آلاف تجمعوا في "ملعب الباسل" في مدينة اللاذقية على الساحل السوري، خلال حفل موسيقي أحياه المطرب السوري جورج وسوف احتفالاً بفوز رئيس النظام بشار الأسد، بولاية رئاسية جديدة مدتها سبع سنوات، إضافة لعشرات الاحتفالات الأخرى التي حاول النظام من خلالها تصوير الواقع على أنه انتصار كامل له بعد عشر سنوات من اندلاع الثورة السورية في آذار من عام 2011.
لكن هذه الصورة التي يسوقها النظام عبر الاحتفالات وعبر فنانيه الذين اعتلوا المسارح وألقوا الكلمات والخطابات، لا تبدو قادرةً على إخفاء أن 80 في المئة من السوريين اليوم في داخل سوريا هم تحت خط الفقر وفق إحصائيات الأمم المتحدة، وأن شريحة واسعةً ممن هم داخل سوريا يتملكهم اليأس والإحباط.
لا حل سوى مغادرة البلاد
"هناك حالة إحباط وخذلان في الشارع، كان هناك أمل ما بأن تتحرك محافظتا درعا والسويداء، أو حتى من المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ويؤدي الأمر إلى شرارة ولو كانت ضعيفة"، تصف هذه الكلمات مشاعر "علي" وهو اسم مستعار لشاب سوري من سكان مدينة مصياف، فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية أثناء إجابته على أسئلة موقع تلفزيون سوريا.
الإحباط الذي يحكي عنه علي يأتي بحسب رأيه من أن سبع سنوات أخرى بوجود الأسد على رأس النظام في سوريا ستترافق مع زيادة القهر والجوع، خاصةً مع "ازدياد نفوذ الشبيحة"، معتبراً أن الأسد يمثل لهم اليوم ضماناً لسبع سنوات مقبلة.
وكانت محافظة درعا جنوبي سوريا قد نجحت في إيقاف الانتخابات فيها وفجرت مجموعات معارضة أحد المقرات الانتخابية، في حين شهدت محافظة السويداء في شهر حزيران من عام 2020 مظاهرات متتالية طالبت برحيل الأسد وهتفت بسقوط حلفائه الروس والإيرانيين، بالإضافة إلى خروج ميليشيا حزب الله اللبناني من سوريا.
وأضاف علي أن "أجهزة الدولة كلها تقف خلف هؤلاء دون رادع" ولا حتى الناس لهم القدرة على التعامل معهم، معتبراً أن الحل الوحيد هو الهجرة رغم صعوبتها الكبيرة بسبب الوضع الاقتصادي السيئ، مشيراً إلى أن العشرات من معارفه وأقاربه يعملون لـ18 ساعةً يومياً لتأمين الاحتياجات اليومية.
ووصل سعر صرف الدولار الأميركي الواحد إلى 3170 ليرة سورية وفق موقع "الليرة اليوم" المتخصص بأسعار صرف العملات، بينما قدرت الأمم المتحدة في تقريرها السنوي لعام 2020 عدد السوريين المفتقرين إلى الأمن الغذائي بتسعة ملايين سوري تقريباً.
كما قالت الأمم المتحدة في تقريرها إن الاقتصاد السوري "واجه سقوطاً حراً معظم العام 2020"، مع استمرار الانتهاكات الحقوقية بشدة في الأراضي التي يسيطر عليها نظام الأسد، والذي قمع بوحشية أي علامة لعودة المعارضة مع استخدام الاعتقالات التعسفية والتعذيب.
ولا يختلف الحال الذي وصفه علي عما وصفته سحر، اسم مستعار أيضاً لشابة من مدينة اللاذقية والتي وصفت الحال لموقع تلفزيون سوريا بأنه "لا يُطاق" فسوريا بلد لا يمكن العيش فيه في الوقت الحالي بحسب تعبيرها، مشيرةً إلى شعور الإحباط والخذلان نفسه بالإضافة إلى الخوف من الاعتقال الذي تحول إلى "رُهاب".
ووفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، اعتقل النظام السوري منذ عام 2011، 129 ألفاً و989 معتقلاً، وفق تقريرها الذي نشرته في عام 2020.
ويرتبط هذا شعور "الرُهاب" أيضاً بما وصفته سحر بـ"فجور الشبيحة وإحساسهم بالنشوة والانتصار" الذي يترجمونه باستغلال الناس، ومنعهم من افتتاح مشاريع خاصة من دون دخولهم كشركاء أو دفع الإتاوات بشكل دوري، وهو ما يعني بالضرورة أن الناس تفكر وتحاول الهجرة من البلاد.
