ما يميز مجموعة "عرين الأسود" أنها ظهرت في مناخ غير متوقع بمدينة نابلس وبشكل فاجئ الاحتلال الإسرائيلي ومستعربيه الذين يحكمون قبضتهم الأمنية على الضفة الغربية المحتلة.
لم ينقطع النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، منذ أربعينيات القرن الماضي، على الرغم من غرق الفصائل المتخاصمة والمتحكمة بالمشهد في أتون السياسة، وكان هناك على الدوام من يجدد روح محاربة المحتل.
سريعاً تصدرت أنباء المجموعة صحف وعناوين الأخبار في إسرائيل تتحدث عن خطر من مصدر غير معتاد، وباتت "عرين الأسود" على رأس الأولويات الأمنية لقوات الاحتلال الإسرائيلي.
مجموعة من الشبان الفلسطينيين من خلفيات فصائلية مختلفة جمعتهم فكرة تجديد مقاومة الاحتلال بأساليب وتكتيكات جديدة.
يرتدون زياً موحداً مقنعين ويضعون شرائط من القماش الأحمر على فوهات بنادقهم، ويحرمون هدر أي رصاصة إن لم تكن موجهة نحو جنود الاحتلال ومستوطنيه والعملاء المتعاونين معه.
النشأة والمكان
ظهرت "عرين الأسود" للعلن في 2 أيلول/سبتمبر الماضي، لأول مرة، في نابلس عبر تنظيم استعراض عسكري خلال تأبين اثنين من قادتها هما محمد العزيزي وعبد الرحمن الصبح بعد 40 يوما على مقتلهم برصاص القوات الإسرائيلية.
وبحسب كلمة التأبين، التي تلاها شاب ملثم، فإن العزيزي هو "المؤسس" في حين وصف الصبح بأنه "أسد الاشتباكات المسلحة".
لكن البدايات الفعلية للتنظيم الذي يتخذ من البلدة القديمة في محافظة نابلس شمالي الضفة مقراً له، تعود إلى الأشهر الأولى من العام الجاري، وفقاً لبيانات المجموعة على "التليغرام".
وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن "عرين الأسود" هي امتداد لـ "كتيبة نابلس"، التي أُنشئت أسوة بكتيبة جنين، جارة نابلس الشمالية.
بدأت بوادر عمليات هذه المجموعة منذ شباط/فبراير الماضي، عندما لاحظ جهاز أمن الاحتلال ارتفاعا ملحوظا في عمليات إطلاق النار على أهداف عسكرية إسرائيلية في محيط نابلس.
نفذت المجموعة، خلال الأشهر الأخيرة، سلسلة من عمليات إطلاق النار استهدفت حواجز قوات الاحتلال في محيط نابلس والمستوطنين، أدت إحداها إلى مقتل جندي يوم 11 تشرين الأول/أكتوبر الجاري.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس حذر، في 13 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، من أن نابلس وجنين تشكلان "تحديا كبيرا" لجيشه، متوعداً بالقضاء على "عرين الأسود".
وفجر الثلاثاء الماضي، قتل الجيش الإسرائيلي 6 فلسطينيين بينهم 5 في البلدة القديمة من نابلس، أحدهم وديع الحوح (31 عاما) الذي وصفه بأنه قائد مجموعة "عرين الأسود".
وشهدت نابلس جنازة حاشدة في أثناء تشييع عناصر "عرين الأسود"، في مشهد يشير بشكل لافت إلى وحدة الفلسطينيين.
كما سارعت مختلف الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها السلطة في رام الله إلى تشجيع "عرين الأسود" نظراً لبروز نشاطها سريعاً في الساحة الفلسطينية.
تمتلك المجموعة قناة على تطبيق "التليغرام"، يتابعها نحو 240 ألف مشترك، تنشر فيها البيانات وأخبار العمليات العسكرية، ورصد موقع "تلفزيون سوريا" أول منشور لها في 30 آب/أغسطس الماضي.
ضبط البوصلة وتجاوز الفصائلية
تعد "عرين الأسود"، التي لم تأخذ بعد طابع التنظيم، ظاهرة جديدة للشبان الفلسطينيين الرافضين للاحتلال، في ظل غرق النضال الفلسطيني المسلح المتمثل بحماس وفتح والجهاد الإسلامي في السياسة والخلافات الفصائلية.
وهي تعبير عن تجديد مقاومة الاحتلال سبقها ظواهر أقل أهمية وأكثر خطورة مثل عمليات الطعن والتسلل إلى العمق الإسرائيلي وتنفيذ عمليات فردية، كل ذلك نتيجة انسداد أفق الحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
نشرت المجموعة، خلال تأبين العزيزي والصبح، ميثاقها وبيان انطلاقها، جاء فيه التأكيد على النهج المقاوم للاحتلال ومستوطنيه ومن يساندهم من العملاء فقط.
