بعد أيام من الضجة التي أثارها تسريب وثيقة دراسة تقسيم الشعب السوري إلى شرائح منها من يستحق الدعم ومنها من لا يستحق وفق معايير محددة، وتأكيد وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام عمرو سالم عبر صفحته على فيس بوك صحة الوثيقة ووجود الدراسة فعلاً لكنها لم تقر بعد، عاد الوزير ليعلن خطوة للوراء بخصوصها مؤكداً أن المعايير المعلنة بالدراسة لن تطبق كما هي، إلاّ أن ذلك لم يخفف من الاحتقان الشعبي.
هل كانت دراسة فعلاً؟
وفي الـ27 من الشهر الماضي، كتب سالم تعليقاً على الوثيقة المسربة، أنها "مجرد جمع معلومات للدراسة" علماً أن الوثيقة ليست كذلك، حيث جاء فيها عبارة "يرجى التنسيق مع الجهات المعنية لاستكمال بيانات الشرائح الميسورة التي سيتم استبعادها من الدعم كمرحلة أولى"، وبعدها جاء ذكر الشرائح المستهدفة بالاستبعاد، واستناداً إلى تحليل الموقع لما جاء في الوثيقة يتبين أمران، الأول أنها كانت شبه مقرة وأتت بعد عدة اجتماعات حكومية تعود لتاريخ 12/10/2021، إلا أنها تعدلت بعد السخط الشعبي.
الأمر الثاني والأهم، والذي لم يعلن التراجع عنه ولم يتم التطرق إليه إعلامياً، وهو ذكر الوثيقة كلمة "مرحلة أولى"، وتضمنها لبند جاء فيه "التنسيق مع هيئة التخطيط والتعاون الدولي المكلفة بوضع مصفوفة تتضمن برنامجاً زمنياً لاستبعاد شرائح أخرى من الدعم "وصولاً إلى مرحلة الاكتفاء بدعم العاطلين عن العمل والشرائح الاجتماعية الهشة اقتصادياً والمواطنين الذين يقل دخلهم عن الحد الأدنى للرواتب والأجور من خلال شبكات الأمان الاجتماعي في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل"، وفقاً لما جاء فيها.
حتى الموظفون لن يدعموا لاحقاً
وتحليلاً لذلك، يكون حديث الوزير سالم بأن "الموظّف (الحكومي) والعاطل عن العمل ومن دخله ضعيف، هو الأحقّ بالدعم وزيادة المواد المدعومة" ليس دقيقاً 100%، لأن الدعم لن يشمل كل الموظفين الحكوميين في المرحلة الثانية، بل فقط من يحصلون على الحد الأدنى من الرواتب المحددة بموجب مرسوم صدر في تموز الماضي بـ 71,515 ليرة سورية فقط (بما يعادل 28 دولارا تقريباً بالسعر الرسمي للقطع، و20.4 دولاراً بحسب سعر السوق السوداء).
واستناداً إلى ذلك، فإن المرحلة المقبلة ستستثني الموظفين في القطاع العام وفي القطاع الخاص والتعاوني والمشترك ممن رواتبهم أعلى من الحد الأدنى وهم حملة الشهادات غالباً من الإعدادية حتى الدكتوراه.
وعاد الوزير سالم ليؤكد بعد 4 أيام من تسريب الوثيقة أنها لن تطبق حرفياً، معلناً تراجعاً واضحاً عنها بعد الجدل الذي أثارته سواء في مواقع التواصل الاجتماعي أو في برلمان النظام، وأكد عبر صفحته في فيس بوك أنه "لن يستبعد أي محدود أو قليل الدخل أو مصاب من الدّعم بغض النظر عن سيارته أو منزله"، مضيفاً "لا سعة السيّارة ولا سنة صنعها هي التي تحدّد مستحقّ الدعم. بل تقاطع مجموعة كبيرة من المعلومات الموثّقة هي من تعطي دخل الأسرة. وهي التي تقرّر استحقاقها للدّعم. والخطأ سيحسب لإبقاء الدعم وليس رفعه".
لكن الوزير لم يعلن عن أي تراجع بخصوص المتعلق بالمرحلة الثانية، وحصر الدعم فقط بالمتعطلين عن العمل وأصحاب الحد الأدنى من الأجور والأسر الهشة اقتصادياً، من دون تحديد معايير محددة بخصوص معرفة (الأسر الهشة أو حجم دخل الموظفين بالقطاع الخاص مثلاً)، لكنه أشار في حديث إذاعي له عبر إذاعة "المدينة" إلى أنه قد يتم استقاء التجربة الأميركية بخصوص تعبئة المحتاج لدعم لاستمارة تتضمن بعض البيانات الضرورية ليصار إلى دراستها.
ويعتبر حديث الوزير تأكيداً على التسريبات التي حصل عليها موقع تلفزيون سوريا حينها بوجود جدل حكومي يتعلق بشرط الأملاك، ما قد يؤدي إلى تعديل الوثيقة المسربة إن نجحت الضغوط.
تقاطعات الأجور.. مليونا موظف سيفقدون الدعم
وأيضاً لم يحدد سالم الدخل الذي سيتم مقاطعته مع باقي المعلومات لتحديد استحقاق الدعم من عدمه، وسط حاجة الأسرة السورية حالياً إلى نحو 1.8 ليرة سورية شهرياً لتأمين مستلزماتها الأساسية فقط. تبعاً لمؤشر ارتفاع تكاليف المعيشة في أيلول الماضي، ما يعني الحد الأدنى من الأجور مضروباً بـأكثر من 25 ضعفاً.
