icon
التغطية الحية

رسوم باهظة ومزايا محدودة.. السوريون والضمان الاجتماعي في الأردن

2024.09.07 | 04:48 دمشق

مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن - رويترز
مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن - رويترز
The New Humanitarian- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

عند تجديدهم لأذونات العمل خلال هذا الصيف، حدث لأغلب اللاجئين السوريين في الأردن ما لم يكن في الحسبان، وهو ترتب فاتورة كبيرة عليهم، إذ بخلاف السنوات الثماني الماضية، عندما كانوا لا يدفعون أكثر من 10 دينارات أردنية (ما يعادل 14 دولاراً تقريباً) أُبلغ السوريون بأنهم ابتداء من شهر تموز الماضي صار عليهم أن يدفعوا أكثر من 500 دينار (أي ما يعادل 700 دولار) حتى يجددوا إذن العمل لمدة سنة واحدة، بالإضافة إلى دفعات شهرية باتت أعلى بكثير من قبل للضمان الاجتماعي.

ميثاق الأردن

تمثل هذه الرسوم الجديدة التي عُدلت بحسب ما يفرضه الأردن من أموال على استخراج أذونات للعمال المهاجرين، عقبة لا يمكن للغالبية الساحقة من اللاجئين السوريين تجاوزها، بعد أن وصل عدد المسجلين منهم في الأردن إلى نحو 630 ألفاً، كما تمثل تلك الرسوم شيئاً أعمق من ذلك، ألا وهو نهاية ميثاق الأردن.

إذ منذ أن تم الإعلان عنه في مطلع عام 2016، ساعد الميثاق السوريين على دخول سوق العمل بشكل رسمي مع فرض رسوم مخفضة جداً على أذونات العمل التي تستخرج لهم (وذلك بتمويل من المانحين الأجانب)، كما دفع ذلك إلى إطلاق سلسلة من البرامج التي تعمل على تسهيل وصول السوريين إلى سوق العمل.

وعلى الرغم من أن الميثاق لم يشمل كل اللاجئين السوريين، إذ لم يحصل على إذن عمل إلا نحو 18% فقط من السوريين العاملين، فقد حظي الميثاق بإشادات دولية على نطاق واسع كونه يتعامل مع اللاجئين بوصفهم فرصة اقتصادية لا عبئاً على اقتصاد البلد.

ولكن بعد مرور ثماني سنوات ونصف على ذلك، انصرف الانتباه والتمويل إلى جهات أخرى، ما أدى لظهور تساؤلات وجودية حول مصير ميثاق الأردن ومستقبله، وقد آن الأوان لإعادة تقييم المنظومة بكاملها، وللضغط من أجل تحقيق تغييرات قانونية في وضع عمالة اللاجئين لتصبح قائمة على الحقوق والإمكانيات والمهارات، بدلاً من الاعتماد على ما يبدي المانحون استعدادهم لتمويله وفقاً لحدودهم المالية.

الإدماج والديون

لم تأت أحدث التغييرات التي طرأت على رسوم أذون العمل من فراغ، إذ إن التعديلات التي أدخلت على قانون الضمان الاجتماعي في الأردن تعني أنه ابتداء من شهر تشرين الأول 2023، يتعين على فئات عديدة من العاملين دفع زيادة في الرسوم الإلزامية للضمان الاجتماعي تعادل 56 ديناراً (أي 79 دولاراً) بالشهر، وقد شمل ذلك السوريين الذين يحملون أذونات عمل تتمتع بالمرونة كونها ترخص لهم العمل لصالحهم، ولهذا راجت تلك الأذونات بين صفوف السوريين.

تعود بدايات هذا التغيير لشهر كانون الثاني من عام 2023، وهذا ما جعل غالبية السوريين الذين أضافوا صبغة رسمية على عملهم بفضل ميثاق الأردن يعانون تحت وطأة ديون طائلة ومفاجئة لا قِبل لهم بها بما أنها ترتبت عليهم بسبب عدم دفعهم لرسوم الاشتراك في الضمان الاجتماعي، إذ يدرج السوريون بشكل تلقائي ضمن هذا النظام بمجرد حصولهم على إذن عمل، وما برحت هذا الرسوم تتزايد كلما طال أمد عدم تسديد السوريين لها.

قبل تغير هذه السياسة، تزامن تزويد اللاجئين السوريين بأذون عمل مع اشتراكهم بمؤسسة الضمان الاجتماعي الأردنية والهدف من ذلك الحصول على مزايا تتصل بحالات إصابة العمل والبطالة والأمومة والشيخوخة والعجز، وقد أشاد المجتمع الدولي بذلك بوصفه أفضل أسلوب للتعامل مع السوريين على مستوى العالم.

