البث المباشر
يقترب فصل الشتاء من نهايته في سوريا ومع ذلك لم تحصل عشرات آلاف العائلات في مناطق سيطرة النظام السوري على حصصهم من مازوت التدفئة، في ظل درجات حرارة متدنية وطقس بارد وظروف اقتصادية من سيء إلى أسوء.
وكانت أعداد غفيرة من السوريين القاطنين في مناطق سيطرة النظام ينتظرون بفارغ الصبر الحصول على الكمية المحدودة من المازوت المدعوم لاستخدامه في عمليات التدفئة في ظل استمرار انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، وارتفاع تكاليف التدفئة البديلة سواء كانت على الحطب أو على المازوت الذي يباع في الأسواق السوداء.
كما أن بعض المناطق في سوريا لا تتيح استخدام التدفئة سوى على مدافئ وشوفاجات (تدفئة مركزية) المازوت أو الغاز، خصوصاً في قلب العاصمة دمشق، إذ يصعب استخدام الحطب أو الجفت وغير ذلك للتدفئة.
ويبلغ سعر طن الحطب في سوريا ما بين 3.5 إلى 5 ملايين ليرة، وتحتاج أماكن لتخزينها، وهذا أيضاً يصعب الأمر برمته، في الوقت الذي يعد وجود خزانات المازوت فوق الأسطح أمراً أيسر لتخزين وقود التدفئة.
وتقدر كلفة تدفئة الأسرة على الحطب يومياً في مناطق سيطرة النظام السوري بقرابة 100 ألف ليرة سورية على أقل تقدير، وهو ما يصل لثلث راتب الموظف الحكومي شهرياً.
وفي 5 شباط الجاري، زاد رئيس النظام السوري بشار الأسد الرواتب والأجور لكل العاملين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين في القطاعين العام والخاص بنسبة 50 بالمئة، بالتزامن مع رفع حكومته أسعار الخبز بنسبة 100 في المئة والمحروقات بنسب متفاوتة.
ورفع المرسوم الحد الأدنى لأجور المهن لعمال القطاع الخاص والتعاوني والمشترك ليصبح 278 ألفاً و910 ليرات سورية شهرياً.
"الرسالة ما عم تصل"
وقالت أم عمر (فضلت عدم ذكر اسمها)، البالغة من العمر 72 عاماً وتعيش بصحبة عائلتها في حي الميدان بدمشق، إن البرد شديد في الشام، خصوصاً بالنسبة لسيدة كبيرة في العمر، ولكنها لم تحصل حتى الآن على حصتها من المازوت المدعوم والتي بالطبع ستدفع ثمنه ومبلغا إضافيا للموزع، ولكنه لم يأت حتى الآن.
وأضافت أم عمر لموقع "تلفزيون سوريا" أن فصل الشتاء يقترب من نهايته، ومع ذلك لم ينته النظام السوري حتى الآن من توزيع حصص من بقي غير محروم من عطايا الدعم.
وحرم النظام السوري فئات واسعة من الشعب السوري من دعم الدولة بما يخص وقود التدفئة ومحروقات النقل والخبز وغير ذلك، بحجة تقديم الدعم للفئات الأضعف، رغم أن الفقر في سوريا تجاوز نسبة 90 بالمئة من إجمالي السكان.
وتعيش معظم العائلات السورية على حوالات الأهل والأقارب من اللاجئين والمغتربين في عموم أنحاء العالم وخصوصاً في دول الخليج وأوروبا وأميركا.
أقل من الثلث
وقال محمد حسان، أحد العاملين في توزيع المازوت لموقع "تلفزيون سوريا"، من المقرر أن تصل رسائل المازوت لجميع العائلات المشمولة بالدعم، ولكن الواقع يقول إن نسبة قليلة جداً (أقل من الثلث) من العائلات وصلتها الرسالة، فيما أن عائلات الضباط والمسؤولين والمدعومين من قبل النظام السوري يحصلون على أكثر من 100 لتر المخصصة لكل عائلة في فصل الشتاء.
