لا يعيش الأطباء شمال غربي سوريا حياة عادية، فمرضاهم يختلفون عن غيرهم بسبب الحرب التي تمر أحيانا بفترات انقطاع، لتعود بعدها إلى حركتها التي اعتادها الأطباء؛ قصف وغارات وانفجارات وعويل، لكن ما لم يكن في حسبانهم أن يضرب الزلزال المدمر أرضهم المقصوفة ويضعهم أمام خيارات تذكر بالحرب.
يقول د. طارق المصطفى اختصاصي الجراحة العظمية في مشفى سلقين بريف إدلب لموقع تلفزيون سوريا "أنا كطبيب جراحة عظمية كنت موجودا في مشفى سلقين شعرت بصدمة كبيرة لأنني كنت في منطقة وعائلتي وأطفالي في أنطاكيا التي ضربها الزلزال بقوة.. كنت أمام خيارين صعبين لم أعرف شيئا عنهم يوما كاملا حتى وصلتني معلومات أنهم بخير.. كان قرارا صعبا أن تتابع عملك وأطفالك مجهول مصيرهم".
اقرأ أيضا: زلزال سوريا وتركيا.. لماذا كان مُدمّراً إلى هذه الدرجة الكبيرة؟
ويصف ساعات الزلزال الأولى بالقول "كانت حرجة جدا.. وصلتنا أكثر من 30 إصابة في الساعة الثامنة صباحا وفي آخر النهار بلغ عدد الحالات أكثر من 300 حالة في مشفى سلقين وهي إصابات متعددة، المؤسف أن ما يقارب 18 مشفى في المنطقة توقفوا عن العمل قبل الزلزال، لقد انتقلت من مشفى لآخر من أجل تغطية النقص الموجود فيه، حالات الرضوض كانت صعبة ومعقدة جدا وخطيرة، فقدنا كثيرا من الناس في تلك اللحظات، المنطقة كانت شيئا مخيفا الكادر الطبي لم يستطع استيعاب العدد الكبير من المصابين، الغرف امتلأت والممرات وغرف العيادات استعنا بها أيضا.. الكوادر عملت أكثر من 20 ساعة من دون استراحة، لقد كانت الاستراحة لتقييم المواد ومتابعة المرضى".
زلزال سوريا.. الأطباء يحاولون استيعاب الحدث
ويضيف الطبيب أن اليوم الثاني كان أقل ضغطا، لكن التحديات كبيرة فالمناطق غير مغطاة بالمشافي والإصابات تتوالى من تحت الأنقاض، ويتابع "وصلت 100 حالة إلى الإسعاف تضاف إلى الحالات السابقة، حاولنا القيام بتأخير بعض الإصابات والقيام بالإجراءات الإسعافية لعدد من المرضى حتى نتمكن من استيعاب الحدث، واجهتنا مشكلة نقص المعدات، استعنا بكل ما لدينا في المستودعات ومع ذلك بقينا نعاني من النقص لقد كان الأمر فوق تصورنا ومخيفا جدا".
ويشير المصطفى إلى أن القطاع الطبي غير مستعد لهذه الكوارث، إذ عمل الكادر الطبي بأقصى طاقته وهو بحاجة لدعم كبير على مستوى الجراحة العظمية، وبحاجة لإعادة ترميم وتعويض ما فقده المشفى من مستلزمات ومواد، إضافة إلى عجز في الكوادر، ويستطرد "فقدنا الكثير من زملائنا.. الكوادر الموجودة غير قادرة على متابعة أكثر من 30 أو 40 حالة فما بالك بأكثر من 200 حالة!".
دعم المشافي لإنقاذ حياة الناجين من الزلزال
ويشدد المصطفى على أن القطاع الطبي شمال غربي سوريا بحاجة لمراكز تأهيل ودعم ثابت وسريع جدا بالمستلزمات الطبية، إضافة إلى رفع سوية الكوادر لمواجهة أزمات مثل أزمات الهرس وما بعد الرض، ويوضح "المصاب يخرج من تحت الأنقاض يتحدث ويتحرك ولكن.. بعد ساعات يمكن أن نفقده خلال نقله من مركز الإصابة إلى منزله بسبب هرس المستقلبات السامة التي ستؤثر على الكلية والقلب وهو أمر خطير، لقد فقدنا الكثير من الناجين من الزلزال بسبب ذلك.. الكوادر فعلت ما بوسعها.. يحتاج الناجون إلى متابعة خاصة مثل غسيل الكلى، كما أن هناك أطرافا مهددة بالبتر.. وهذا غير متوفر".
من جهته قال د.مازن كوارة المدير الإقليمي لشرق الأوسط في الجمعية الطبية السورية الأميركية "سامز" لموقع تلفزيون سوريا، "أول 72 ساعة عقب الزلزال شهدت المشافي شمال غربي سوريا ضغطا كبيرا وخاصة قسم الإسعاف، بعد ذلك سيخف الضغط عن المشافي، وسينتقل الضغط لأقسام أخرى وسيستمر على عمال الإغاثة، والدفاع المدني لانتشال الجثث ورفع الأنقاض، احتياجات القطاع الطبي حاليا كبيرة الكوادر متعبة وبحاجة لمتطوعين ومواد إسعافية، وأدوية عمليات وتخدير ومسكنات ومضادات حيوية، وبالنسبة للمستهلكات الطبية نحن بحاجة لمستهلكات الجراحة العظمية والجراحة العصبية ومختلف المواد من شاش وبوفيدون وسوائل وريدية وما إلى ذلك".
يذكر أن حصيلة ضحايا الزلزال في شمال غربي سوريا ارتفعت لأكثر من 1930 وفاة وأكثر من 2950 مصاباً، والعدد مرشح للارتفاع بشكل كبير بسبب وجود مئات العوائل تحت الأنقاض.
جاء ذلك في حصيلة جديدة غير نهائية نشرها فريق الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) لضحايا الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا ومدن الجنوب التركي فجر الإثنين.