتعزيز وضعيتها على الأرض. يأخذ الصراع أو التنافس طبائع متعددة، بما فيها السيطرة على المضائق والممرات البحرية والبرية، أو السعي إلى تكريس وقائع عسكرية على الأرض، وهو ما تشهده منطقة المشرق العربي، وتحديداً العراق، سوريا، ولبنان وفلسطين. لا تنفصل الصراعات في هذه الدول، عن الصراع الأكبر بين الدول العظمى. وهو صراع بين "طريق الحرير" والطريق الاقتصادي الجديد الذي يربط آسيا بأوروبا مروراً بالشرق الأوسط والخليج العربي.
غاية الصين هي الارتباط ببحر العرب، مروراً بباكستان، بهدف تسريع صادراتها إلى الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا، بكلفة أقل ووقت أسرع
هما طريقان يتواجهان مع بعضهما البعض. خصوصاً بعد انعقاد قمة مجموعة دول العشرين في الهند والتي أعلن فيها الطريق الاستراتيجي. ينطلق الخط الجديد الذي ينطلق من الهند، إلى الإمارات ومنها إلى المملكة العربية السعودية، ومن ثم حيفا وصولاً إلى اليونان ومنها إلى أوروبا. وهو في مواجهة طريق الحرير الذي يعبر من الصين إلى باكستان إلى الكويت وصولاً إلى سلطنة عمان ومن هناك إلى إفريقيا. علماً أن غاية الصين هي الارتباط ببحر العرب، مروراً بباكستان، بهدف تسريع صادراتها إلى الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا، بكلفة أقل ووقت أسرع. تُعتبر الصين أكبر شريك تجاري لدول المنطقة، ولديها طموح في توسيع نسبة التبادلات التجارية مع الشرق الأوسط إلى 600 مليار دولار في السنوات القليلة المقبلة. مقابل تعزيز وتسريع الاستثمار الصيني للنفط الشرق أوسطي، عبر باكستان.
هناك ثلاثة طرق يعمل على إنجازها الصينيون، الأول باتجاه أوروبا عن طريق أوزبكستان وتركيا، عبر القطار السريع الذي تستهلك الرحلة فيه من بريطانيا إلى الصين 18 يوماً، بدلاً من 48 يوماً في البحر. أما الطريق الثاني، فهو طريق الحرير التقليدي، الذي يعبر من باكستان وأفغانستان وصولاً إلى سوريا ولبنان. في حين الطريق الثالث ذاك الذي أنجزه الصينيون في اتجاه باكستان بعد تشييد مرفأ كبير جدّاً هناك، بهدف تخفيف الضغط عن موانئ الخليج. وهذا قد يبرر التشديد الخليجي في الحصول على بعض الموانئ في اليمن، لا سيما سومطرة والحديدة، بالإضافة إلى عدن، لأن هذه المناطق الثلاث تمسك بمفاصل النقل البحري، بين الشرق والغرب. وهذا أيضاً ما يفتح النظر على الصراع بين الصينيين وبعض دول الخليج على من يستحوذ على مناطق نفوذ وموانئ في الصومال.
في كل الأحوال، وبعيداً عن هذه التفاصيل، فإن هذا الاتفاق من شأنه أن يفيد المصلحة الإسرائيلية من الناحية الاستراتيجية، خصوصاً من خلال تحويلها إلى قبلة لممرات التجارة العالمية، بالإضافة إلى دمجها مع دول المنطقة، لا سيما أن الاتفاق سيقود إلى تطبيق اقتصادي كان قد انعكس سريعاً في زيارة وفد إسرائيلي إلى السعودية. يمكن لهذا الطريق الجديد أن يكرس مسألة التطبيع الإسرائيلي السعودي، وسط مساع أميركية مبذولة بقوة لتحقيق إنجاز من هذا النوع، وهو يحتاج إلى اتفاق مع السلطة الفلسطينية والحصول على قرار واضح وحاسم منها.
كأن الصراعات داخل فلسطين أو مخيمات لبنان هدفها الإمساك بواقع الأرض، تحسباً لحصول أي تطبيع إسرائيلي سعودي بموافقة السلطة الفلسطينية
هنا يمكن النظر إلى كل التطورات العسكرية الحاصلة في المنطقة، من لبنان إلى سوريا والعراق وفلسطين، لا سيما أن أي نشاط اقتصادي لا يمكن أن ينجح في ظل "جوار ينهار" أو يفتقد لكل مقومات الاستقرار، فيما تستفحل فيه صراعات النفوذ والسيطرة، وهو مشهود في سوريا من خلال التحشيدات العسكرية المتنوعة، وما ينسحب على فلسطين أيضاً التي تشهد صراعات بين السلطة الفلسطينية وحركة فتح من جهة، مع قوى أخرى من جهة ثانية بما فيها حماس والجهاد الإسلامي. هذا الصراع له طابع آخر في لبنان يتجلى في المعارك الدائرة في مخيم عين الحلوة، بين فتح والقوى الإسلامية. وكأن الصراعات داخل فلسطين أو مخيمات لبنان هدفها الإمساك بواقع الأرض، تحسباً لحصول أي تطبيع إسرائيلي سعودي بموافقة السلطة الفلسطينية، فحينذاك لا بد من عرقلته من خلال تحريك الأرض المسيطر عليها وتخريب أي اتفاق، في موازاة تخريب أي مسار لهذا الطريق الاستراتيجي طالما أنه غير محمي باستقرار سياسي واقتصادي.