توفي اليوم الجمعة اللواء علي عباس حيدر (90 عاماً) قائد القوات الخاصة في الجيش السوري في الفترة ما بين 1968 وحتى 1994 عندما عزله حافظ الأسد، رغم مشاركة اللواء وقواته الخاصة في مجزرة حماة ووقوفه إلى جانب حافظ في صراع الخلافة الذي نشب مع شقيقه رفعت الأسد.
فلماذا عزل حافظ الأسد اللواء علي حيدر؟ وما الدور الذي لعبه الأخير في صراعات الـ 26 عاماً التي خدم فيها؟
من هو علي حيدر؟
علي عباس حيدر، ولد في قرية حلة عارا بريف جبلة عام 1932، يعرف باسم "الأب الروحي للقوات الخاصة السورية"، إذ تسلّم قيادتها لنحو 26 عاماً، وكان أحد المقربين من حافظ الأسد وواحداً من أعضاء دائرته الضيقة.
وبحسب كتاب "فلاحو سورية": "كان علي حيدر من عشيرة الحدادين، و"ابن أخي" (مصلح ديني ذو تأثير كبير) الشيخ أحمد محمد حيدر والزعيم الديني العلوي المعروف، ولا سيما بين أبناء عشيرة الحدادين، نتيجة أفكاره الإصلاحية. وسعى الشيخ أحمد حيدر الذي تعامل قبّته (أو مزاره) بالإجلال في قريته الأصلية حلّة عارة، إلى تحرير العقيدة العلوية من الخرافات، وإلى التوفيق بينها وبين الاتجاهات الحديثة في التفكير. ولا بدّ من تأكيد نقطة أخرى ذات صلة، وهي أن أبناء المشايخ يحتفظون بالنفوذ بين أبناء قراهم أو حتى ضمن الجماعة العشائرية أو الدينية الأوسع، ويحترمون من خلال عائلاتهم، حتى لو لم يكونوا هم أنفسهم رجال دين. وهذا صحيح على الأقل في حالة علي حيدر".
عُيّن حيدر ضابط مشاة في الجيش السوري عام 1952، بعد تخرجه في الكلية الحربية بحمص، ومنها تدرّح ليصبح قائد القوات الخاصة عام 1968 بعد تلقيه تدريباً في أكاديمية القوات المحمولة جواً السوفييتية.
وفي عام 1988 توقف علي حيدر عن ممارسة السيطرة المباشرة على وحداته، لكنه عاد إلى موقعه في أوائل التسعينيات.
وفي انقلاب "الحركة التصحيحية" عام 1970، قدّم حيدر الدعم العسكري لحافظ الأسد وساعده في الوصول إلى السلطة وسَجْن الرئيس حينذاك نور الدين الأتاسي حتى وفاته.
وبقي في منصبه حتى عام 1994، عندما عزله حافظ الأسد وعيّن بدلاً عنه اللواء علي حبيب.
والجدير بالذكر أن حيدر كان أحد أذرع رفعت الأسد الذي ارتكب مجزرتي حماة وجسر الشغور في ثمانينيات القرن الماضي، كما أنه كان في فترة من الفترات الحاكم الفعلي للبنان إبان دخول الجيش السوري إليه.
علي حيدر في أزمة الخلافة
لعب اللواء علي حيدر دوراً ضبابياً في "أزمة الخلافة" التي نشبت بين حافظ الأسد وشقيقه رفعت الأسد، ويروي الدكتور صالح عضيمة في كتابه "تحليل رفعت الأسد" رواية علي حيدر ما حدث في يوم الـ 13 من تشرين الثاني عام 1983، عندما كان حافظ الأسد في المستشفى يمر في أخطر حالة طبية، في حين جمع شقيقه رفعت كبار الضباط.