ويبلغ عدد المتعطلين عن العمل بحسب المجموعة الإحصائية للمركزي للإحصاء الصادرة عام 2020 نحو مليون و680 ألفا، مقابل 3.7 مشتغل، واستناداً إلى توزع المشتغلين الموظفين سواء بالقطاع العام أو الحكومي أو التعاوني المشترك على أساس شهادة أعلى من الابتدائية فإن عددهم يبلغ 2.16 مليون، في حين يبلغ عدد الموظفين من شهادة ابتدائية وأقل 1.54 مليون فقط.
وبالتالي لو شمل الدعم لاحقاً المتعطلين عن العمل مع أصحاب الحد الأدنى من الدخل سيكون عدد المستفيدين 3.22 مليون شخص فقط دون الأسر الهشة اقتصادياً التي لا يوجد لها معيار حتى الآن، وبموجب ذلك سيفقد نحو 2.16 مليون موظف حقه في الدعم.
الشرائح غير المدعومة وفق الوثيقة المسربة
وفي العودة إلى الوثيقة المسربة التي لن يتم الأخذ بها حرفياً علماً أنه لم تصدر أي معايير واضحة حتى الآن، فسيخرج من الدعم كبار ومتوسطو المكلفين ضريبياً، وكبار المساهمين الذين يملكون 5% أو أكثر في أسهم الشركات المدرجة في سوق دمشق للأوراق المالية، وأصحاب ومؤسسو المصارف الخاصة، والمالكون والمؤسسون للجامعات والمدارس والروضات والمعاهد الخاصة، والمخلصون الجمركيون.
ومن الشرائح أيضاً، أصحاب السجلات السياحية والمقاهي والكافتيريات سواء المصنفة سياحياً أو غير المصنفة، وأصحاب المهن الحرة المسجلون في النقابات (أطباء اختصاصيون – محاسبون قانونيون) ممن يمارسون المهنة منذ 10 سنوات وأكثر، وأصحاب المشافي الخاصة والمراكز الطبية والمخابر ومراكز التجميل والمساهمون فيها، والصيادلة ممن يمارسون المهنة منذ أكثر من 10 سنوات.
ويخرج من الدعم، أصحاب المكاتب الهندسية والقانونية والمحاماة من غير العاملين في الدولة ويمارسون المهنة منذ أكثر من 10 سنوات، وأصحاب المكاتب العقارية، والصياغ، ومكاتب وشركات بيع وتأجير السيارات، وشركات النقل ووكلاء النقل البحري، وأصحاب ومستثمرو الكازيات والأفران الخاصة.
ونصت الوثيقة على إخراج شريحة مالكي السيارات السياحية التي سعة محركها 1501 سم مكعب وما فوق من موديل عام 2008 وما بعد من شريحة الدعم، والأسرة التي تملك أكثر من سيارة والحاصلين على بطاقة فيميه، والمغتربين الذين مضى على مغادرتهم للبلاد أكثر من عام، والعاملين في السفارات والقنصليات والمنظمات الدولية والشركات الأجنبية أو العربية التي تمارس نشاطاً في سوريا.
ومن المستبعدين أيضاً، مالكو ومستثمرو مراكز تعليم قيادة السيارات، وأصحاب مراكز الفحص الفني للآليات، ومالكو أكثر من منزل في نفس المحافظة، ومالكو العقارات في المناطق من أعلى شريحة سعرية وفق التقييم العقاري.
وسمّت الوثيقة المذكورين أعلاه بـ"الميسورين"، من دون أي دليل أو عامل واضح لتحديد دخلهم الشهري، الذي يعتبر مقياساً أساسياً للوضع الاقتصادي لهم، حيث تعاني سوريا من تدهور اقتصادي أدى إلى انخفاض مستوى المعيشة وارتفاع كلفها، إضافة إلى ضعف القدرة الشرائية التي أصابت جميع الفعاليات بالركود إثر قلة الطلب وتحوله نحو الأساسيات فقط، ما أدى إلى تدهور الدخل بالنسبة لجميع الشرائح الاجتماعية.
ويعيش نحو 90% من الشعب السوري تحت خط الفقر، ويعاني 60% منهم من انعدام الأمن الغذائي بحسب تصريحات وإحصائيات الأمم المتحدة.
وحذّر الصحفي السوري فهد كنجو في مقال نشره في صحيفة "المشهد" من أن المستبعدين من الدعم كالصيادلة والمحامين والصاغة وأصحاب المكاتب العقارية والمقاهي..إلخ) سيرفعون من أجور خدماتهم وهو ما ينعكس بالنهاية على الفئات المدعومة، في إشارة منه إلى عدم جدوى خطط استبعاد شرائح من الدعم.
من حدد النسبة؟
وانتقد مدرس في كلية الاقتصاد بدمشق في حديثه للموقع مؤخراً، مفضلاً عدم ذكر اسمه، ما وصفه بـ"المواربة واللعب بمشاعر المواطنين" بتسريب الدراسة على أنها أمر واقع"، متسائلا "كيف يحدد رئيس الحكومة حسين عرنوس الشهر الماضي أن 25% من السوريين سيكونون خارج شريحة الدعم بينما بدأت وزارة الإدارة المحلية منذ أيام فقط بإرسال طلبات للمحافظين للحصول على قوائم بأسماء الأشخاص الذين سيُستثنون من الدعم الحكومي، وفقاً للشرائح المحددة بالدراسة المسربة؟َ!".
وتابع: "تحديد النسبة قبل الحصول على البيانات يعني بالضرورة أنها وضعت قبل الشروط، وبالتالي فُرض على الحكومة وضع شروط مناسبة تتيح إخراج 25% أو أكثر من السوريين خارج شريحة الدعم للتخفيف من نفقات محددة قيمتها مسبقاً مترتبة على الحكومة وتريد التخلص منها".