أدرج الاتحاد الأوروبي يوم الإثنين 6 أفراد و5 كيانات سورية جديدة إلى قائمة عقوباته، من بينهم شقيق أسماء الأسد وابن خالتها ومدير أعمالها وأجنحة الشام، إلا أن اللافت في هذه الحزمة الجديدة من العقوبات كانت الضربة التي وجهتها لقطاع التأمين عندما شملت العقوبات شركة العقيلة للتأمين التكافلي والتي تتصدر جميع شركات التأمين العاملة في سوق التأمين السوري من ناحية رأس المال، وهي شركة قامت ككثير غيرها في سوريا على أموال النائب الكويتي السابق عبد الحميد دشتي المقرب من بشار منذ توليه الحكم والمقيم في سوريا منذ 2016 هرباً من حكم قضائي عليه من بلاده بـ 14 عاماً والمناصر للمحور الإيراني وأذرعه في المنطقة.
وقال الاتحاد الأوروبي في بيان إن بعض هذه الكيانات المعاقبة "تعمل في نقل المرتزقة السوريين أو تجارة الأسلحة أو تهريب المخدرات أو غسيل الأموال، مما يدعم أنشطة النظام السوري".
كيف بدأت القصة؟
وللإجابة على سؤال "لماذا العقيلة؟" وهي أقدم شركة تأمين تكافلي في سوريا، وما علاقة رئيس الغرفة التجارية السورية الإيرانية المشتركة، فهد درويش بها؟، والدرويش من ضمن المعاقبين في الحزمة الجديدة أيضاً. لا بد من العودة إلى أيار 2023 بعد عودة بشار الأسد من زيارته الأخيرة لطهران.
وقعت شركة "ألبرز للتأمين" الإيرانية، مذكرة تفاهم لتأسيس شركة تأمين مشتركة، مع شركة العقيلة السورية للتأمين التكافلي، ونصت الاتفاقية على استثمار إيراني في سوريا عبر تغطية الشركات الإيرانية العاملة فيها، بحسب بيان صادر عن ألبرز للتأمين، بهدف دعم الشركات الإيرانية العاملة خارج البلاد.
وأشار البيان إلى أن الشركة على استعداد لإرسال خبرائها في المجالات الثلاثة الرئيسية لإعادة التأمين والتكافل والتأمين التجاري إلى سوريا في المستقبل القريب.
لم يذكر البيان اسم الشركة الجديدة التي سيتم تأسيسها، لكن ومن دون ربط مباشر بين الحادثتين، أعلنت الهيئة العامة للإشراف على التأمين بعد أشهر وتحديداً في تشرين الأول الماضي، عن اجتماع عمل ضم المساهمين السوريين والإيرانيين في تأسيس شركتي تأمين وإعادة تأمين، ووصفته بأنه الأول من نوعه بين جميع المساهمين من كلا البلدين بحسب ما ورد في موقع "الهيئة العامة للإشراف على التأمين"، حيث تم الاتفاق النهائي على توزيع نسب المساهمة بين مختلف المساهمين، وتعيين مفوض من كل من البلدين، لاستكمال الإجراءات اللازمة للترخيص بالسرعة الممكنة.
وكان مجلس إدارة الهيئة التي يرأسها وزير المالية، قد وافق على الطلب الأولي لتأسيس الشركتين: شركة المودة الدولية للتأمين برأسمال 25 مليار ليرة سورية وشركة السلام الدولية لإعادة التأمين برأسمال 50 مليار ليرة سورية، وتم إقرار الأُسس اللازمة. قالت الهيئة إنها تقوم بتدقيق ودراسة ملف الترخيص، عدا اتخاذها خطوات تؤدي إلى تسريع ومرونة الإجراءات، في إطار تكليفها بالتنسيق مع الجانب الإيراني (بيميه مركزي إيران- مؤسسة التأمين المركزية).
وفي كانون الأول 2023 أي نهاية العام الماضي، وافق مجلس إدارة هيئة الإشراف على التأمين على طلب الترخيص النهائي لتأسيس شركتي التأمين وإعادة التأمين بمشاركة سورية وإيرانية بعد أن كانت الموافقة أولية، على أن يعرض ملف الترخيص على مجلس الوزراء لاتخاذ القرار النهائي بشأنه. وكل ذلك دون أي ذكر أو تنويه للعقيلة أو ألبرز للتأمين.