تحتل عملية إشراك اللاجئين في نظم الحماية الاجتماعية الوطنية مرتبة رفيعة على جدول أعمال السياسة الخارجية، إذ تدافع مفوضية اللاجئين الأممية مع الحكومات الوطنية عن ذلك، كما يتطلع المانحون لتمويل هذا النوع من عمليات المشاركة.

ومع ذلك بقيت هذه الحالات نادرة، ولذلك جرى الاحتفاء بالخطوات التي قام بها الأردن في هذا الاتجاه بوصف ذلك أسلوباً مبتكراً لزيادة فرص العمل الكريمة ولتبني معايير العمل الدولية والالتزام بها.

منظومة لا تلبي احتياجات اللاجئين

رداً على الرسوم الجديدة، فتحت الجهات المانحة والمنظمات الدولية نقاشاً حول إمكانية إدخال إصلاحات على هذه المنظومة في الأردن، وتمحورت تلك النقاشات على إبقاء رسوم أذون العمل والضمان الاجتماعي ضمن حدود القدرة على الدفع، إلى جانب إسقاط ما تراكم من ديون، وتحسين عملية التواصل بشأن المزايا (الظاهرية) للضمان الاجتماعي، مع وضع خطة لكيفية الالتزام باللوائح والقوانين بصورة مستمرة.

إلا أن منظور ورأي اللاجئين السوريين حول هذه الأمور يختلف تماماً عن رأي الجهات الفاعلة الدولية، إذ خلال نقاشات أجريت مع عشر مجموعات تضم عاملين من اللاجئين السوريين من مختلف أنحاء الأردن خلال شهر آذار 2024، تبين بأن أغلب السوريين ينظرون إلى عملية التسجيل في الضمان الاجتماعي كضريبة إضافية لا كحماية اجتماعية، ويعود ذلك إلى فشل هذه المنظومة في تلبية احتياجاتهم على أرض الواقع.

إن الحصول على المزايا كالرواتب التقاعدية والأجور التي تدفع في حالة الإصابة أو العجز أو الوفاة ما تزال ضعيفة، ويمكن وبكل سهولة حرمان العامل منها. إذ ذكر مشارك من مدينة صهب الواقعة جنوب شرقي عمان بأنه عانى من إصابة كبيرة في قدمه خلال عمله في أحد المصانع، إلا أن مديره رفض الاعتراف بالإصابة على أنها إصابة عمل، ولهذا اضطر هذا الرجل لدفع أجور المعالجة الطبية في القطاع الخاص على الرغم من أنه يدفع للضمان الاجتماعي.

أعرب كثير من السوريين عن قلقهم حيال إمكانية سحب ما دفعوه للضمان الاجتماعي، بما أن هذا الخيار متوفر للمواطنين غير الأردنيين، ويشمل ذلك السوريين، وذلك بناء على افتراضهم بأنهم سيرحلون عن هذا البلد في نهاية المطاف، فضلاً عن وجود نساء انقطعن عن العمل (ويحدث ذلك عندما يتزوجن غالباً)، ولذلك ينظر السوريون إلى رسوم الضمان الاجتماعي بصورة أساسية وفي أحسن الأحوال على أنها وديعة قابلة للاسترداد وهذا ما يعبر عن خيبة أمل السوريين بمزايا منظومة الضمان الاجتماعي وشكوكهم الكبيرة حيال إمكانية استمرار إدماجهم في هذه المنظومة.

وبالفعل، فإن العمال السوريين الذين لا يسددون كامل أقساط التأمين كل شهر أو لا يسددون ما تراكم عليهم من تلك الأقساط بشكل كامل (ويستحيل ذلك بالنسبة لأغلب العاملين الذين ليس لديهم وظيفة ثابتة) لا يحق لهم سحب تلك الأقساط، كما أن قواعد تلك العملية ما برحت تتغير.

وهذه "الدائرة المرهقة" كما وصفها سوري يعيش في عمان، تعقدت اليوم بعد تحول قسط الضمان الاجتماعي إلى مصدر للديون والتهديدات وانعدام الشعور بالأمان، وهذا ما عبرت عنه إحدى السوريات بقولها: "لم نكن ندري بأن ذلك سيتحول إلى عبء، لأن الأمر أشبه بسحب قرض من مصرف لتبدأ الفوائد بالتراكم".

