زادت حركة التهريب من سوريا إلى لبنان مؤخراً عبر المعابر الحدودية غير الشرعية بين البلدين، هربًا من تدهور الأوضاع الاقتصادية في مناطق سيطرة النظام، حيث يتوجه السوريون إلى لبنان إما بهدف البحث عن فرصة عمل هناك، أو بهدف الخروج من الشواطئ اللبنانية إلى أوروبا عبر طرق غير شرعية.
هناك 20 معبراً نشطاً على خط التهريب في منطقة البقاع، وهي ليست مخصصة فقط لتهريب البشر، ولكن أيضاً لتهريب الديزل والبنزين والمواد الغذائية والوقود والسيارات المسروقة. نشط مؤخراً معبران مخصصان لتهريب البشر، شهد أحدهما مقتل عشرات الأشخاص بينهم نساء وأطفال، خلال محاولتهم الهرب عبره من القوات الأمنية. ويقدر عدد الأشخاص الذين يدخلون كل يوم بنحو 400 شخص، وتدير عصابات محترفة، من سوريين ولبنانيين عمليات التهريب، بتكلفة 50 دولاراً عن كل شخص.
الهرب بسبب قلّة فرص العمل
وفي السياق يقول سامر الصباغ وهو شاب من مدينة دمشق وصل إلى لبنان: "بعد تخرجي من كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، وجدت نفسي عاطلاً عن العمل، رغم محاولاتي العديدة الحصول على فرصة عمل، ولو كانت بعيدة عن اختصاصي. وبسبب سوء الأوضاع الاقتصادية، وخوفاً من اقتيادي لخدمة العلم، اضطررت للسفر إلى لبنان. وأعمل حالياً على السفر إلى أوروبا عبر البحر. حاولت مرتين خلال الشهر الماضي، لكن محاولاتي باءت بالفشل، ولم أنجح في العبور."
ويتابع في أثناء حديثه مع موقع تلفزيون سوريا: "لا أستطيع دخول لبنان بطريقة قانونية، لأنها تشترط وجود حجز طيران إلى دولة أخرى، أو موعد في إحدى القنصليات. كما أن النظام لن يسمح لي بالسفر، كوني أنهيت تعليمي الجامعي، ويجب أن ألتحق بقواته. كل هذا دفعني إلى اللجوء، إلى دخول لبنان عن طريق أبو جبرائيل أحد ضباط الفرقة الرابعة الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع حزب الله. ولديه عدة طرق للدخول إلى لبنان، إحداها بسيارته عن طريق المعبر الرسمي، أو عبر شاحنة ترانزيت، أو من إحدى الطرق المحاذية للمعابر. وتتعلق الأسعار أيضاً بحالة الشخص الراغب في السفر، إن كان مطلوب أمنياً أو لا."
بينما محمد أقرع من مدينة حلب روى لموقع تلفزيون سوريا كيف استطاع الوصول إلى تركيا بعد دخوله لبنان: "بعد فقداني وظيفتي في إحدى شركات السجاد الخاصة في المدينة، لم أستطع البقاء أكثر من شهر هناك، فارتفاع الأسعار وسوء الأوضاع الاقتصادية وكوني المعيل لوالدي وأختي الصغرى، دفعاني إلى دخول لبنان عن طريق المعبر، بعد حصولي على موعد في القنصلية التركية، بسبب القبول الجامعي الذي حصلت عليه من جامعة إينونو في تركيا. وبالفعل حصلت على الفيزا التركية، ووصلت إلى تركيا. هدفي ليس الدراسة، ولن أستطيع متابعة تعليمي، لكن القبول الجامعي كان الوسيلة التي استخدمتها للهروب إلى واقع أفضل. وأعمل الآن في مدينة إسطنبول التركية، مع أحد أقاربي."
تشديد أمني يعيق حركة التهريب إلى لبنان
من جهته أحد السائقين العاملين على إدخال الراغبين في السفر إلى لبنان أخبر موقع تلفزيون شريطة عدم الكشف عن هويته أن: "عملي حالياً يقتصر على إيصال الشباب إلى داخل الأراضي اللبنانية، وأتعاون مع سائق لبناني، يستقبل الداخلين إلى لبنان ويقلهم إلى مكان وجهتهم، بعد أن أقوم بإيصالهم إلى المعبر الحدودي. وأتقاضى 125 دولارا أميركيا لقاء ذلك. في الفترة الماضية، كنا نستطيع إدخال الشباب عبر طرق تهريب في حال عدم امتلاكهم جواز سفر أو حجز طيران، لكن توقف ذلك في الفترة الحالية، بسبب التشديد الأمني على الحدود."
الحملات الأمنية للنظام سبب رئيسي
ويأتي ازدياد حالات دخول السوريين والعائلات إلى لبنان بشكل غير قانوني، بسبب الحملات الأمنية لقوات النظام على المناطق الخاضعة لسيطرته، بينما يسود تخوف كبير بين سكان تلك المناطق من بطش الأجهزة الأمنية والاعتقال.
وأوضح مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني لموقع تلفزيون سوريا أن: "الاقتصاد السوري هو في حالة أسوأ مما يبدو عليها الآن، وقيمة الليرة السورية الحقيقية ليست كما نراها الآن، نتيجة طباعة النظام السوري لمليارات الليرات من دون رصيد. وسيستمر الوضع بالتدهور، بسبب تشريد النظام لقرابة 13 مليون مواطن سوري، وتدمير البنى التحتية، وفساد النظام ومؤسساته. وعادة ما يربط النظام تدهور الوضع الاقتصادي بالعقوبات المفروضة عليه، لكن هذا التوصيف غير دقيق، لأن العقوبات تأتي في التصنيف السابع أو الثامن، بعد عدة أسباب رئيسية."
الهجرة كحل بديل
وأردف: "الضغط الاقتصادي الهائل، وسطوة الأجهزة الأمنية المتوحشة، وانعدام الحريات، سيدفع المواطن السوري بلا شك للهجرة والفرار، من أجل البحث عن حلول بديلة، يعيل من خلالها عائلته. ولو أن الحدود مفتوحة بشكل أسهل، لوجدنا عدد المهاجرين أكبر بكثير ممن يحاول الخروج من سوريا الآن، في ظل غياب أفق للحل في سوريا، مع عجز حلفاء النظام على انتشاله من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها."
وأضاف: "اللجوء حق لأي مواطن سوري، وبسبب إغلاق الدول الحدود أمام السوريين، يلجأ الكثير إلى استخدام الطرق غير الشرعية، أي التهريب من أجل الوصول إلى الدولة التي يرغب باللجوء إليها، للتخلص من الاضطهاد والقتل وحماية نفسه من حملات الهجوم التي يشنها النظام وحلفاؤه. وفي حال توقفت الحملات العسكرية، فمن الممكن أن تبدأ الهجرة العكسية، من دول اللجوء إلى سوريا. لكن في المقابل؛ يقوم المهربون بابتزاز الراغبين بالهجرة، واستغلالهم من أجل الحصول على أموال وتحقيق هامش ثراء شخصي. وليس من حق الدول إغلاق حدودها أمام الراغبين باللجوء إليها، وذلك وفقاً للقانون الدولي."