ظهرت العديد من الشكاوى حول شركة "صفة" التي تدير مواقف السيارات المأجورة في مدينة حلب بعدما تمددت الشركة في الكثير من الأحياء ووصلت مواقفها إلى قلب المدينة القديمة وأسواقها التاريخية، ويوجه الأهالي اتهامات للشركة بالتضييق عليهم أمام مساكنهم ومحالهم التجارية وإنشائها مواقف غير قانونية، والإضرار بالمظهر العام داخل الأحياء وأمام أعين مسؤولي مجلس المدينة الذي يتهمونه بتأجير شوارعها وساحاتها. بالإضافة إلى فرضها مبالغ باهظة على المواطنين مقابل وقوف السيارات، إذا تصل قيمة التذكرة الواحدة إلى 4 آلاف ليرة سورية ولفترة زمنية محدودة، وهو مبلغ كبير بالنسبة للكثير من السوريين في مناطق سيطرة النظام السوري اليوم.
"صفة" داحل أسواق المدينة القديمة
أرسل مجموعة من أًصحاب المحال التجارية في عدد من أسواق المدينة القديمة بحلب نداء استغاثة إلى المحافظ، والأمانة السورية للتنمية التي تديرها زوجة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وجاء في بيان الاستغاثة الذي حصل موقع "تلفزيون سوريا" على نسخته منه: " نحن أًصحاب محلات أسواق حلب القديمة، المجيدية، والفستق، والأحمدية والسقطية والحبال وسوق الجمرك وخان الجمرك، نعلمكم بأننا تفاجئنا بقيام شركة صفة بوضع مواقف مأجورة على الشوارع الرئيسية والفرعية المؤدية إلى أسواقنا والتي تم استخدامها من قبل أصحاب وشاغلي تلك الأسواق".
وأَضاف "كل صاحب محل داخل المدينة القديمة والتي يزيد عددها عن 350 محل في الأسواق المذكورة، مضطر لتحمل أعباء مالية جديدة، تزيد عن 450 ألف ليرة سورية تقريباً، مقابل أجور ركن سيارته الخاصة، ولم يبقى هناك أي مواقف مجانية، وبالأخص على محور وراء الجامع والممتد من السبع بحرات وحتى الجامع الأموي (الكبير)، بالإضافة إلى المداخل من طرف سوق العواميد والنفوس القديمة".
وذكر البيان أنه في ظل الوضع الاقتصادي الصعب ولتحفيز وتشجيع أصحاب المحلات في استمرار عملية تفعيل الأسواق القديمة، نلتمس من حضرتكم إمكانية استثنائنا من دفع الأجور الخاصة لشركة صفة، أو لتعديل أوقات عمل الشركة في المواقف، بحيث يكون في الفترة المسائية بدلاً من الفترة الصباحية، أو إمكانية خلق مواقف ركن جديدة تكون مجانية خاصة بأًصحاب محلات سوق المدينة القديمة" وعبر أًصحاب نداء الاستغاثة عن استعدادهم للاجتماع مع مسؤولين في الشركة ومجلس المحافظة لإيجاد حلول مناسبة ودائمة.
وقال أحد أصحاب المحال التجارية في سوق الحبال (طلب عدم ذكر هويته) لموقع "تلفزيون سوريا" أن "شركة صفة وجدت لسرقة المواطن، أنا بيتي في أحياء المدينة القديمة ومكان عملي أيضاً في السوق، وين بدي أركن سيارتي، الشركة استحوذت على كل المساحات والأرصفة في المنطقة وداخل الأحياء وفي الشوارع المؤدية الى الأسواق القديمة وحولتها لمواقف مأجورة، الصفقة بين المجلس والشركة صفة مشبوهة، خاصة وأن الأمانة السورية للتنمية لها يد فيها".
أضاف " الشركة تمددت في معظم أحياء المدينة، وليس فقط بالمدينة القديمة، حصل معي الكثير من المواقف، بمجرد ما تحط رجلك عالفرام لتجيب غرض عالماشي من الجميلية أو التلل، بيطلعلك موظف الشركة يأمرك بطريقة استعلائية أن تحرك سيارتك، أو يلزمك بأن تقطع وصل وتدفع مقابل نصف ساعة ركن، أو أنك تضع سيارتك خارج المنطقة بمئات الأمتار وتزيد المسافة أحياناً عن 1 كيلو، وتقضي حاجتك بالسوق مشي على الأقدام" يضيف "عجيب، ندفع ملايين لشراء سيارة ونمشي على الأقدام لقضاء حوائجنا".
شركة "صفة" تتمدد بحلب
يقول محمد رحال (سائق سوزوكي- شاحنة صغيرة) أن مجلس مدينة حلب متواطئ مع شركة "صفة"، إذ قام المجلس بإغلاق الشوارع الفرعية في مركز المدينة والمدينة القديمة لإجبار سائقي السيارات على ركن سيارتهم في المواقف المأجورة، وبالتالي منع السائقين وأصحاب المحلات، والسكان من الوصول إلى محلاتهم وبيوتهم ونقل حاجياتهم سيراً على الأقدام، أو عليهم دفع المال مقابل كل ساعة ركن.
