icon
التغطية الحية

شابات في دمشق: كرامة الجسد ثمناً لرمق الحياة

2023.07.21 | 07:25 دمشق

شابات في دمشق: كرامة الجسد ثمنا لرمق الحياة (صورة مولّدة بالذكاء بالصناعي/Bing)
شابات في دمشق: كرامة الجسد ثمناً لرمق الحياة (صورة مولّدة بالذكاء الصناعي/Bing)
دمشق – حنين عمران
+A
حجم الخط
-A

"ثلاث إلى أربع فتيات من كل وحدة سكنية ضمن المدينة الجامعية تمارسن الدعارة لأجل المال، عبر الهاتف أو في شقق خاصة (لليلة واحدة أو بصورة شبه مستمرة) أو حتى في السيارة".

في حديثها اليومي "الفضفضة" تتحدث راما (اسم مستعار) عن اضطرارها إلى مسايرة أحد الضباط في فرع الجوية التابع للنظام السوري بعد أن أدخلها في طريق الدعارة لإشباع رغباته الجنسية منذ المرة الأولى لهما بالترغيب والترهيب وإيهامها بالحب.

وتضطر بعض الطالبات في المدينة الجامعية في دمشق إلى السير في طرق ملوثة ومؤذية لتأمين مصروفهن الجامعي بسبب سوء الأوضاع المعيشية لعائلاتهن في محافظات بعيدة إلى جانب قلة فرص العمل الملائمة لهنّ كفتيات غير متخرجات بعد من الجامعة ولا يملكن شهادة أو خبرة عملية، في ملاحظة عامة لوضع الطالبات في إحدى الوحدات السكنية في داخل المدينة، لا يصعب إحصاء المتورطات في علاقات عشوائية أو في الدعارة أو حتى في شبكات مصغرة لترويج الحشيش (الجوينت)، وهي طرق سريعة ومربحة لتحصيل مبلغ من المال يفوق ما قد تحصله الواحدة منهن في وظيفة بعد التخرج.

أعداد كبيرة من الطالبات في كل طابق من الوحدات السكنية، إذ يتراوح عدد الطالبات في الغرفة الواحدة بين 5 و 7 طالبات، ينام بعضهن على "فرشة" قديمة على الأرض في ظل غياب وسائل التدفئة شتاءً وغياب مقومات العيش اليومية من أدوات الطبخ والتبريد والإضاءة، إلى جانب التلوث وانتشار الأمراض والحشرات. يدفع ذلك ببعض الفتيات المجبرات على البقاء في المدينة الجامعية لعدم قدرتهن على دفع إيجار غرفة أو منزل مُستأجر ولكونهن بعيدات عن الأهل في محافظات مختلفة، إلى امتهان ما يؤمن لهن شيئاً من الراحة اليومية والرفاهية بعيداً عن أقفاص المدينة الجامعية الشبيهة بــ"قنّ الدجاج" بحسب تعبيرهن.

في إحدى الوحدات السكنية المخصصة لطالبات كليات الآداب، فتاتان دخلتا في طريق "الدعارة"، وبصورة تقريبية؛ فإن ثلاثاً إلى أربع فتيات من كل وحدة سكنية (فيها نحو 140 طالبة) ضمن المدينة الجامعية تمارس شيئاً من الدعارة لأجل المال عبر الهاتف أو في شقق خاصة (لليلة واحدة أو بصورة شبه مستمرة) أو حتى في السيارة، مقابل مبلغ يسدّ رمق الحياة بصورة مؤقتة، ويؤمن لهنّ بعض احتياجاتهنّ، إضافة إلى ما يعجزن عن شرائه من وسائل العناية بالجسد وزيارة صالونات الحلاقة وشراء الملابس الجديدة.

يبدأ الأمر بفتح (فيديو تشات) في الفسحة أمام الحمامات أو حتى في الغرفة بينما ترتدي الفتاة (تفريعة نسائية) ويغازلها على الطرف الآخر شاب في حديث يفضي إلى استعراض الأعضاء التناسلية كلما خلَت الغرفة من بقية الفتيات اللواتي يخرجن صباحاً إلى محاضراتهن الجامعية. هذا ما نقلته راما لنا عن إحدى الفتيات التي تشاركها السكن في الغرفة وهي فتاة أوشكت على التخرج في كلية التاريخ. أما راما فقصتها أكثر بشاعةً وإيلاماً من (فيديو تشات) مأجورة.

راما فتاة من مواليد 2002، طالبة في كلية الأدب الفرنسي، يبتزها الضابط في قوات النظام (حسام) حتى يعطيها مقابل كل "مشوار جنسي" مبلغ خمسين ألف ليرة سورية، إضافةً إلى دعمها وتسيير أمورها في المدينة الجامعية. فهو يصحبها كل أسبوع مرتين أو ثلاث مرات في سيارته العسكرية إلى بيته الكائن في المزة 86، يأخذها في حدود الساعة السادسة مساءً ويعيدها إلى السكن الجامعي في الساعة الواحدة ليلاً بالتنسيق مع حرس المدينة الجامعية حتى تتمكن من الدخول بعد إغلاق أبواب المدينة الجامعية. 