الواضح أن الاتحاد الأوروبي وبحسب أسبابه لفرض العقوبات على شركة العقيلة خلال هذه الفترة التي يتم تأسيس شركات تأمين مشتركة إيرانية سورية، وجد أنها هي صلة الوصل الرئيسية بين الطرفين لدعم أنشطة النظام المالية، بينما لم يتم تأسيس الكيانين الجديدين رسمياً، ما يشير إلى إمكانية خضوعهما للعقوبات فور الإعلان عن التأسيس الرسمي.
كيف أسست شركة عقيلة وصاحبها المشبوه؟
في عام 2008 أعلنت شركة العقيلة للتأمين التكافلي الكويتية، بدء عملها في سوريا، على يد الكويتي الشيعي عبد الحميد دشتي الذي كان رئيس مجلس إدارتها، وكانت أول شركة تأمين تكافلي تبدأ عملها في سوريا، وتتبع العقيلة النظام الإسلامي في عملها، وأكد دشتي حينها أن هيئة الرقابة الشرعية تضم نخبة من علماء الدين في سوريا.
أعضاء هيئة الرقابة الشرعية بحسب موقع الشركة الرسمي هم الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة دمشق الدكتور مصطفى البغا (رئيس الهيئة - سني) ورئيس الجمعية المحسنية عبد الله نظام (أمين سر الهيئة - شيعي).
بعد عامين فقط من التأسيس، أصدرت النيابة العامة في الكويت قراراً بضبط وإحضار دشتي لإصداره شيكاً بقيمة مليون ومئة ألف دينار من دون رصيد، وصدر قرار بالحجز التحفظي على ممتلكاته وعمم قرار منع سفره على جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية في الكويت. المشكلة كانت مع شريكه، رئيس مجموعة شركات العقيلة حامد محمد عباس خاجة بحسب حديث دشتي، ما وضع مصير الشركات التي تحمل اسم العقيلة في الكويت على المحك، بينما بقيت الشركة في سوريا مستمرة بالاسم ذاته.
شغل الدشتي منصب رئيس مجلس إدارة شركة العقيلة، ثم عين بدلاً عنه في هذا المنصب بديع الدروبي وانتقل الدشتي إلى منصب نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب.
الدشتي هو عضو مجلس الأمة الكويتي، وهو متطرف في دفاعه عن حزب الله وايران ونظام الأسد، وهاجم دول الخليج مراراً، وقد طالب مجلس الأمة سحب الحصانة عنه أكثر من مرة، إلى أن تم رفعها رسمياً في 2016 تمهيداً للتحقيق معه بتهمة الإساءة للمملكة العربية السعودية، وفي العام ذاته قضت محكمة الجنايات الكويتية، بسجنه مدة 11 عاماً لتهجمه على السعودية و3 أعوام، وذلك بعد تهجمه على البحرين في مداخلة مع الإخبارية السورية.
ثم في عام 2017 صدر حكم جديد عليه بالسجن لمدة خمس سنوات إضافية، وذلك على خلفية ظهوره في مقاطع مصورة، يمجّد فيها النظام السوري وحزب الله اللبناني وخامنئي، إلى جانب إساءته للسعودية والمؤسسات الكويتية.
بعد رفع الحصانة عنه، هرب دشتي ليستقر في دمشق، ويقال إنه يحمل الجنسية السورية دون وجود تأكيد لهذه المعلومة، وأكدت وسائل إعلام خليجية أنه التقى الأسد شخصياً، بينما عقد مؤتمراً صحفياً خاصاً به ليعود ويهاجم دول الخليج التي كانت وسائل الإعلام السورية تهاجمها ليلاً نهاراً قبل التقارب الأخير.
استمر دشتي في العمل بسوريا وأسس الكثير من الاستثمارات، حتى عفي عنه بالتزامن مع التقارب السوري الخليجي في نهاية العام الماضي.
وبالنظر إلى أعضاء مجلس إدارة العقيلة نجد اسم هالا عبد المجيد قوطرش، وهي زوجة الدشتي السورية ورئيسة مجلس إدارة شركة "يوشي" للتجارة والاستثمار، ويوشي هو لقب ابنتهما آية، في حين هناك شركة ثانية لابنتهما الثانية شهد تحمل اسمها أيضاً.
وهالا قوطرش هي شقيقة لاعب كرة السلة السابق طريف عبد المجيد قوطرش، وعضو برلمان النظام لدورة 2016 وعضو وفد النظام في اللجنة الدستورية، ويشغل الآن منصب رئيس اتحاد كرة السلة.