وأضاف رحال لموقع تلفزيون سوريا أن " شركة صفة هي فوق القانون كما يبدو، لماذا على المواطن في حلب أن يذعن لعقد جائر أجر من خلاله مجلس المدينة ساحات وشوارع حلب لجهات مشبوهة، شوهت المنطقة وزادت من الأعباء المالية على الأهالي الذين يعانون أًصلاً، فالحديث عن أزمة المعيشة اليوم حديث كل الحلبيين".
أما إسماعيل صباغ (صاحب محل تجاري وسط المدينة) يرى أن شركة صفة تتوسع في حلب "كالسرطان"، قال " أنا كصاحب محل تجاري وسط المدينة علي أن أدفع شهرياً مبلغ نصف مليون ليرة سورية أجور ركن سيارتي الخاصة، وإذا لم أفعل سيكون علي القدوم الى العمل مشياً على الأقدام، لم يعد هناك شارع أو زاوية إلا وقد وصلتها مواقف الشركة، ساحات وأرصفة دخلت ضمن استثمارات الشركة، مثالها ساحة الفحم ومنطقة جامع المولوي، وجميع أرصفة باب جنين حتى الفرعية منها".
وأَضاف خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا،" إذا تأخرت 5 دقائق زيادة عن الساعة مثلاً، تعود تجد سيارتك (مكلبشة)، وكثيراً ما يتقصد موظفي الشركة الاختباء كي يضطر سائقي السيارات لركن سياراتهم بدون قطع وصل، ما أن تركن سيارتك بشكل مخالف حتى يأتي الموظف ويضع الكلبشة على العجلات، ولا بد من دفع المخالفة، والتي أصبحت 6 الاف ليرة بعد أن رفعت الشركة الأسعار في شهر أيار الماضي".
يتداول تجار الأسواق القديمة، وأصحاب محال وسط المدينة بسخرية ما يشيعه أعضاء الشعب والفرق الحزبية من تطمينات بين الناس، حول شركة "صفة" والإجراءات المنتظرة للحد من توغلها في شوارع وساحات المدينة، وتقول واحدة من الشائعات، إن الأمين القطري المساعد لحزب "البعث" هلال الهلال، وبخ رئيس مجلس المدينة، معد مدلجي، خلال المؤتمر الحزبي الذي عقد في حزيران، وذلك بسبب العقد الذي وقعه مع شركة "صفة" والسماح لها برفع الأسعار، وبحسب ما يشاع، قدم مدلجي اعتذاره واعترف بخطئه، ووعد بتعديل بنود العقد الموقع مع الشركة.
رفع الأسعار
ليس التوسع في إنشاء المواقف المأجورة ما يؤرق الحلبيين فقط، ففي شهر أيار/مايو الماضي، فوجئ تجار المدينة القديمة، وأحياء وسط المدينة (التي ينتشر فيها العدد الأكبر من المواقف المأجورة) بقرار تعديل أجور المواقف من قبل الشركة بزيادة 200 بالمئة عن السعر السابق المحدد ضمن العقد المبرم مع مجلس المدينة، لتصبح أجور الوقوف لمدة نصف ساعة 900 ليرة بدلا من 300 ليرة وأجور التوقف لمدة ساعة 1500 بدلا من 500 ليرة ومضاعفة المخالفة مرتين لتصبح 6 آلاف ليرة بدلا من ألفي ليرة.
أثار رفع أٍعار المواقف المأجورة استياء واسعا، وكثيراً ما حصلت صدامات بين الأهالي وموظفي الشركة بسبب مخالفات نظمت بشكل تعسفي، أو منع موظفي الشركة لسكان الأحياء بركن سياراتهم في أماكن قريبة من منازلهم دون دفع الأجور، ولعل الدعم والتسهيلات التي تتلقاها الشركة من مجلس المدينة، كطرف رئيسي في العقد المبرم بينهما، أكثر ما يثير استغراب الأهالي الذين يطرحون تساؤلات عديدة في جدالاتهم اليومية، بعضها يتركز حول عائدات الشركة، وأين تصب الأموال التي تسرقها من جيوب الناس، والحصص المفترض للمسؤولين في مجلسي المحافظة والمدينة.
ويجري الحديث همساً عندما يتم التطرق إلى الدور، والحصة المفترضة للأمانة السورية للتنمية، وكمية الأموال التي تحصل عليها رئيستها الفعلية، أسماء الأسد. ويشتكي الأهالي في حلب من تباين الأسعار التي تفرضها الشركة بين مدينة وأخرى، ففي دمشق مثلاً الأجور أقل بثلاثة أضعاف، ومواقف الشركة في دمشق تقتصر على الوسط التجاري وفي شوارع محددة أخرى معروف عددها، بينما في حلب يومياً تتمدد الشركة بالشوارع الرئيسية والفرعية.
تأسست الشركة في العام 2021، وفي وقت قياسي باتت تمتلك آلاف المواقف والموظفين في مختلف المدن السورية، بما في ذلك دمشق وحلب وحمص وحماة. وتتبع الشركة لمجموعة "كارتل غروب"، ويملك المجموعة محافظ حمص السابق إياد غزال، ويديرها أخوه زياد غزال، وترجح مصادر محلية أن ملكية معظم شركات المجموعة تعود لزوجة الرئيس السوري، أسماء الأخرس، وغزال وغيرها هم واجهة لاستثماراتها التي تتوسع باستمرار.