تخبرني راما: "يمارس معي تخيلاته الغريبة، من ضرب وإذلال في أثناء ممارسته الجنس، بعد أن يكون قد حضّر لي الأركيلة ووجبة خفيفة من أحد المطاعم الشعبية تغنيني عن دفع مصروف الطعام، ففي بعض الأحيان أكون بلا طعام منذ الصباح أو منذ اليوم السابق. ويخبرني عن بطولاته العسكرية وكيف يذلّ المواطنين أو المعتقلين في الفرع حتى يظهر لي بأنه "فحل" في الحياة العامة والعسكرية كما يذلني بتخيلاته الجنسية ليثبت لي بأنه فحل أيضاً في الفراش يوصلني بعدها إلى المدينة الجامعية ملقياً لي بخمسين ألف ليرة سورية عن كل مشوار جنسي. ولا بد من أن يخبرني في نهاية كل مشوار بأنه يحبني".

وعند سؤالي لها عن سبب فعلها ذلك، لا تتردد راما في إخباري عن خوفها منه ومن أذاه وتهديداته إذا ما جربت مقاطعته، وعن حاجتها إلى المبلغ الزهيد الذي يلقيه عليها في حين أن قدرة أهلها المادية لا تتيح لهم إرسال ما يزيد على سبعين ألف ليرة كل شهر، وهو جزء من راتب والدها الموظف الحكومي المتقاعد.

وبين الخوف من التهديد والخوف من الفضيحة والخوف من "الشحادة" وانقطاعها عن الجامعة، تضطر راما إلى القبول به. 

راما تعاني الآن من التهابات في المنطقة التناسلية ولا يخلو جسدها من مظاهر التعنيف الواضحة باستخدام الحبال والضرب بالكف وعلامات أخرى تنتشر في أفخاذها وعند صدرها. 

العمل في مهن تدرّ المال والأذى النفسي أيضاً

أبو باقر ترك لي علامة واضحة في صدري قبل رحيله وقال لي: "هذي ذكرى يا حلوة"

سمر فتاة تعمل كنادلة في مطعم يحتوي على بار في منطقة باب شرقي المعروفة في وسط دمشق. وقد استطعنا التحدث إليها في عيادة "الصحة النفسية" التابعة لجمعية خيرية في منطقة باب توما، أما عن بداية أزمتها النفسية فتقول: "بدأ الأمر بالعمل الذي ظننته عادياً، لكن ما لبثت أن انقلبت الأمور ضدي؛ فقد تحول الأمر من أخذ طلبات الزبائن إلى مسايرة الزبائن وتحمّل غمزاتهم وإيحاءاتهم الجنسية وتحولي إلى فتاة "تحت الطلب" ولم يقتصر الأمر على الزبائن الأغنياء والتجار من السوريين بل زاد الأمر عن حده عندما عرض عليّ زائر (سائح) عراقي الجنسية، وهنا بدأت القصة، فقد طلب مني المشرف في المطعم أن أجيب طلب (أبو باقر) وإلا فأنا مهددة بالطرد".

سمر هي طالبة في معهد المهندسين في دمشق، تبلغ من العمر أربعة وعشرين عاماً تنحدر من مدينة القامشلي في الشمال السوري، وقد تأخرت في دراستها بسبب ظروف العمل وأوضاع عائلتها المعيشية السيئة، إلى جانب مرض والدها العُضال.

تتابع سمر: "حينما خيرت بين الطرد أو المسايرة، ولأنني أحتاج إلى العمل لتأمين إيجار غرفتي في منطقة الدويلعة، قمت بمسايرته ولم أتوقع أن ينتهي الأمر بي في فراشه في شقته المفروشة بمنطقة المزرعة. فقد أخذني أبو باقر، الرجل الذي أدركت لاحقاً أنه يبلغ الخامسة والأربعين من العمر وهو متزوج في بلده في العراق ولديه ولدان. أبو باقر كان نتن الرائحة، يفتقر إلى أدنى مظاهر النظافة الشخصية على الرغم من الثراء الواضح عليه فهو يعمل في تجارة اللحوم في بلده. 

اقترب مني ممهداً وبكل صراحة أخبرني: "رح تضلي بنت لا تخافي" وبدأ بممارساته المقرفة لمدة أربعة أيام متتالية، كل يوم ألاقيه في باب توما ويأخذني إلى شقته المستأجرة، حتى سفره إلى العراق، وقبل رحيله منحني مبلغ ثمانين دولاراً لقاء خدماته الجنسية وحصلت على مكرمة هي مئة ألف زيادة على الراتب من مدير المطعم الذي أخبرني غامزاً: "خليكِ هيك وإلك مني إكراميات كتير". "أبو باقر ترك لي علامة واضحة في صدري قبل رحيله وقال لي: "هذي ذكرى يا حلوة".