قرأ بيان الميثاق ملثم يتقدم عشرات المسلحين، قال فيه "إن بنادقنا لن تُصدِر رصاصة في الهواء عبثاً، وجهتها الوحيدة هي الاحتلال".
وأضاف أن إطلاق النار في الهواء خروج واضح عن الصف الوطني.
وتوعد البيان الاحتلال بمعارك متجددة ومحيرة لا يمكن لإسرائيل أن تتوقع شكلها مسبقاً بالاعتماد على عنصر المبادرة والمباغتة.
كما شددت المجموعة على وحدة الصف الفلسطيني، وأعلنت نأيها بالنفس عن الفصائلية وعدم الانخراط بالانقسام الفلسطيني لأن بوصلتها هي محاربة الاحتلال.
تجديد النضال ضد المحتل
يبرز في خطاب "عرين الأسود"، من خلال قراءة بياناتها، عنفوان الشباب وروح الحماس عبر الدعوة إلى عدم الاستسلام لمواجهة جنود الاحتلال.
كما أن صياغة البيانات المنشورة على قناة "التليغرام" ولغتها البسيطة والتي تبدأ بالبسملة وآيات من القرآن الكريم تظهر بأنه لا يوجد عمل مؤسساتي أو تنظيم حركي هرمي واضح المعالم يقود المجموعة، وإنما مجموعة عفوية اجتمعت على هدف واحد ومحدد.
أكدت المجموعة على قناتها، وفي عدة بيانات إنها "غير تابعة لأي فصيل" سياسي فلسطيني، وليس لها "أجندات سياسية، ولا نرضى أن نُسيّر من أي مكان بالعالم، أجندتنا فقط رفع راية لا إله إلا الله، محمد رسول الله".
كما تقود "عرين الأسود" نشاطات لتحريك الساحة الفلسطينية وتنشيط سبل مقاومة الاحتلال.
وفي عدة مناسبات طلبت المجموعة من الفلسطينيين القيام بفعاليات كالتكبير في المساجد وعلى أسطح المنازل أو إغلاق الشوارع وإشعال إطارات السيارات لمنع تقدم الجيش الإسرائيلي، وللتشويش على طائرات الاستطلاع، أو الإضراب، وكانت الاستجابة واسعة.
في المقابل، نفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي عدة عمليات اغتيال بحق عناصر وقادة مجموعة "عرين الأسود" بينهم إبراهيم النابلسي الذي استهدف يوم 9 آب/أغسطس، وتامر الكيلاني الذي استهدف بتفجير دراجة خلال مروره من شارع وسط البلدة القديمة من نابلس الأحد الماضي.
على الأقل نسبت المجموعة عشرة مسلحين قتلتهم إسرائيل، وقالت إنهم من عناصرها.
الإلهام
أثارت قصة الهروب الشهيرة لأسرى فلسطينيين العام الماضي من سجن جلبوع أحد أكثر السجون الإسرائيلية تحصيناً روح الإقدام في صفوف شباب جنين.
وفي أعقاب هروب ستة أسرى فلسطينيين من سجن جلبوع عبر نفق، في 6 أيلول/سبتمبر 2021، كان أحدهم زكريا الزبيدي ينتمي إلى حركة "فتح" والبقية إلى “الجهاد الإسلامي"، ظهرت مجموعة مسلحة تطلق على نفسها "كتيبة جنين" وينتمي أعضاؤها إلى مختلف الفصائل الفلسطينية.
التزمت "كتيبة جنين" بتحديد بوصلة بندقيتها نحو جنود الاحتلال ومستوطنيه وعملائه، وتبنت عمليات إطلاق نار على الحواجز الإسرائيلية، وامتد هذا النشاط إلى شباب نابلس الذين أنشؤوا كتيبة على غرارها عرفت بـ "كتيبة نابلس".
وعلى الرغم من أن العمليات العسكرية لإسرائيل اقتصرت خلال العقدين الأخيرين على قطاع غزة، إلا أن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى ارتفاع مؤشر الخطر من الضفة الغربية مؤخراً.
ومنذ آذار/مارس الماضي، أطلق تل أبيب عملية واسعة النطاق تحت اسم "كاسر الأمواج" في الضفة وبالتحديد في جنين، بعد ارتفاع معدل العمليات التي نفذها شبان جنين داخل المدن الإسرائيلية.
وتزامن التصعيد العسكري الإسرائيلي في الضفة مع زيادة هجمات المستوطنين في الضفة الغربية والاعتداءات في الحرم القدسي.
ساعدت هذه الأجواء على ظهور ما لم تحسب له إسرائيل حساب مسبقاً، شبان غير منضوين في الفصائل التقليدية يتحدون الآلة العسكرية التي تمتلك تكنولوجيا فائقة، وغير آبهين بمنطق القوة والتفوق الإسرائيلي، أطلقوا على أنفسهم اسم "عرين الأسود"، من قلب نابلس المعروفة بلقب "جبل النار".
المصدر: وكالات - الصحف الإسرائيلية