صفقات ضخمة غير مبررة على أسهم العقيلة
خلال وجود دشتي في سوريا، طال شركة العقيلة العديد من الصفقات الضخمة في بورصة دمشق، والتي لم يتم الكشف عن من يقف خلفها، اثنتان في عام 2022 إحداها بملياري ليرة والثانية بنصف مليار، وقبلها صفقة ضخمة (بحسب تصنيف سوق دمشق للأوراق المالية) في عام 2013 بـ 62 مليون ليرة.
بعد تلك الصفقات بات يضم مجلس إدارة الشركة فهد درويش، وهو رئيس الغرفة التجارية السورية الإيرانية، ويملك حصة في الشركة 2.12% ودخل في الملكية في بداية آب العام الماضي عن شركته "نبض المحدودة"، أي بعد نحو أقل من 3 أشهر من الاتفاقية التي وقعت بين العقيلة وألبرز الإيرانية لتأسيس شركة جديدة للتأمين، ما يشير إلى أن إيران سيطرت على الحصة التي تريد في العقيلة.
يحمل درويش الجنسية الإيرانية، وعاد إلى سوريا قبل عقد من الزمن، وفق مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات.
لفهد دوريش دور كبير خلال سنوات الحرب في إدخال الاستثمارات الإيرانية إلى سوريا وتوقيع الاتفاقيات بين الطرفين، حيث ذهب مؤخراً إلى الحديث عن تأسيس بنك سوري إيراني مشترك يبصر النور قريباً ويتعامل بالعملات المحلية. وقد طالت لائحة العقوبات الأوروبية الصادرة مؤخراً، درويش مع شركة العقيلة نفسها.
المثير أيضاً، أنه بات لسيريتيل حصة أيضاً بشركة العقيلة رغم أن النسبة تكاد تكون قليلة وهي 0.16% بعدد 55940 سهماً. سيريتيل التي باتت حالياً تحت تصرف أسماء الأسد.
مدير شركة العقيلة الحالي هو سامر العش، وهو رجل حكومي حيث كان مدير هيئة الإشراف على التأمين حتى 2021 لينتقل إلى إدارة العقيلة بعدها، ما قد يشير إلى تقاسم ما بين إيران وحكومة النظام ضمن العقيلة لتحقيق الاستراتيجيات المرسومة، بعد النظر إلى باقي الشركات والأشخاص المساهمين فيها.
الدور الأبرز لعبد الله نظام
ما سبق يقدم جزءاً كبيراً من الإجابة على سؤال "لماذا العقيلة؟"، لكن يجب أن يضاف إلى ذلك ما هو أهم، وهو دور عبد الله نظام (من المذهب الشيعي)، وقد يكون هو الذراع الطولي لإيران في الشركة، فهو أمين سر هيئة الرقابة الشرعية فيها، ووجود نظام في الهيئة إلى جانب البغا يمكن تفسيره بأن الشركة تتضمن كوتا سنية وشيعية بما يحقق الغاية الإيرانية من جهة دون التسبب بنفور في الوسط الشامي السني صاحب المال.
لعبد الله نظام وزن كبير لدى الشيعة في سوريا وهو بمرتبة رئيس الطائفة في دمشق، ولإيران اهتمام كبير بهذه الشخصية التي تمثل صلة الوصل بينها وبين شيعة دمشق، فهو من قدم كلمة الشيعة في استقبال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي العام الماضي، وهو رئيس الهيئة العلمائية لأتباع مذهب آل البيت في سوريا، وكان يتصدر مشاهد الترويج للثورة الإسلامية في إيران على شاشات التلفزة.
بحسب تقرير لزمان الوصل، فإن أهمية نظام أكبر مما يعتقد أحد، فقد وصف بأمين خزائن خامنئي في سوريا، وقد وقع اختيار مرشد إيران عليه من بين الجميع خلال سنوات الحرب في سوريا، ليصبح الشخص المكلف باستلام رزم الأموال التي ترسلها طهران تباعاً، من أجل أن توزع وتصرف على تلبية احتياجات الشيعة في مختلف المناطق السورية، وعلى تنوع هذه الاحتياجات (رواتب، إغاثة، طبية، تعليم...)، كما أن له دور بارز في شراء المنازل الدمشقية القديمة وتمويل العديد من المشاريع الإيرانية بدمشق، وفق التقرير.
ليس هذا فحسب، بل نحو 35% من الشركة تعود إلى شركة العقيلة للإجارة والتمويل والاستثمار – الكويت، والتي صار اسمها شركة العقيلة القابضة، أعضاء مجلس الفتوى فيها جميعهم شيعة من مصطفى الزلزلة الشيخ والداعية الشيعي الكويتي الشهير، إلى رجل الدين الشيعي والخطيب الحسيني البارز في الكويت محمد جمعة بادي.