وكأن الثورة السورية تعود إلى بداياتها. ما يستجدّ فيها هو انطلاقها من السويداء وليس من درعا. أما ما تثبّته وتؤكده، هو إسقاط ادعاءات النظام بالانتصار العسكري والذي لطالما سعى إلى استثماره سياسياً وهو ما لم يحصل. لاقت أصوات وصرخات أهالي السويداء أصداءً في مختلف المحافظات. هي تحركات لا يمكنها التوقف عند هذا الحدّ، فبالنظر إلى المطالب المرفوعة، وإعادة الاعتبار لشعارات "واحد واحد واحد الشعب السوري واحد". إعلان يرتكز على تعزيز المواطنية السورية في مواجهة كل محاولات التطييف أو التفتيت.
تأتي الاحتجاجات بعد وقائع كثيرة، لها ارتباطاتها الخارجية، فالنظام الذي كان يحاول الادعاء أنه انتصر وأجبر الدول العربية على العودة إليه، صُدم بمثل هذه التحركات، فانفجارها بحدّ ذاته يرتبط بفشل النظام في تحقيق أي مكسب من جراء التطبيع السياسي معه، لا في ملف إعادة الإعمار ولا في ملف إعادة اللاجئين ولا حتى الالتزام بما تعهد به حول مكافحة تهريب المخدرات. فانفجرت الأزمة الاقتصادية والمالية، والتي تطورت الحالة الاعتراضية عليها وما تزال قابلة للاتساع أكثر. خصوصاً في ضوء التطورات الإقليمية الحاصلة أيضاً، من التحشيد العسكري الأميركي على الحدود السورية العراقية، والذي يقابله تحشيد عسكري لإيران وحلفائها لا سيما في ضوء المعلومات التي تشير إلى أن حزب الله أعاد إرسال مقاتلين إلى الداخل السوري بعدما كان قد عمل على سحبهم لاحقاً.
سوريا الموحدة ولدت من السويداء، ومن الثورة السورية الكبرى التي قادها سلطان باشا الأطرش، رفضاً لصيغة الكيانات المصغرة التي عمل عليها الجنرال غورو
قبل الدخول في كل هذه القراءات، لا بد من تسجيل ملاحظة أساسية، أن سوريا الموحدة ولدت من السويداء، ومن الثورة السورية الكبرى التي قادها سلطان باشا الأطرش، رفضاً لصيغة الكيانات المصغرة التي عمل عليها الجنرال غورو. التقت وطنية سلطان باشا الأطرش معه وطنية سورية وعربية لدى شخصيات ورموز مثل فارس الخوري، إبراهيم هنانو، وصالح العلي، بما يرمز إليه هؤلاء ويمثلونه بالنسبة إلى الأقليات الذين اجتمعوا في سبيل نشوء الدولة السورية. اليوم لا مناص من إعادة تشكيل سياسي مماثل لشخصيات ووجاهات من مكونات مختلفة تجتمع على مشروع سياسي واحد، بدلاً من الغرق في مشاريع التفتيت التي عمل عليها النظام، وقد التقت مصالحه في ذلك مع مصالح جهات خارجية كثيرة.
في ظل عدم قدرة النظام على مهاجمة التظاهرات، كان الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله فقط صاحب الجرأة في طرح نظرية تخوينية واتهام المتظاهرين في العمالة
في التعليق على تظاهرات السويداء، فهناك ملاحظة أساسية لا بد من التوقف عندها، وهي تردد النظام باستخدام العنف المفرط والسريع، وهذا يعود لغياب أي نظرية سياسية يرتكز عليها في تخوين المحتجين أو وسمهم بالإرهاب والتطرف، وهم محتجون بمعظمهم كانوا قد ترددوا سابقاً في الانضمام إلى الثورة، بالإضافة إلى وجود أصداء اجتماعية متعاطفة مع الاحتجاجات حتى داخل البيئة الموالية. أما الخشية فما تزال قائمة من احتمال لجوء النظام إلى استخدام جماعات إرهابية متطرفة لاستهداف أبناء السويداء في سبيل تطويعهم وضرب تحركاتهم وإعادتهم إلى أحضانه.
في ظل عدم قدرة النظام على مهاجمة التظاهرات، كان الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله فقط صاحب الجرأة في طرح نظرية تخوينية واتهام المتظاهرين في العمالة، وقد وضع ما يجري في سياق المؤامرة الأميركية والضغط الخارجي المستمر. فيما النظام حتى الآن لم يتبن أي كلام من هذا القبيل حتى الآن، وربما هذا ما يفسر المعلومات التي تشير إلى أن النظام قد طلب دعماً من إيران وحزب الله تحسباً لتفاقم هذه الاحتجاجات. ذلك سيعيد النظام إلى الحضن الإيراني، ما سيسقط كل محاولات التسويق حول استعادته من إيران، إنما يثبت مجدداً إدارة ظهره للعرب وهذا لا بد أن يكون له ردة فعل عربية.
مما لا شك فيه أن النظام السوري قد اكتسب مميزات وصفات النظام اللبناني بوصفه شبكة مصالح طائفية متنازعة ومتفقة في آن. ولذلك سيكون هناك مواجهة لصعوبات كثيرة في تغييره من دون توفر دعم خارجي مباشر ومتزن، وحتى مثل هذا السيناريو غير مضمون النتائج حتى الآن، على غرار ما حصل في العراق. وكأنه مكتوب للبنان وسوريا والعراق، البقاء لفترة طويلة من حالة اللادولة واللاشرعية، واللاانتظام، في حرب أهلية معلنة ومستترة. خصوصاً أن النظام وحلفاءه كانوا قد نجحوا منذ سنوات في محاصرة الاحتجاجات وتطويقها، وتقسيمها طائفياً ومذهبياً. فيما لا الدولة المركزية قادرة على العودة، ولا الأفكار والطروحات حول الكيانات المستقلة أو الفيدرالية قابلة للتطبيق. لكن اليأس ممنوع.