كان شهر تشرين الأوّل الفائت قاسياً على المدنيين في شمال غربي سوريا، حيث ارتكبت فيه روسيا وقوات النظام السوري هجمات ومجازر بمختلف أنواع الأسلحة بما فيها المحرّمة دولياً، ما أدّى إلى مقتل وجرح 336 مدنياً، معظمهم من النساء والأطفال.
ودفعت هذه الهجمات المكثّفة للنظام وحلفائه، نزوح مئات المدنيين إلى مخيّمات تفتقر للحد الأدنى من مقومات الحياة، خاصةً مع دخول فصل الشتاء وبدء موجة البرد القارس، وسط شحّ كبير في المساعدات الإنسانية.
ضحايا القصف والمجازر
وثّق الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) في تقرير، اليوم الأربعاء، مقتل 66 مدنياً بينهم 23 طفلاً و13 امرأة، وإصابة أكثر من 270 آخرين بينهم 79 طفلاً و47 امرأة و3 متطوعين في الدفاع المدني، بغارات وقصف لـ قوات النظام السوري وحليفته روسيا في شمال غربي سوريا، خلال شهر تشرين الأوّل الفائت.
وأضاف التقرير أنّ قوات النظام ارتكبت ثلاث مجازر، خلال تشرين الأوّل، أغلب الضحايا فيها من الأطفال والنساء، كانت الأولى ليل الخميس (5 تشرين الأول)، باستهداف قوات النظام بقصف صاروخي منزلاً سكنياً لعائلة مهجّرة في بلدة كفرنوران غربي حلب، ما أدى لمقتل 5 مدنيين من عائلة واحدة (امرأة مسنة مقعدة وأبناؤها الأربعة شابان وامرأتان) وإصابة امرأة.
والمجزرة الثانية، يوم الأحد (22 تشرين الأول)، باستهداف مدفعي لخيمةٍ قرب منزل سكني في قرية القرقور بمنطقة سهل الغاب شمال غربي حماة، وراح ضحيتها 5 أطفال بينهم 3 أشقاء، وطفلة ابنة عمهم، إضافة لطفل آخر وفقدان شقيقته (كانت تلعب مع الأطفال الذين قتلوا ولم يعثر عليها).
ووقعت المجزرة الثانية، يوم الثلاثاء (24 تشرين الأول)، باستهداف طائرات حربية روسية لمخيم "أهل سراقب" في قرية الحمامة غربي إدلب، ما أدى إلى مقتل 5 مدنيين وهم امرأتان شقيقتان إحداهما حامل وجدتهما ورضيعان، وأصيب 5 مدنيين آخرين بينهم 3 أطفال أحدهم رضيع.
عدد الهجمات والأسلحة المستخدمة
استجابت فرق الدفاع المدني السوري، خلال تشرين الأوّل، لـ287 هجوماً شنّه النظام السوري وروسيا من بينها 160 هجوماً مدفعياً وأكثر من 70 هجوماً صاروخياً، استُخدم فيها مئات القذائف المدفعية والصواريخ.
وبينها 30 هجوماً جوياً من طائرات حربية روسية، 9 هجمات بالأسلحة الحارقة المحرّمة دولياً وهجوماً واحداً بالقنابل العنقودية المحرّمة دولياً أيضاً، وهجومان بصواريخ موجهة، وهجومٌ بصاروخ أرض أرض بعيد المدى.
المرافق المستهدفة
استهدف قصف وغارات قوات النظام وروسيا، عشرات المرافق العامة ومنازل المدنيين في أكثر من 70 مدينة وبلدة شمال غربي سوريا، ومن بين تلك المرافق أكثر من 13 مدرسة.
كذلك استهدف القصف أكثر من 7 مرافق طبية تعرّضت للاستهداف المباشر، و5 مساجد، و5 مخيمات و5 أسواق شعبية و4 مراكز للدفاع المدني السوري، بينها مركز لصحة النساء والأسرة، ومحطة كهرباء، و3 محطات مياه، و3 مزارع لتربية الدواجن.