إن الأثر المضاعف الذي خلفته تلك الظروف انعكس على قلة عدد السوريين القادرين أو الراغبين بتجديد أذونات العمل ودفع أقساط الضمان الاجتماعي بموجب نظام الرسوم الجديد، بما أنهم بالأصل غير قادرين على تأمين قوت يومهم، ناهيك عن انقطاع المساعدات عنهم. وقد لخص أحد السوريين في إربد الوضع بقوله: "لم أتمكن من إرسال ابني إلى المدرسة لأنني لا أعمل حالياً، إذن كيف سنؤمن الرسوم، سواء لاستخراج الأذونات أو لتسديد أقساط الضمان الاجتماعي؟"

تفكير على المدى القصير

منذ أن بدأ ملايين السوريين بالفرار من بلدهم عقب الانتفاضة التي قامت ضد نظام بشار الأسد في عام 2011، لم تكن هنالك أية رؤية واضحة على المدى البعيد بالنسبة للاستجابة على وجود اللاجئين السوريين في المنطقة عموماً، وفي الأردن بشكل خاص. وفي الوقت الذي ذكر فيه أغلب السوريين الذين شاركوا في مجموعات الدراسة والنقاش بأنهم يشعرون بالراحة على المستوى الاجتماعي في الأردن، اتسمت القوانين الإدارية في أغلب الأحيان بقصر الأمد، والتقييد، والتعقيد، والتغيير المستمر، ووقوفها في وجه سعي السوريين لإقامة حياة مستقرة وكريمة.

وبعد مرور أكثر من عقد على ذلك، تظهر الحاجة الملحة لوضع استجابة شاملة متكاملة قائمة على التنمية وذلك إزاء استمرار فترة نزوح عدد كبير من السوريين لمدة طويلة. إلا أن الاستجابة الإنسانية ما تزال تعتمد بصورة أساسية على العمل بشكل طارئ.

وفي الوقت نفسه، أصبح السياسيون ومن سواهم يتحدثون عن إعادة اللاجئين إلى سوريا، وهذه الرؤية التي دفعت على تحقيقها وبكل قوة دول جوار مضيفة أخرى كانت سباقة في هذا المضمار وعلى رأسها لبنان وتركيا، أصبح لها زخم كبير في الأردن، إذ صرح وزير الداخلية الأردني مازن الفراية في شهر تموز الماضي بأن: "أولوية الحكومة الأردنية هي شعبها وليس اللاجئين، لأن الموطن الأصلي للاجئين هو بلدهم".

كل ذلك يجعل اللاجئين يشعرون بقلق وتشكيك كبيرين تجاه عملية المشاركة في الخطط الحكومية التي وضعت خصيصاً من أجل دعم مستقبل اللاجئين في البلد على المدى المتوسط.

ولكن، بعد مرور عقد من الزمان على إطلاق ميثاق الأردن، حان الوقت لفرض إصلاحات جديدة تتيح للاجئين في الأردن اتخاذ قرارات تخصهم ويؤمنون بصحتها ولكن على المستوى غير الرسمي.

ومن السبل الملائمة لتحقيق ذلك "خيار الخروج" الذي يسمح للاجئين الذين لديهم إذن عمل بالخروج من المنظومة الحكومية للضمان الاجتماعي وذلك عبر التسجيل لدى شركات التأمين الخاصة، وهذا هو السبيل الوحيد لمنع الناس من تجنب التسجيل من أجل الحصول على إذن عمل لأنهم يخشون من هذه المنظومة التي تتكفل بعدم حصولهم إلا على الحد الأدنى من الحماية الاجتماعية.

أما على نطاق أوسع، فيمكن القول بأن الوقت قد حان لإجراء إعادة تقييم شاملة لأفكار المانحين والمنظمات الإغاثية والدول المضيفة عن اللاجئين وعملهم، لأن الرغبة في إنجاح ميثاق الأردن والضغط الذي يمارس لتحقيق ذلك قوي لدرجة أنه دفع منظمات إغاثية إلى الاعتماد على إجراءات مؤقتة تمولها جهات مانحة مثل التدريب على تطوير المهارات وتقديم الأموال نقداً للمشاريع، إلى جانب تقديم المعونات لإبقاء رسوم أذون العمل منخفضة.

والآن، وبعد تحول الاهتمام والتمويل الدولي إلى مناطق أخرى، بات من الواضح بأن عمر هذه الإجراءات أصبح قصيراً للغاية، واللاجئون يريدون أن يعملوا وأن يحصلوا على الحماية، ولكنهم لا يريدون أن يُجبروا على الدخول في منظومة ترتب عليهم ديوناً من دون أن تعمل من أجلهم. وتلك هي المرحلة الملائمة لإجراء تغيير حقيقي ومستمر حتى في حال انقطاع التمويل، إذ ينبغي وضع حقوق اللاجئين واحتياجاتهم الفعلية في المقدمة، مع تقدير المساهمات الفعلية التي يقدمونها للبلد.

 

المصدر: The New Humanitarian