وجاءت رواية اللواء علي حيدر الذي لم يذكره عضيمة صراحة باسمه وإنما بلقب "حارس القوات الخاصة"، ما قاله رفعت للضباط على النحو التالي: "إن أخي لم يعد لنا في حياته أمل... وحتى إن سلم هذه المرة ونجا من الموت، فإنه لن يعود قادرًا على القيام بأعمال الدولة... مرضه شرس عضال، أصيب به منذ مدة طويلة. وإنه عانى منه معاناة قاسية خفيت على الجميع إلا علي وعلى بعض أفراد الأسرة وإذا رحنا ننتظر بحزن عميق ما سيؤول إليه مصيره، فلا يجوز أن نسهو عن مصيرنا ومصير الشعب والبلاد. فالأعداء يتربصون في الداخل ويترصدون في الخارج... لماذا لا نجعل من لقاءاتنا هنا فرصة للتشاور فيمن سيخلفه؟... لا أعتقد أنكم تؤثرون عليّ رجلًا آخر. فأنا مرشح لوراثته واستلام مكانه منذ وقت طويل... وأنتم تعلمون ذلك... اجتمعت مع السفير الأميركي أكثر من مرة، واتفقنا معًا على رسم الخطة التي سنمضي عليها... وقد نقل السفير إلي التزام أميركا معنا... وأنا وعدته بدوري أن نتحرك... في أقرب وقت تجدونه مناسبًا، ولعل في اليوم أو في الغد خير ميعاد لتحركنا...، والانتقال إلى وضع جديد، يبدو لي أنه سيكون أكثر إشراقًا... وأكثر خصوبة وخيرًا للبلاد".
ظهر الخلاف للعلن بين حافظ ورفعت بشكل واضح في "حرب الملصقات" عندما كان أنصار وضباط رفعت ينشرون صوره في شوارع دمشق، ثم يغطيها أنصار وضباط حافظ بصور الأخير، ثم أصدر حافظ لائحة بتعيينات الجيش نقلت الموالين لرفعت، أو أبعدتهم، ووصلت هذه الأزمة إلى حد الصدام في دمشق في 27 شباط عام 1984 بين سرايا الدفاع وعناصر من الحرس الجمهوري، ليتدخل حافظ لتخفيف حدة الصراع ويصدر في الـ 11 من آذار قراراً بتعيين رفعت نائباً له.
ويقول حنّا بطاطو في كتابه "فلاحو سورية": لكن سرعان ما تبين أن ذلك لم يكن أكثر من مناورة بارعة من الأسد ليحد أكثر من سلطة أخيه. أولًا، لأن مسؤولياته الجديدة لم تحدد، وثانيًا، لأن مواليًا للأسد عيّن في قيادة سرايا الدفاع".
أجبر رفعت الشخص الذي عيّنه حافظ على التخلي عن قيادة سرايا الدفاع، وحوّل تلك القيادة إلى صهره، في ليل 30 آذار أمر الوحدات المدرعة التي تمكن من حشدها بسد جميع الطرق المؤدية إلى دمشق وبالزحف إلى العاصمة بكامل قوتها.
وبحسب كتاب "تحليل رفعت الأسد"، استُدعي علي حيدر، قائد الوحدات الخاصة، على عجل إلى رئاسة أركان الجيش، ووجهت إليه اتهامات بالتواطؤ مع رفعت الأسد، فاحتج ونفى ذلك، فطُلب منه الاتصال برفعت ومواجهته.
وما إن اتصل حيدر برفعت، قال له الأخير: "أرجو أنك لا تزال عند وعودك التي قطعتها على نفسك بمناصرتي والوقوف إلى جانبي في هذه الساعة التي طال انتظارنا لها جميعنا". فرد عليه علي حيدر: "ومتى كان ذلك وفي أي مكان؟ وكيف تجرؤ أن تخاطبني بهذا الزعم الباطل؟". وشتم الرجلان بعضهما بعضًا، وختم حيدر حديثه بالتأكيد على ولائه لحافظ الأسد.
ويرى الدكتور صالح عضيمة كاتب سيرة رفعت، أن علي حيدر كان يلعب على حبلي رفعت وحافظ، ليضمن لنفسه موقعاً مهماً في حال انتصر أحد الأخوين. لكن عندما بلغ الصراع مرحلة الجدية والصدام العسكري، اصطف علي حيدر مع حافظ الأسد، ودفع قواته الخاصة لمواجهة ومحاصرة قوات "سرايا الدفاع".
