على غرار العديد من القطاعات ترزح الزراعة في المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام السوري تحت ظروف مدمرة لإنتاجية القطاع واستمرارية المزارعين، ويعدّ ريف حمص الشمالي مثالاً على المساحات الزراعية المتضررة نتيجة سياسات النظام المتعمدة والتي تهدف وضوحا إلى إضعاف المزارع السوري وخنقه.
ويأتي تحكّم النظام بأسعار المحاصيل واحتكار تصديرها، وتذبذب أسعار صرف العملة السورية واستحواذ روسيا على معامل السماد في مقدمة المشكلات العديدة التي تواجه المزارعين، والتي أدت إلى خسائر فادحة.
وكان المزارعون قد استبشروا خيراً بمشروع منظمة الأغذية والزراعة (فاو) لإصلاح سواقي الري وإعادة استجرار المياه من بحيرة قطينة إلا أن هذا المشروع لم يتمكن من حل مشكلة المزارعين بسبب توقفه قبل الانتهاء من إنجازه.
أسعار المحاصيل لا تتناسب مع تكاليف الإنتاج
بينما ترتفع تكاليف الإنتاج سنوياً، تراوحت أسعار المحاصيل في مكانها، فتحكّم النظام السوري بعمليات التصدير ومنح حقوقها لمعاونيه والمقربين منه، إضافة إلى المضايقات الاقتصادية على التجار مثل فرض تجميد مبالغ مالية ضخمة في البنوك السورية لمدة طويلة لقاء السماح بالمتاجرة، كل هذا أدى إلى احتكار تجارة المحاصيل بأيدي فئة منتفعة قليلة مما أدى إلى هبوط في أسعارها.
أبو أحمد (45 عاماً) أحد المزارعين من منطقة الرستن قال لموقع تلفزيون سوريا: "في السنة الماضية زرعت اليانسون، كانت تكلفة كل دونم بحدود 150 ألف ليرة، وكان سعر كيلو اليانسون قرابة 7000 ليرة، بينما هذه السنة تجاوزت تكلفة زراعة الدونم الواحد الـ 250 ألف ليرة بالمقابل استمر سعر اليانسون على حاله"، وأشار إلى أن احتكار التجارة المتعمد هو ما يؤدي إلى هذا الهبوط.
أسعار صرف متقلبة
يشتكي المزارعون من مشكلة مستعصية تقضي على معظم أرباحهم، وهي التفاوت في أسعار صرف الليرة السورية دون محاولة جادة من النظام السوري لضبط السوق أو تحمل نتائج وآثار انخفاض سعر العملة.
علي السالم وهو مزارع من بلدة الدار الكبيرة أكّد قائلاً: "يشتري النظام منّا المحاصيل بالليرة السورية، محتجاً بأنها إنتاح محلي وبأن هذا ما يتناسب مع الدخل، وعندما نذهب لشراء المعدات والمبيدات الحشرية والعشبية يحسب التجار الأسعار بالمقارنة مع الدولار وبسعر تصريف السوق السوداء، محتجين بأنها مواد مستوردة".
وأضاف: "في السنة الماضية كنت أبيع الكمون بنحو 10 آلاف ليرة سورية لكل كيلو، ولم يطرأ على هذا السعر أي تحسن، بينما ارتفع ثمن لتر المبيد العشبي على سبيل المثال لأكثر من الضعف وكذلك جميع التكاليف"، مردفاً: "هذا حقهم فهم يشترون بضائعهم بالدولار فعلاً، لكن أين حقنا!؟".
سيطرة روسيا على إنتاج السماد
تسيطر الشركة الروسية على معمل السماد في حمص وتحتكر الإنتاج والتوريد، ويدير المعمل مدير روسي بشكل مباشر، في بداية تشغيل الشركة وزعت حكومة النظام كميات من السماد بسعر مدعوم على المزارعين، ثم توقف. في الوقت الحالي يعاني السوق من فقدان السماد مما يهدد إنتاجية المحصول.
محمود.ض - تاجر مواد زراعية - قال: "لا يتسلم المزارعون من الجميعات الفلاحية أي مخصصات حالياً، كنت أبيع كمية خمسين كيلو من سماد الفوسفات بنحو 60 ألف ليرة منذ عدة أشهر، أما حاليا فوصل سعرها إلى ما يقارب 100 ألف ليرة إن وجد، وهذا السعر لا يناسب المزارعين ولا يتناسب مع الأرباح المتوقعة، وعندما عرضته بهذا السعر لم يشتره أحد، لذلك لا يوجد سماد في السوق".
وفي سياق كلامه حول طريقة تجاوز هذه العقبة قال: "يلجأ المزارعون لاستخدام أسمدة ورقية لتدعيم محاصيلهم، لكن هذه الطريقة أيضا مكلفة لأن هذه الأنواع من الأسمدة مستوردة، وهي بطبيعة الحال مخصصة لتدعيم المحصول إضافة إلى السماد الأساسي، لذلك لا تأتي بنتائج مرضية".
غلاء البذور والشتلات الزراعية
الظروف القاهرة التي تواجه قطاع الزراعة أدت إلى إنتاج رديء، مما انعكس على عملية إعادة الزراعة والإنتاج، لذلك يواجه المزارعون صعوبة في تأمين بذار جيّدة وشتلات ذات نوعية عالية.
فيصل - أحد المداومين على زراعة المحاصيل البقولية في المنطقة - قال لموقع تلفزيون سوريا: "في السنوات الماضية كنت أزرع محصول الفول من مصادر مختلفة، وكانت في معظمها ذات مواصفات جيدة، بما في ذلك تلك التي استلمتها خلال فترة الثورة عن طريق واحدة من المنظمات الإغاثية المهتمة بالزراعة".
