بدأت القوات الروسية بإيعاز مسبق من الحكومة الروسية بإنشاء عمليات تنقيب عن الآثار في المنطقة الوسطى من سوريا بهدف نقلها إلى الأراضي الروسية تحت إشراف خبراء روس، كما عمدت القوات الروسية على تحويل الخبراء السوريين إلى مراقبي عمال في مواقع الآثار ضمن عقود أبرمت بين الطرفين ليتم إخراج القطع الأثرية وترحيلها عبر الطيران.
وصول خبراء آثار روس إلى الأراضي السورية
وصل مطلع شهر آب الفائت، مجموعة من الخبراء الروس إلى العاصمة السورية دمشق بهدف الإشراف المباشر على أعمال التنقيب عن الآثار وإجراء مسحات للمواقع الأثرية السورية بشكل عام ومدينة تدمر في البادية السورية بشكل خاص.
وقد بلغ عدد الخبراء الروس الذين وصلوا إلى الأرضي السورية عبر مطار دمشق الدولي 12 خبيراً ومختصاً بشؤون الآثار ويهدفون إلى إبرام عقود مع خبراء من سوريا للعمل ضمن فريقهم للتنقيب عن الآثار وإخراجها.
قال خبير الآثار السوري "محمد نور الموسى" بأنه سيتم العمل في المرحلة الأولى في محيط مدينة تدمر الأثرية ومن ثم الانتقال إلى مواقع مجاورة في البادية السورية بحسب الخطة التي وضعها الخبراء الروس.
صفقات وتوقيع عقود مع الخبراء السوريين
وأجرى الخبراء الروس اجتماعاً مغلقاً في مبنى السفارة الروسية في العاصمة السورية دمشق منتصف شهر آب الفائت بحضور 12 خبيراً روسياً و35 خبيرَ آثار سورياً بهدف الاتفاق على آلية العمل من جهة وتوقيع عقود بين كلا الطرفين من جهة أخرى.
وأشار "الموسى" إلى أنه تم توقيع عقد بين الطرفين الروسي والسوري ينص على إشراف الفريق الروسي على عملية التنقيب وتحديد المواقع الأثرية التي سيتم العمل بها ويتم رفع تقارير للخبراء الروس بشكل دوري من قبل الفريق السوري الذي سيشرف على عمال تنقيب الآثار في مواقع العمل بشكل مباشر.
ويتضمن العقد المبرم بين الطرفين عدم تدخل الفريق السوري بعملية إخراج الآثار وعدم تسريب المعلومات في مواقع العمل التي سيتم العمل بها مستقبلاً ويحق للجانب الروسي فسخ العقود بأي وقت من مدته التي بلغت مدته تسعة أشهر قابلة للتمديد.
ومن ضمن البنود بحسب مصادر موقع تلفزيون سوريا أنه يحق للخبراء السوريين جلب العمال واختيارهم بالإضافة إلى وجود تأمين صحي للخبراء السوريين ويلتزم الطرف الروسي بتأمين معدات العمل ومواصلات التنقل والسكن قرب مواقع العمل ويتم صرف راتب شهري للخبراء السوريين من قبل القوات الروسية بقيمة 350 ألف ليرة سورية قابلة للزيادة خلال سير العقد.
آثار تدمر وما حولها الوجهة الأولى
توجه الخبراء الروس إلى مدينة حمص ومن ثم إلى محيط مدينة تدمر بريف حمص الشرقي لإجراء عملية مسح لثلاثة مواقع أثرية بواسطة أجهزة إلكترونية مخصصة لهذا الشأن واستناداً إلى مخطوطات أثرية تخص المنطقة موجودة في حوزتهم.
وفي هذا السياق أكد أحد العمال المشاركين في عملية التنقيب وهو من أهالي مدينة تدمر لقب نفسه أبا عبد العزيز أنهم بتاريخ 22 من آب بدؤوا العمل في ثلاثة مواقع تقع جنوب شرق مدينة تدمر وهو وشباب من أبناء المنطقة ونازحين مقيمين فيها ويعملون بنظام اليومية ويتقاضون مبلغاً وقدره عشرة آلاف ليرة سورية للعامل الواحد.
وأشار العامل بأنه يتم الإشراف عليهم وتوجيههم من قبل الخبراء السوريين ويكتفي الخبراء الروس بتنفيذ جولات ميدانية في نهاية كل يوم عمل على المواقع الأثرية الثلاثة، ومن ثم يعودون إلى مطار تدمر العسكري حيث إقامتهم.
وفي ذات السياق قال أحد الخبراء السوريين العاملين بالمواقع الأثرية لموقع تلفزيون سوريا إنه بتاريخ 17 من شهر أيلول الفائت عثر الفريق على 28 قطعة أثرية في الموقع رقم اثنين وعلى الفور جرى إرسال تكميل لفريق الخبراء الروس مرفق بالصور من الموقع وجرى إخبارهم باتصال هاتفي من الجانب الروسي بإيقاف العمل إلى حين وصولهم للموقع.
بدورها، قدمت دوريات من الفيلق الخامس الذي تدعمه روسيا من مدينة تدمر إلى محيط موقع العمل وفرضت طوقاً أمنياً فيه بالتزامن مع تحليق للطيران المسير والاستطلاع في سماء المنطقة.
