دخل الحراك الشعبي في السويداء يومه الـ 11 وسط استمرار المظاهرات المنادية بإسقاط النظام السوري ورحيل رئيسه بشار الأسد، دون أن يقل زخمها مستخدمة شعارات الثورة السورية، في مقابل عدم إقدام قوات النظام وأجهزة مخابراته على أي خطوة تصعيدية لقمع المتظاهرين أو اعتقالهم.
ورغم استخدام آلة النظام السوري الإعلامية بكل الوسائل لغة التخوين ومحاولة ترويج شماعة "الانفصال" لتأسيس حكم ذاتي في جنوب السويداء، فإن الحراك الشعبي في السويداء ما زال محافظاً على ثوابته الوطنية الجامعة مطالباً بإسقاط النظام ورحيل رئيسه مع التأكيد على وحدة سوريا وشعبها وتفعيل قرار مجلس الأمن 2254 القاضي بانتقال سياسي برعاية أممية.
ويبدو أن النظام السوري اتخذ قرار عدم الصدام مع الحراك الجاري في السويداء، مركزاً على عامل الوقت بأن المحافظة إلى متى ستبقى تتظاهر وتتحمل الأعباء المعيشية المرافقة للعصيان المدني وإغلاق الفعاليات التجارية فيها.
خلق انقسام داخلي
ويحاول النظام خلق فتنة داخلية بين سكان السويداء أنفسهم عبر تقديم خطاب آخر من داخل المحافظة التي تشكل غالبية سكانها من الطائفة الدرزية، على أن هناك انقساما بين شيوخ العقل، حيث يؤيد الشيخ حكمت الهجري والشيخ حمود الحناوي الحراك الشعبي ومظاهرات الناس ومطالبها، في الوقت الذي يرسل فيه النظام السوري محافظ ريف دمشق صفوان أبو سعدة إلى شيخ الطائفة الثالث يوسف جربوع الذي انحاز إلى النظام.
وقالت مصادر مطلعة لشبكة السويداء 24 المحلية، إن صفوان أبو سعدة، ابن السويداء، جاء إلى مدينته مبعوثاً من بشار الأسد، يوم الثلاثاء، والتقى الشيخ يوسف جربوع، وعدداً من وجهاء المدينة.
وانتشر مقطع فيديو للقاء، يتحدث فيه الشيخ يوسف عن رفض الانفصال. الانفصال المرفوض أصلاً من الحراك الشعبي الذي تشهده السويداء في الأيام الماضية، بحسب هتافات المشاركين فيه.
وقال جربوع، إن علم الدولة هو العلم الذي يمثله، واعتبر أن الحراك الشعبي يطلق هتافات "شاذة"، في إشارة "على ما يبدو" إلى المطالب برحيل النظام وإسقاط الأسد. فقد أكد جربوع في حديثه، انحيازه إلى جانب السلطة وأنها "الخيار الاستراتيجي والوطني".
"نحن ما منطلع عن قرار قيادتنا ودولتنا"
— تلفزيون سوريا (@syr_television) August 30, 2023
وصف مطالب متظاهري السويداء بـ"النشاز"
الشيخ "يوسف جربوع" ينحاز لنظام الأسد خلال لقائه مع "محافظ ريف #دمشق"
-وقف شيخَا العقل لطائفة الموحدين (الدروز) حكمت الهجري وحمود حناوي مع مطالب المتظاهرين بإسقاط النظام#تلفزيونسوريا #نيوميديا_سوريا pic.twitter.com/Og5KrcDbjM
وكان سقف البيان الذي أصدره جربوع بعد أيام من بدء الحراك لا يتجاوز تغيير حكومة النظام وفتح معبر بري بين السويداء والأردن، وإبداء اهتمام أكبر بالأوضاع المعيشية والاقتصادية للمحافظة.
في المقابل كان الشيخ حكمت الهجري يؤكد في لقاء مع أهالي مدينة شهبا، على رفض فكرة الانفصال بشكل صارم، مؤكداً أن أبناء السويداء قدموا الدماء لأجل كرامة سوريا، ولا عودة قبل تحقيق مطالب الناس المشروعة.
"خونة .. عملاء.. انفصاليين"
وعملت وسائل الإعلام التابعة للنظام والمقربة منه على بث خطاب تخويني تجاه كل المتظاهرين في السويداء، بحجة أنهم عملاء للخارج وأصحاب مشروع انفصالي مدعوم من الولايات المتحدة وإسرائيل ويتجهون إلى تسليح الحراك وعسكرته، بنفس الطريقة التي كان يوجهها إلى أبناء الثورة السورية في 2011، إلا أن الفارق الوحيد حالياً أن النظام لم يوجه آلة القتل وقمع الاحتجاجات إلى السويداء حتى الآن.
ورفض المحتجون في ساحة "الكرامة" وسط مدينة السويداء، أي محاولة لعسكرة حراكهم الثوري، في إصرار على استمراره السلمي حتى تحقيق تغيير سياسي، وفق القرارات الدولية.