ووفق الدكتور في علم الاجتماع طلال مصطفى، يوجد دائماً علاقة بين الأحداث السياسية والعسكرية ومجمل التغيرات التي تحصل في سوريا وحياة الناس، وقال في إجابته على أسئلة موقع تلفزيون سوريا، إن نتيجة الإحباط من إمكانية التغيير وانتصار الثورة أو إحداث أي تغيير في بنية هذا النظام، وُجد لدى البعض تعبير بالعجز واليأس واللاجدوى، وبالتالي ارتبط الانهيار بالمجتمع السوري ككل، والبعض عاد للعمل مع المؤسسات الأمنية لدى النظام (المصالحات كمثال) في السنوات السابقة، ووصلت للتظاهر في المشاركة بالانتخابات.
وتعاني سوريا من أزمات في الوقود والكهرباء، بينما حاول النظام التخفيف منها قبل الانتخابات بفترة وجيزة قبل أن يعود تقنين الكهرباء مجدداً.
وأضاف مصطفى أن السخرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي من نتائج ما بعد الانتخابات وتساؤل الناس عن الخدمات والسلع التموينية، تعتبر شكلا من أشكال التعبير عن هذا الإحباط، لكن أن يتحول هذا الإحباط إلى شكل من أشكال التمرد على النظام، فربما يكون هذا الأمر ضعيف جدا، وتابع "من لم يتظاهر لحريته وكرامته لن يتمرد من أجل لقمة العيش، حقيقة البعض منهم يتقبل كل شيء من هذا النظام نتيجة الخوف من الاعتقال أو المصير البائس بالتهجير".
في السويداء الإحباط والخذلان سيدا الموقف
شهدت محافظة السويداء جنوبي سوريا عدة مظاهرات نادت برحيل الأسد وذلك منذ منتصف العام 2020، وهو ما كان أحد أسباب توقع بعض السوريين لمظاهرات جديدة ترفض الانتخابات على غرار جارتها محافظة درعا.
ورغم غياب أصوات الهتافات، تداول ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي صوراً لكتابات على الجدران لرفض الانتخابات وبقاء الأسد.
وقالت غزل وهو اسم مستعار لطالبة جامعية من محافظة السويداء: إن الشعور العام لكافة المكونات المجتمعية ضمن السويداء هو الخذلان والسخط والإحساس بالضيق وخاصة في ظل الواقع الاقتصادي الذي تعيشه المحافظة، وقد بات الشارع عموماً وخاصة من فضل الصمت مدركاً بكامل الوعي والقناعة السبب الكامن وراء مأساته.
وأضافت "وربما يمكننا ملاحظة ذلك من خلال حركات الاحتجاج الفردية والمصغرة التي يقوم بها بعض المواطنين على قرارات الحكومة الجائرة بين الحين والآخر"، نافيةً أن تكون مشاهد الاحتفالات تمثل أهالي السويداء الذين التزموا بيوتهم مع معرفتهم سلفاً بنتائج الانتخابات وتوقعهم لإطلاق الرصاص الكثيف.
وحول ممارسات الشبيحة في المحافظة قالت غزل لموقع تلفزيون سوريا: إن "حركة الشبيحة وأذرع السلطة المسلحة المتمثلة بميليشيا الدفاع الوطني وكتائب البعث وفصيل الزوبعة وأفراد العصابات المسلحة ذوي التبعية الأمنية لم تتوقف عن خلق جو بلبلة وحالة عدم استقرار ضمن المحافظة، مع استمرار عمليات الخطف والقتل، رغم انخفاض وتيرتها في الأسبوعين اللذين سبقا الانتخابات".
ويرى دكتور علم الاجتماع طلال مصطفى أنه من الطبيعي أن يتغول الشبيحة بعد الانتخابات، وتحديداً لدى من ارتبط بالنظام منذ عام 2011 وربط سلوكه ونفسه به.
وأضاف مصطفى أن "الانتخابات ووهم الانتصار يدل على نزعة سلطوية متغلغلة بالبنية الشخصية لديهم يبرزونها في المناسبات الخاصة بالنظام، معتبراً أن لديهم نوعا من الأمراض النفسية تتمثل في الحاجة لتقدير الذات، ويكون ذلك سلطة وقوة وهيمنة على السوريين الآخرين،مع ارتباط الشبيحة بالمؤسسات الأمنية.
ووفقاً لمصطفى فإن الشبيحة "لديهم جمود عقائدي يرفضون من خلاله أي أفكار مخالفة للقيادة، وهو ما يؤدي إلى مزيد من الشرخ المجتمعي لغياب القواسم المشتركة وهم ليسوا قلة مع باقي المكونات الاجتماعية، خاصة أن كثيرا من هؤلاء ينتمون إلى طائفة معينة يجب تحريرها من هذا النظام حتى لا يزيد الشرخ، سواء من قبل المعارضة السياسية أو النخب الثقافية"، بحسب مصطفى.