أنهى حافظ الأسد الصراع مع شقيقه رفعت بمغادرة الأخير البلاد مع مرافقيه وضباطه ومبالغ مالية هائلة.
بعدئذ بدأ حافظ الأسد بسياسة قص أجنحة الضباط المتنفذين في الجيش، وزاد من قوة "الحرس الجمهوري"، وسلم ابنه البكر باسل برنامج "الضباط القادة" المستقبليين، ثم سلمه لابنه بشار بعد وفاة أخيه باسل.
سببت هذه التغييرات إزعاجاً للواء علي حيدر الذي يقود قرابة 12 ألف جندي من القوات الخاصة، تمتد من مركز القيادة في القطيفة على بعد 30 كم عن دمشق وحتى طرابلس في لبنان وكذلك في جوار مرفأ طرطوس السوري وعلى جبل قاسيون المطل على العاصمة.
وانتقد اللواء علي حيدر تأهيل باسل الأسد لكنه كان أكثر حدية في انتقاد تسليم بشار بعد وفاة باسل مراكز عليا في الجيش، ونُقل عنه أنه قال مرة: "سورية ليست ملكية وراثية".
وفي اجتماع حضره رئيس الأركان حكمت الشهابي عام 1994، أعرب علي حيدر عن انزعاجه من مشاركة حافظ الأسد في عملية السلام وتعهد الأسد العلني بإقامة علاقات مع إسرائيل شريطة انسحاب قواتها الكامل من مرتفعات الجولان، وقال حينئذ حيدر: "لقد أصبحنا غير موجودين. نحن حتى لم نستشر".
ويُرجّح أن ما قاله في هذا الاجتماع وما رافقه من جدال بينه وبين الشهابي، هو ما دفع حافظ الأسد لاعتقال علي حيدر في صيف ذلك العام. والاستعاضة عنه في قيادة الوحدات الخاصة باللواء علي حبيب.
وبعد اعتقال علي حيدر، وزعت فروع المخابرات منشورات في دمشق أن لديه 51 مليون دولار مخبأة في حسابات مصرفية أجنبية، اعتبر بعضهم أنها خطوة لتشويه سمعة "اللواء الأسطورة في القوات الخاصة".
جاء عزل علي حيدر من قبل حافظ الأسد، كمؤشر واضح لبقية الضباط المتنفذين بأنه لن يقبل اعتراضات بعد الآن.
ومنذ ذلك الحين خبا لهيب علي حيدر واعتكف في قريته، ولم يظهر اسمه بعد اندلاع الثورة السورية إلا عندما تناقلت صفحات محلية خبراً بأن علي حيدر كان في مجلس عزاء أقيم في بلدة بيت ياشوط لضابط في القوات الخاصة قُتل في المواجهات مع الجيش الحر، وتساءل اللواء علي حيدر: "هل هذه القوات الخاصة التي بنيناها خلال أربعين عاماً؟ معقول تموتوا الشباب يلي ربيناهم وتعبنا عليهم كل هالتعب بهي الطريقة؟ معقول يموتوا متل الدبان؟ معقول هدول الشباب واجهوا إسرائيل بجبل الشيخ والإخوان في الثمانينات يموتوا بالجملة متل البرغش".
ورد ضابط كان حاضراً العزاء على حيدر بالقول: "والله يا عمي أبو ياسر، المعلم (بشار الأسد) لا ينام ليل ولا نهار من همه على الجيش، بعدين لا تنسى انو المسلحين معهم أسلحة حديثة لأول مرة منشوفها".
وانفجر علي حيدر بالصراخ: "خ**ي عليك وعلى المعلم تبعك ... هيك قله عن لساني. الولد بيبقى ولد لو عمّر بلد. أبوه عمل مية مصيبة بالبلد، لكن كلها بكفة وتوريث ابنه بكفة لحالها. قله لها الجحش يضب شنتياته حقيبته ويحل عن ط**نا ، هدول الشباب يلي عم بيموتوا مو مرابعين أجراء ورثهم عن يلي خلفه منشان يموتهم ... المقابر كلها تعبّت".