وحتى اليوم الحادي عشر ما زالت حشود من المحتجين، تتوافد من مختلف بلدات وقرى المحافظة إلى ساحة السير (الكرامة) مرددين شعارات تؤكد أن "الشعب السوري واحد"، وهو الشعار الأول للثورة السورية التي بدأت في ربيع العام 2011، ومارس النظام كل أساليب القمع لوأدها.
"بدن معلمن وبدن رئيسن ونحن ما معترفين فيه"
— تلفزيون سوريا (@syr_television) August 30, 2023
رداً على اجتماع رأسه شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز "يوسف جربوع"
رسالة من متظاهر في #السويداء إلى السوريين في الداخل والخارج#تلفزيون_سوريا #نيو_ميديا_سوريا pic.twitter.com/I93YPSTyXh
كما واصل المتظاهرون في ساحة الكرامة ترديد شعارات ثورية أخرى من قبيل "عاشت سورية... ويسقط بشار الأسد"، رافعين صوراً لرموز سورية وطنية، أمثال يوسف العظمة وسلطان الأطرش اللذين واجها الاحتلال الفرنسي في عشرينيات القرن الماضي.
كما وجه المتظاهرون نقداً لاذعاً للشيخ "جربوع" الذي أخذ قراره بالوقوف النهائي مع النظام قائلين له: "يا بتوقف مع شعبك، يا بتمثل نفسك فقط".
شماعة "داعش"
وكان نظام الأسد قد عمل منذ سنوات على تنشيط تنظيم الدولة "داعش" في البادية السورية القريبة من السويداء، وتوجيه عمل التنظيم إلى المحافظة ذات الأغلبية الدرزية، في محاولة منه لإرعاب المحافظة وتوجيه رسالة خارجية أنه يحمي الأقليات من مخاطر الإرهاب.
وحذر كثير من الناشطين في السويداء من لجوء النظام مرة جديدة لنقل مقاتلين من "داعش" كي يتغلغلوا في بعض مناطق السويداء لارتكاب مجازر كالتي حصلت في تموز 2018 حين قُتل زهاء 150 شخصاً من أبناء المحافظة، وجُرح قرابة 200 آخرين، لحمل القيادات الدرزية على السماح لشباب القرى بالانضمام إلى الجيش.
ولعل ضعف التنظيم حالياً قد لا يسمح بذلك خصوصاً مع اللجان الأهلية العاملة في السويداء والتي تعمل جهدها على منع الدخول والخروج إلا بالحالات الطارئة إلى المحافظة بما يسمح الحفاظ على الأمن في قراها وبلداتها.
بيان سياسي بسقف الثورة
وفي أول رد على تطورات الوضع بالسويداء، لمنظمي الحراك أدلوا ببيان سياسي بشكل خاص لتلفزيون سوريا يعبر عن مطالب أهالي السويداء، أكّدوا فيه على إسقاط النظام، وتطبيق القرار الأممي 2254 لتحقيق السلام المستدام في البلاد.
وقال مروان حمزة، أحد منظمي الاحتجاجات: "إلى جميع أطياف المجتمع السوري، بكل تنوعه السياسي والأهالي والديني، آباء وأمهات الشهداء والمعتقلين والمهجرين والمغيبين، تعاهدنا اليوم ومنذ عام 2011 على ميثاق وطني سوري يرفض التطرف والاستبداد، محدداته هم السوريون متساوون بالحقوق والواجبات، لا يفرقهم عرق ولا دين، ويرفضون الارتهان للمشاريع الخارجية".
وأضاف البيان أن الحراك يسعى إلى بناء دولة مواطنة وقانون، وليس استبدال سلطة بأخرى.
وأكد على مطالب المتظاهرين بإسقاط النظام وأجهزته الأمنية، وأنه لا يمكن تحقيق السلام والاستقرار في سوريا إلا برحيل بشار الأسد.
ويعد هذا البيان إعلانا سياسيا بسقف الثورة السورية، من محافظة السويداء، يتبنى أدبياتها ومطالبها الأولى في تحقيق انتقال سياسي لا دور فيه لبشار الأسد أو رموز نظامه.
وحتى الآن فشل النظام السوري في إفشال الحراك الشعبي في السويداء، فهو لا يمكن وصمه بالسلفية الجهادية ولا الإرهاب باعتبار يؤكد على الدروز أقلية وليسوا مواطنين مثلهم مثل بقية الشعب السوري، ولا يمكن تقديم مظاهرات السويداء على أنها طائفية خصوصاً مع مشاركة عشائر البدو بشكل كبير في مظاهراتهم اليومية متفقين على ذات المطالب.
في حين بقي يلعب في دائرة الفتنة الداخلية عبر محاولة تقسيم الدروز لعدة جبهات، جبهة تدعم الثورة السورية وأخرى تدعم النظام، إلا أن صوت الشارع حتى الآن أقوى من خطاب النظام الركيك الذي زاد من أسعار المحروقات بعد أقل من 10 أيام على آخر زيادة كانت سبباً لكسر جدار الصمت.