كافيه العراب: الشيخة والزبائن بلا رقيب أو حسيب 

"أنا بكل الأحوال مو بنت، ما عندي شي اخسرو"

لا يقتصر الأمر على مقاهي منطقة ساروجة، أو المرجة، أو جرمانا، رغم أن الصيت لها، لكنّ في محاولة لتقصّي المكان الأكثر تفضيلاً لمجموعة من مجموعات الدعارة التي تقودها الشيخة (سوسن. ع)، فإنّ مكان الاجتماع يكون في كافيه العراب في منطقة السبع بحرات في وسط دمشق، وهي كافيه ومطعم تستمر في استقبال السائحين وغيرهم 24 ساعة من دون إغلاق؛ ما جعلها المكان الأمثل لعقد الاتفاقات الجنسية بين الشباب والفتيات.

استطعنا مراقبة الأمر عن قرب والحصول على بعض التفاصيل، ففي الساعة الثالثة و40 دقيقة فجراً وصلت الشيخة برفقة شابتين يعملن في الدعارة، وهنّ أخوات (مريم. ك) و (حلا. ك)، إحداهن ترتدي الشورت والأخرى ترتدي فستاناً قصيراً، أما الشيخة فهي مُحجبة تحمل حقيبة يد كبيرة بعض الشيء. وفي الساعة الرابعة و22 دقيقة فجراً وصل ثلاثة شبّان عراقيو الجنسية أحدهم كبير في السن بعض الشيء ويرتدي عباءة، جلسوا إلى الطاولة نفسها قرب عمود في وسط الكافيه، وجرى الاتفاق مع الشيخة التي أخذت منه مبلغاً كبيراً من المال (رزمة من فئة 5000 ليرة) ثم خرجوا ثلاثتهم مع الشابتين في سيارة جيب عالية بينما بقيت الشيخة بعض الوقت في الكافيه قبل أن تخرج.

وبسؤال فتاة تعمل مع الشيخة وهي التي زودتنا بأسماء الفتيات، أخبرتنا أن الأمر لا يقتصر على ممارسة الجنس العادي، بل يتعداه إلى ممارسة الجنس الجماعي في فندق قريب من ساحة المحافظة في غرفة تُستأجر لليلة واحدة، وبعض السائحين يطلبون الفتاة نفسها أكثر من مرة، أو في اليوم التالي مباشرةً، بينما بعضهم الآخر يطلب التجربة مع فتاة جديدة من فتيات الشيخة: "بدّو يغيّر طعمة تمّو".

الجدير بالذكر أن الشيخة تسكن في منطقة الخطيب في وسط دمشق، في بيت فخم "سوبر ديلوكس"، أما الفتيات اللواتي يعملن معها؛ فتتعدد أسبابهن ودوافعهن إلى العمل بالدعارة. 

الفتاة التي زودتنا بالتفاصيل واستطعنا من خلالها الوصول إلى مكان الاجتماع فجراً، تخبرنا عن دافعها بأنّها مطلقة منذ 4 سنوات، بينما يعيش أهلها في إحدى المحافظات ولا تواصل بينها وبينهم الآن بعد أن حاول أخوها قتلها لأنّ زوجها اتهمها بفقدان العذرية قبل زواجها منه وقد نشر الخبر "الفضيحة" أمام الجميع، فاضطرت للهروب إلى دمشق والعمل بالمطاعم قبل أن تدخل في طريق الدعارة وفي إشارة منها لعدم مبالاتها ولعدم وجود ما تخسره أو تخاف منه: "أنا بكل الأحوال مو بنت، ما عندي شي اخسرو".

أما عن دوافع الفتيات الأخريات فتقول: بعضهن تضطر إلى العمل في الدعارة بسبب الفقر، أو بسبب طرد الأهل لهنّ من المنزل، وبسبب ملاحقة أحد الإخوة لهنّ بعد أن كشف شيئاً عنهن يمسّ "الشرف" في رأيه، وبعضهن طالبات جامعيات أو خريجات لم يجدن عملاً أفضل أو بمردود أفضل، ومنهن مَن تعتاش على دعارة الجسد لتطعم طفلها وتربّيه أو لتداوي أمها المريضة.

الجدير بالذكر أن معظم زبائن الشيخة من العراقيين والخليجيين الذين يأتون بصورة سنوية بهدف السياحة "الجنسية"؛ فالفتيات السوريات مرغوبات من ناحية شكلية وجمالية ولا يطلبن أرقاماً عالية "سعر زهيد مقابل المتعة"، ولا تزال الجملة التي قالتها سمر أمامنا في غرفة الاختصاصية النفسية عالقة في الذاكرة كندبة: "بمليون ليرة يشترون كومة نسوان، وبمئة ألف يستعبدوننا كل الليل".