وتابع: "لكن في المواسم الثلاثة الأخيرة، بحثت طويلاً عن بذار بنفس المواصفات لكنني لم أجد، واضطررت لشراء كمية بذور بأسعار مرتفعة من واحدة من الصيدليات الزراعية، لكنها كانت سيئة وضعيفة الإنتاج".
مبيدات أعشاب ومبيدات حشرية منتهية الصلاحية
واحدة من أهم الممارسات التي تضر بالإنتاج الزراعي استيراد النظام السوري أو إنتاجه لمبيدات حشرية وعشبية غير فعالة أو منتهية الصلاحية، يتحدث المزارعون وأصحاب الصيدليات الزراعية بقلق عن فعالية المواد وصلاحيتها، وكثيرا ما يقوم أصحاب الصيدليات الزراعية بالتأكيد على عدم مسؤوليتهم عن المبيدات المباعة.
المزارع أحمد،ع قال: "أشتري مبيدات عشبية وحشرية من أجل محصول الثوم، وهو محصول حساس جداً ويحتاج لعناية مستمرة، في السابق كان المهندس الزراعي الذي أستشيره أو صاحب الصيدلية التي أتعامل معها ينصحني بأنواع محددة ويضمن لي فعاليتها، أما مؤخراً فإنهم يرفضون توجيهي لكون المواد المتوفرة غير مضمونة".
من جانبه، أضاف "أبو عبد الرحمن" وهو صاحب صيدلية زراعية: "يطلب منا المزارعون ضمانات حول فعالية المبيدات التي يشترونها، لأنها مكلفة أولاً ولأنها ستنعكس بآثار سلبية على المحصول فيما لو كانت غير فعالة".
وأردف: "في السابق كنا نستشير المهندسين الزراعيين والمستوردين وكانوا يوجهوننا إلى منتجات معينة مثل كومبي وأفالون وغيرها بحسب الحاجة، لكنهم في الظروف الحالية توقفوا عن تحمل المسؤولية عن أي منتج، وبدورنا توقفنا أيضاً، فمعظمها بين مغشوش ومنتهي الصلاحية".
مياه ري ملوثة وكميات غير كافية
لا تكفي المياه الموزعة عبر قنوات الري في أثناء الموسم الصيفي أيّاً من الأراضي المستفيدة، بحسب "أبو محمود" - أحد المسؤولين في إدارة الري والموارد المائية والذي لم يكشف عن اسمه خشية المضايقات الأمنية - والذي أضاف أنّه "يتم تخصيص بين 4 و7 دقائق من ضخ مياه السواقي الفرعية لكل دونم زراعي، بينما تحتاج الأراضي لما يقارب ربع ساعة من الري".
وتابع: "تحتاج قنوات الري لإصلاحات أكثر من أجل تخفيف نسبة الهدر الحاصل، ويحتاج القطاع إلى إدخال طرق وأساليب الري والزراعة الحديثة التي تؤمن وصول كميات مياه أفضل إلى الأراضي ومردود أعلى".
إضافة إلى النقص في الكميات المخصصة للري، يشتكي المزارعون من تلوث هذه المياه بمخلفات الشركة العامة للأسمدة والتي تتخلص من مخلفاتها الكيميائية في بحيرة قطينة، الأمر الذي يؤدي إلى تلف محاصيل معينة مثل الخضروات.
ارتفاع هائل بأسعار المحروقات
في ساعة إعداد هذه المادة وصل سعر لتر المازوت الواحد إلى 4500 ليرة، وهو ما يعادل 1.2 دولار أميركي، بزيادة على سعره للفترة نفسها من العام الماضي أكثر من مئة في المئة، مما أدى إلى توقف المزارعين عن تشغيل مضخات المياه واستثمار الآبار.
هند، واحدة من النساء التي تزرع أرضها بشتلات الخضار المتنوعة قالت للموقع: "كنت اعتمد على زراعة الخضار لأنها ذات أسعار جيدة ومطلوبة باستمرار، كما أنني أحب هذا العمل لأنه يحتاج رعاية وموهبة، أما اليوم مع ارتفاع أسعار الوقود بهذا الشكل لم تعد المرابح تغطي تكاليف استخراج المياه، خاصة مع انخفاض مستوى مياه الآبار".
يذكر أن النظام توقف عن تسليم المحروقات الزراعية بالسعر المدعوم أيضاً، أو أن تسليمها مشروط بتسليمه محاصيل محددة وبسعر أدنى من أسعار السوق.
أجور النقل وآلات الحراثة والحصاد
يمتلك بعض المزارعين مركبات خاصة لخدمة أراضيهم، وسيارات يستخدمونها لنقل محاصيلهم إلى المستودعات أو الأسواق، لكن الغالبية لا تملك الآلات الزراعية الأساسية، وهذا ما يضاعف مصاريف المزارعين مع ارتفاع غير مسبوق للأجور، فمثلاً يتجاوز أجر حراثة دونم الأرض 20 ألف ليرة سورية، وهو مبلغ مرتفع للغاية بالنسبة إلى أسعار المحروقات.
عثمان - صاحب جرار زراعي - أوضح قائلاً: "نضطر لأخذ هذه الأجور المرتفعة ليس لمجرد ارتفاع أسعار المحروقات، ولكن لتغطية تكاليف إصلاح وصيانة المكنات، فالنظام يتذرع بالعقوبات الاقتصادية ولذلك نعاني من فقدان الكثير من قطع التبديل والغيار وارتفاع في أسعارها".