موجات النزوح والتهجير
منذ بداية التصعيد، مطلع تشرين الأوّل الفائت، كانت حملات القصف كفيلة بتجدّد مأساة النزوح والتهجير لعشرات الآلاف من المدنيين من مدن وبلدات ريفي إدلب الشرقي والجنوبي، وريف حلب الغربي.
ونزحت آلاف العائلات من دارة عزة غربي حلب، ومدن إدلب وأريحا وجسر الشغور وسرمين وقرى آفس والنيرب وترمانين والأبزمو وعشرات القرى في جبل الزاوية جنوبي إدلب، وباتت شبه فارغة من ساكنيها، بسبب القصف العنيف والمكثف.
اقرأ أيضاً.. أكبر موجة نزوح منذ 3 سنوات.. مراكز إيواء تستقبل مهجّري القصف على إدلب |صور
وتقدّر أعداد السكّان بشكل تقريبي في المناطق المذكورة بنحو 750 ألف شخصٍ، توجّهت أعداد كبيرة منهم إلى المدن والبلدات الأقل عرضةً للقصف والأقل خطراً على حياتهم، في حين توجّهت أعداد أكبر إلى مخيمات التهجير التي تعاني أساساً من ضعف كبير في البنية التحتية.
شتاء جديد يفاقم الأوضاع الإنسانية في المخيمات
أدّت حملة التصعيد التي شنّتها قوات النظام وروسيا على شمال غربي سوريا، خلال شهر تشرين الأوّل، إلى زيادة أعداد المدنيين المهجّرين في المخيمات بسبب الدمار الكبير الذي لحق بالمنازل السكنية واستمرار النظام بقصف المناطق القريبة من خط التماس، خاصةً مع استخدامه للأسلحة الحارقة ضد المدنيين.
وأطلقت روسيا والنظام السوري طائرات استطلاع لرصد المنطقة قبل وبعد القصف، بهدف منع وصول المستجيبين وفرق الإنقاذ إلى الأماكن المُستهدفة، ما جعل البقاء في تلك المناطق يشكّل خطراً كبيراً على حياة المدنيين.
ومع ذلك، فإنّ مناطق الاستهداف ليست أقل خطراً من العيش في مخيّمات التهجير مع قدوم فصل الشتاء وما تشهده المخيمات من مأساة متكرّرة كل عام، بسبب ضعف المساعدات الإنسانية وعدم كفايتها للحد الأدنى من احتياجات المهجّرين.
وينذر استمرار التصعيد بموجة نزوح جديدة نحو المخيّمات المهدّدة أساساً بكارثة إنسانية مع اقتراب موعد انتهاء التفويض بإدخال المساعدات الإنسانية عن طريق معبر باب الهوى الحدودي، الذي يشكّل شريان الحياة الوحيد لمناطق شمال غربي سوريا، والتي يعيش فيها أكثر من 4 ملايين مدني نصفهم مهجّرون قسرياً من عدة مناطق في سوريا.
ويأتي التصعيد على شمال غربي سوريا في سياق سياسة ممنهجة تهدف لضرب الاستقرار فيها، ونشر الرعب بين المدنيين الآمنين ومنعهم من عيش حياتهم الطبيعية، وهذه الهجمات التي تزيد من معاناة المدنيين، تعتبر جرائم حرب وهي انتهاك واضح للقانون الدولي الإنساني ولحقوق الإنسان.
يشار إلى أنّ الشبكة السورية لـ حقوق الإنسان أصدرت تقريراً، يوم الأربعاء، يكشف عن مقتل 161 مدنياً في سوريا، خلال شهر تشرين الأوّل الفائت، بما في ذلك 34 طفلاً و44 امرأة و2 رجل بسبب التعذيب، 49% منهم نساء وأطفال.