وقدم الخبراء الروس وعددهم ثلاثة خبراء وبرفقتهم دورية من الشرطة العسكرية الروسية وفريق تصوير إلى موقع التنقيب رقم اثنين وجرى الإشراف الميداني من قبلهم وعزل الخبراء السوريين أثناء عملية إخراج الآثار التي استغرقت مدة 48 ساعة عمل متواصلة بحسب المصادر.
في حين أكد عنصر متطوع في فرع المخابرات الجوية بمطار تدمر العسكري، فضّل عدم الكشف عن هويته أن القوات الروسية استقدمت أربع شاحنات مخصصة للنقل إلى مطار تدمر العسكري، وتوجهت بحماية من طائرات روسية والفيلق الخامس إلى موقع العمل ومن ثم عادت إلى مطار تدمر العسكري بعد الانتهاء من التحميل.
وكشف الخبير السوري أن الخبراء الروس أشرفوا على عملية تحميل القطع المكتشفة إلى الشاحنات بأنفسهم وبمدة عمل استغرقت قرابة السبع ساعات.
وأشار العنصر في المخابرات الجوية إلى إبقاء الشاحنات مدة خمسة أيام في مطار تدمر العسكري ومن ثم قدمت طائرة شحن وتم نقل القطع الأثرية فيها وتوجهت نحو قاعدة حميميم الروسية في الساحل السوري.
توسعة رقعة التنقيب في المنطقة
في العاشر من الشهر الجاري عقد الخبراء الروس ونظراؤهم السوريون اجتماعاً بهدف إطلاع الجانب السوري بوجود عملية تنقيب تبدأ خلال الشهر الجاري في منطقة الرصافة الواقعة بريف الرقة الجنوبي في البادية الشامية الخاضعة لسيطرة قوات النظام.
في حين يتم دراسة إمكانية التنقيب عن الآثار في ريف حلب الشرقي قرب بلدة مسكنة بالإضافة إلى ريف دير الزور الغربي الخاضع لسيطرة قوات النظام والميليشيات الإيرانية.
وأكد خبير آخر يعمل في هذه المواقع لـ موقع تلفزيون سوريا أن هدف الروس في البداية من هذا العمل هو المنطقة الوسطى في سوريا وبعد الكشف عن قطع أثرية في محيط مدينة تدمر تم الانتقال إلى موقع جديد للعمل هناك ويقع قرب بلدة السخنة بريف حمص الشرقي مطلع الشهر الجاري.
وأضاف أن لروسيا أهدافاً أخرى تشمل سلسلة جبل البشري الممتدة من ريف الرقة الشرقي ومروراً في البادية السورية وصولاً إلى ريف دير الزور الغربي.
إنشاء مستودعات مؤقتة
اعتزمت القوات الروسية على إنشاء مستودعات لتخزين الآثار فيها بمطار تدمر العسكري وذلك في الخامس من شهر تشرين الثاني الجاري بهدف استقبال الآثار التي يستخرجونها من المنطقة الوسطى في سوريا.
وأكد العنصر المتطوع في مطار تدمر العسكري أن حجم المستودع الواحد يبلغ 30 متراً طولاً و20 متراً عرضاً ويبلغ عدد المستودعات اثنين وجرى إنشاؤها باستخدام بناء مسبق الصنع.
وقال الخبير الذي كان موجوداً في مطار تدمر العسكري بصفة مراقب على أعمال إنشاء المستودعات إن الهدف من هذه المستودعات إدخال الشاحنات التي تنقل الآثار فيها ومهمتها الانتظار حتى وصول طائرات الشحن ليتم إفراغ الشاحنات على متن الطائرة.
اقرأ أيضاً: آثار سوريا.. تحذيرات من تصدعات في قلعة جعبر
وسبق أن حذر خبراء آثار من انهيار مفاجئ قد تشهده قلعة جعبر التي تعدّ إحدى أشهر قلاع سوريا شرق الفرات الخاضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، في ظل غياب أعمال الصيانة والترميم والإمكانات المطلوبة لذلك.
يذكر أن الآثار في سوريا تتعرض للسرقة والنهب من قبل قوات النظام والميليشيات الموالية ومختلف أطراف الصراع، وكشفت مصادر خاصة لـ موقع تلفزيون سوريا في وقت سابق عن استمرار عناصر ميليشيا "حزب الله العراقي" بالتنقيب عن الآثار في المناطق الخاضعة لسيطرتهم في محافظة دير الزور شرقي سوريا، ونقلهم لقطع أثرية إلى العراق.
اقرأ أيضا: التكية السليمانية.. هل يحولها النظام من وقف عثماني لمطاعم صينية؟
اقرأ أيضا: القرماني.. أكبر حمامات دمشق معرض للهدم
وكانت ميليشيات إيرانية قد أشرفت على ورشات للتنقيب عن الآثار في ريف دير الزور خلال شهر تموز الماضي، إذ شكلت ميليشيا "حزب الله" اللبناني بالتنسيق مع الأمن العسكري التابع للنظام ورشات حفر مؤلفة من 100 شخص تقريباً مع آليات للحفر والتنقيب عن الآثار.