قالت وسائل إعلام هولندية إن اللجنة التي شكلها البرلمان الهولندي للتحقيق في مزاعم دعم الحكومة الهولندية لمنظمات ارتكبت جرائم حرب في سوريا أوقفت عملها، وذلك بعد أن طلبت تركيا الحصول على معلومات تفصيلية عن التحقيق.
ووفق ما نقلت صحيفة "NCR" الهولندية، فإن المسؤولين الأتراك طالبوا بوصول موسّع إلى المحادثات التي تجريها لجنة التحقيق مع قادة الفصائل السورية، مثل المعرفة المسبقة مع من ستتحدث اللجنة وأي أسئلة ستُطرح، فضلاً عن إطلاعهم على مضمون محتوى المقابلات بعد إجرائها.
ويتعلق التحقيق الهولندي ببرنامج "NLA"، أو ما يعرف ببرنامج "المساعدة غير الفتاكة" الذي قدمت من خلاله أمستردام نحو 25 مليون يورو في شكل دعم لوجستي ومادي إلى 22 مجموعة سورية معارضة بين عامي 2015 و2018، من بينها فصائل تابعة لـ "الجبهة الشامية" و"فرقة السلطان مراد" و"أحرار الشام".
إلا أن هذا البرنامج تعرض لانتقادات في عام 2018 بعد نشر برنامج إخباري هولندي وصحيفة هولندية نبأً مفاده أن "الجبهة الشامية"، تلقت مساعدات من هولندا، واستحضرت الصحيفة حينئذ تقارير من الادعاء العام الهولندي تصنف الجبهة الشامية بأنها "حركة سلفية وجهادية تسعى لإقامة الخلافة"، وأنها "منظمة إرهابية هدفها إجرامي".
حينئذ أثار الخبر ضجة في الإعلام والسياسة، وتبنى النائبان "فان هيلفيرت" و"أومتزيجت" عن الحزب الديمقراطي المسيحي والنائبة "كارابولوت" من الحزب الاشتراكي هذه المزاعم.
شروط تركيّة
وبناء على هذه المزاعم، قرر البرلمان الهولندي، نهاية كانون الثاني الماضي، تشكيل لجنة تحقيق مستقلة حول هذه الجماعات، وكان من المفترض أن يكتمل التحقيق بحلول تشرين الأول من العام 2022، بعد إجراء عمل ميداني مكثّف في تركيا وشمالي سوريا.
ووفق "NCR"، يعيش معظم قادة وأعضاء هذه الفصائل في تركيا، ويعملون في مناطق تسيطر عليها القوات التركية، ولذلك طلبت لجنة التحقيق الهولندية المساعدة من السلطات التركية للاجتماع مع قادة هذه الفصائل، التي بدورها طرحت مجموعة من الشروط للتعاون في التحقيق.
ونقلت الصحيفة الهولندية عن أعضاء في لجنة التحقيق تأكيدهم على أن المطالب التركية "ستلقي بظلالها على التحقيق وتقوّض استقلاليته"، مشيرين إلى أن اللجنة قررت إلغاء الاجتماعات مع قادة الفصائل ووقف التحقيق.
وقال مسؤولون هولنديون إن حكومة لاهاي "توقعت ألا تسمح تركيا للجنة التحقيق، لأن الفصائل السورية المعارضة تشارك في عملية تركية شديدة الحساسية، وتريد أنقرة منع تسريب المعلومات حول هذا الموضوع".
من جانبه، أكد دبلوماسي تركي أن أنقرة "فوجئت بالتحقيق الذي تجريه هولندا"، موضحاً أن "الجانب الهولندي أبلغنا قبل أسبوع واحد فقط من الزيارة، ولاحقاً نقلنا أسئلة حولها، والآن ننتظر الرد".
هل قدّمت هولندا الدعم لجماعات "إرهابية"؟
في نهاية كانون الثاني الماضي، وافقت غالبية أعضاء مجلس النواب الهولندي، على اقتراح تقدم به حزب "النداء المسيحي الديمقراطي" لتشكيل لجنة تحقيق مستقلة لتقصّي الحقائق، عن برنامج المساعدات الهولندية "غير الفتاكة"، لفصائل من المعارضة السورية، يشتبه في ارتكابها انتهاكات لحقوق الإنسان والتعاون مع الإرهابيين.
وفي العام 2018، وافق مجلس النواب على اقتراح لإجراء تحقيق مستقل في الموضوع، لكن رئيس الوزراء الهولندي، مارك روته، عرقله آنذاك، وأبلغ أحزاب الائتلاف ومجلس الوزراء بأنه لا يريد ذلك على الإطلاق.
وأوضحت صحيفة "دا تلغراف" الهولندية، أن روته "أقر تحت ضغوط شديدة، بأنه نصح الأحزاب السياسية في البرلمان بعدم التصويت لإجراء تحقيق مستقل"، مشيراً إلى أن فكرة التحقيق "غير حكيمة لأن حلفاءنا لا ينشرون هذا النوع من المعلومات، ومن ثم فإن التحقيق سيترتب عليه خطر حدوث توترات"، من دون أن يذكر من هم الحلفاء الذين تحدث عنهم.
كما قال رئيس الوزراء حينها إن التحقيق سيعرض أفراد المعارضة المدعومة في سوريا للخطر، مشيراً إلى "أنهم سيواجهون خطر الوقوع في مشكلات مع نظام الأسد الذي يسيطر بقوة مرة أخرى" مؤكداً على أنه "لا يمكن مشاركة المعلومات عن عملية المساعدة إلا بشكل سري".
وبحسب الصحيفة الهولندية، يجب أن يوضح التحقيق كيف قدم مجلس الوزراء الهولندي الدعم لسنوات، لمجموعات من المعارضة المسلحة في سوريا "تتعاون مع إرهابيين".
وصرّحت النيابة العامة الهولندية للصحيفة أن الاتهام المذكور ينطبق فقط على الفترة من منتصف 2014 إلى منتصف 2015، و يتعلق فقط بالقضية الجنائية لأحد المقاتلين، وهو إدريس م، الذي ذهب إلى سوريا كمقاتل وبرأته المحكمة في وقت لاحق".
يشار إلى أن هولندا عضو في "التحالف الدولي"، الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ضد "تنظيم الدولة"، منذ أيلول من العام 2014، وشاركت في غارات ضد التنظيم، وفي سياق مهمة "المعونة غير فتاكة"، دعمت هولندا مع الأميركيين والبريطانيين، فصائل مسلحة من المعارضة السورية.