وتحتاج العائلة السورية التي تشغل مدفأة واحدة فقط بالشتاء بساعات الليل فقط، ما بين 300 إلى 400 ليتر بالحد الأدنى لتنعم بشتاء دافئ نوعاً ما، في الوقت الذي لا يوفر النظام السوري سوى 100 ليتر تقدم على مرحلتين، ويقترب فصل الشتاء من النهاية ولم يحصل معظم السكان على أول 50 ليتراً.
ورغم أن الناس لا يشتكون من قلة الليترات المدعومة باعتبار أنها قد توفر عليهم جزءاً ليس قليلاً من المصروفات مع وصول سعر ليتر المازوت الحر لـ 12425 ليرة.
وتحتاج العائلة السورية لـ 5 ملايين ليرة سورية بأقل تقدير لشراء 400 ليتر مازوت من أجل الدفئ في الشتاء، في ظل انقطاع مستمر بالكهرباء وعدم توفر وسائل تدفئة أخرى.
وأكّد حسان، أن موضوع الرسائل لا يمكن لأي عامل عادي التلاعب به، ولكن لدى الموظفين في الوزارات والمديريات وشركة "محروقات" إمكانية ذلك.
وأشار إلى أن الفساد في سوق المحروقات هو من بين الأكثر انتشاراً، حيث تباع الـ 50 ليتر بنصف سعر السوق السوداء أحياناً.
مازوت مسروق
وأوضح أن المازوت الموجود في السوق السوداء هو بغالبه مسروق من المازوت المدعوم من قبل ضباط في الجيش والأمن وأشخاص نافذين بالدولة.
ولفت إلى أن "بعض الموزعين أيضاً يسرقون الناس عبر طلب مبلغ إضافي فوق سعر ليتر المازوت المدعوم، حيث أن سعر الـ 50 ليتر 100 ألف ليرة، يطلبون منهم 25 ألف ليرة إضافية أجرة توصيل، وهذا ليس من حقهم، ومع ذلك الناس ليس لديها مشكلة وتدفع. المهم أن يحصلوا على حصتهم بأرخص ثمن ممكن في ظل الوضع المعيشي الصعب".
وحذر حسان من المازوت المغشوش بزيت أو ماء، فهو منتشر بشكل كبير، ويشتكي الكثير من الناس من ذلك.
"مافي عدالة"
أبو شاكر (فضل عدم ذكر اسمه) قال لموقع "تلفزيون سوريا" أنه بقي لديه آخر 5 ليترات من السنة الماضية، حيث يستخدم في اليوم الواحد ليتراً فقط، وهو ما زال بانتظار رسالة المازوت كل يوم.
وأضاف أبو شاكر البالغ من العمر 80 عاماً، أن "عملية التوزيع ليس فيها شفافية أو عدالة، يعني لماذا هذا التأخر، لح تخلص الشتوية، شو السبب، وخايف يخففوا الليترات من 100 لـ 50 ليتراً. الله يكون بالعون".
وأشار أبو شاكر إلى أن "البرد هو سبب الكثير من الأمراض، يعني وقت ما تشغل الصوبيا أنت عالأكيد لح تدفع أجرة دكاترة وأدوية أكتر".
ويعيش أبو شاكر مع زوجته التي تصغره بـ 6 سنوات على راتبه التقاعدي وحوالة بقيمة 100 دولار شهرياً، من أخيه المقيم في السعودية.
ولفت إلى أنه لولا المساعدة من أخي لمتنا من الجوع حرفياً، نحاول أن نشتري الأساسيات الرئيسية فقط، ولذلك عبء المازوت كبير جداً علينا.
ومن المرجح أن النظام السوري بصدد الانتقال تدريجياً لوقف الدعم عن كل فئات المجتمع السوري، مع توفير كل ما يحتاجه السوريون في السوق السوداء بأسعار نظامية، في خطوة قد تزيد من الأزمة الاقتصادية والمعيشية وترفع من نسب الفقر المدقع والجوع.
