رفض نتنياهو التجاوب مع المقترح الأخير الذي قدمه الوسطاء لحركة حماس والذي أبدت فيه الأخيرة مرونة بعد ضغط أميركي أظهر أن هذه الفرصة قد تكون الأخيرة لإتمام صفقة وقف لإطلاق النار كما تم تقديم الكثير من التعهدات المتعلقة بانسحاب الاحتلال بشكل كامل من غزة وإدخال المواد الإغاثية وبدء عملية إعادة الإعمار.
من المفترض أن المقترح الذي دعمه بايدن هو مقترح إسرائيلي بالأساس وهو مبني على لقاءات باريس التي شاركت فيها دولة الاحتلال الإسرائيلي ولكن نتنياهو يدرك أن الوصول لاتفاق يعني أنه يحكم على نفسه بالإعدام سياسيا ولذلك وجدنا أن نتنياهو حاول إفشال كل مبادرات وقف إطلاق النار.
وقد سعى نتنياهو لإفشال مبادرات وقف إطلاق النار بعدة أشكال تارة بتطبيق مزيد من القوة وتارة بإضافة معطيات جديدة مثل احتلال معبر رفح ومحور فيلاديلفيا وذلك كي يجعل حركة حماس تمتنع عن المشاركة في المفاوضات لأن الاستمرار في المفاوضات في ظل استمرار المجازر بحق المدنيين وتوفير غطاء لنتنياهو يشكل عبئا كبيرا وفق منظور الحركة ولكن الحركة لإداركها لنوايا نتنياهو وموقفه الحقيقي الرافض لأي صفقة لم تعط نتنياهو هذه الفرصة.
إن كل أركان دولة الاحتلال الإسرائيلية بدءا من مؤسسة الجيش ووزير الدفاع والمؤسسات الأمنية كلها تدعم التوصل لصفقة وقف إطلاق نار.
عندما ننظر إلى مراكز القرار الأمنية والعسكرية والسياسية في دولة الاحتلال فإنه عدا نتنياهو وسموتريتش وبن غفير فإن كل أركان دولة الاحتلال الإسرائيلية بدءا من مؤسسة الجيش ووزير الدفاع والمؤسسات الأمنية كلها تدعم التوصل لصفقة وقف إطلاق نار كما أن بعض الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة مثل شاس دعمت أيضا ذلك وأخيرا رأينا أن وزراء من حزب نتنياهو مثل وزيرة الاستخبارات وغيرها يدعمون التوجه لصفقة.
قد يكون نتنياهو مدركا أن الصفقة الحالية جيدة ولكنه يدرك أنه في ظل وجود الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة فإنه لا أمان له حيث يمكن أن يتم تجهيز المشهد السياسي لبديل لنتنياهو بعد الصفقة مباشرة وكما قال بن غفير قد تفهم الصفقة بأنها هدية لبايدن وصفعة لترامب الذي يريد نتنياهو فوزه.
وعند هذه النقطة فإن ترامب الذي يعرف عنه بأنه غير قابل للتنبؤ وآت بمسار أكثر انغلاقية وأكثر تفكيرا بأميركا من الداخل قد لا يخدم نتنياهو بالضرورة.
من زاوية أخرى يخاطر نتنياهو بحياة ومستقبل الأسرى الموجودين لدى المقاومة في غزة وقد بدا خلال الأشهر الماضية غير مكترث بضغوط عائلاتهم وبضغوط المعارضة.
وعلى كل الأحوال فإن مماطلة نتنياهو التي تمتد إلى ما يقارب العام قد أدت إلى الكثير من الأضرار على المؤسسات والمجتمع الصهيوني وأظهرت خلافات لا حصر لها بين اليمين واليسار وبين الجيش والحكومة وبين المتدينين والعلمانيين وبين المتشددين أنفسهم وهذا كله يتزامن مع الضعف العسكري والأمني الذي أظهرته حرب غزة والتخبط السياسي والصورة المتدهورة لدولة الاحتلال عالميا والذي تجلى في المظاهرات في أرقى الجامعات الأميركية.
إن التآكل الذي يحدثه نتنياهو في مؤسسات دولة الاحتلال وبين أطرافها ينخر في قلب العقود الاجتماعية التي أسست دولة الاحتلال الإسرائيلي وها هي قضية تجنيد الحريديم المتدينين ستفتح ثغرة كبيرة من الشقاق بعد قضية الانقلاب القضائي التي سبقت الحرب وكلما ماطل نتنياهو أكثر صارت دولة الاحتلال في مأزق أكبر.
من زاوية أخرى يخاطر نتنياهو بحياة ومستقبل الأسرى الموجودين لدى المقاومة في غزة وقد بدا خلال الأشهر الماضية غير مكترث بضغوط عائلاتهم وبضغوط المعارضة من خلال اعتماده على حلفائه من الصهيونية الدينية الذين لا يزالون يدعمونه داخليا.
لقد تزايدت الضغوط على نتنياهو في الآونة الأخيرة وهناك جرأة أكبر لكن لازالت خيوط القرار بيديه وفيما تعد زيارته للكونغرس ولقاءه مع الإدارة الأميركية مفصلية فإن نتنياهو إن لم يحصل على ضمانات لبقائه فإنه سيظل يماطل وفي كل مرة لن يعدم الحجج.