يعيش الآلاف من الأطفال برفقة عائلاتهم في غياهب النسيان على المستوى القانوني والسياسي في مخيم الهول للنازحين سيئ الصيت الذي يقع في شمال شرقي سوريا، وهؤلاء الأطفال لا مستقبل مضمونا لهم في ظل الظروف المعيشية المرعبة، فضلاً عن كونهم عديمي الجنسية، وذلك بحسب التحذيرات التي أطلقها رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وهؤلاء الأطفال الذين بلغ عددهم قرابة 22 ألفاً محرومون من طفولة طبيعية في الوقت الذي تركز فيه الجهود الإنسانية على ضروريات الحياة بدلاً من أن توفر لهم بيئة مستقرة وصحية، وذلك بحسب ما ذكره رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر بيتر مورير عقب زيارته التي قام بها مؤخراً لذلك المخيم السوري الذي يؤوي الآلاف من عائلات مقاتلي تنظيم الدولة، ومن شاءت الأقدار له أن يكون في خضم هذا القتال منذ سقوط ذلك التنظيم.
ويتابع مورير بالقول: "إنها ليست بيئة مناسبة ليكبروا فيها، ولهذا فإننا نبذل قصارى جهدنا، نحن وغيرنا من المنظمات الإنسانية، وكذلك السلطات المحلية الكردية، لمنع حدوث ما هو أسوأ. ولكن عندما لا يبقى بوسعك ما تفعله سوى أن تمنع وقوع الأسوأ في بيئة ما، فهذا يعني أن الوضع صار صعباً للغاية".
مخيم الهول
الجهود الإنسانية في مخيم الهول
تدير اللجنة الدولية للصليب الأحمر أحد المرافق الصحية الرئيسية في ذلك المخيم، إلى جانب الهلال الأحمر العربي السوري، حيث يتم تقديم خدمات الرعاية الصحية الأساسية لأهالي ذلك المخيم.
يذكر أن شمال شرقي سوريا يخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركياً، حيث يعيش هناك نحو 87 ألف نسمة من الناس الذين هربوا من المناطق المتضررة بسبب الأعمال العدائية، بالإضافة إلى اللاجئين العراقيين الذين يقيمون فيها منذ مدة طويلة، وكذلك نساء وأطفال ينتمون لستين دولة أخرى، إلا أن السبل تقطعت بهم فصاروا يعيشون في هذه المنطقة ضمن مخيمات مثل مخيم الهول، وذلك بحسب الأرقام التي قدمتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
بيد أن المخيم يعاني من ازدحام شديد، بعدما تجاوز عدد سكانه 56 ألف نسمة، معظمهم من النساء والأطفال الذين يعيشون في ظل ظروف سيئة للغاية، بعدما تقطعت بهم السبل منذ عام 2019 عقب هزيمة تنظيم الدولة في سوريا، وذلك لأنهم يعتبرون من أقارب المتطرفين الذين ينتمون لهذا التنظيم.
ثم إن قرابة 10 آلاف نسمة من سكان مخيم الهول هم من الأجانب وغير العرب، أما البقية فتعود أصولهم لسوريا والعراق.
أزمة حماية الأطفال
يرى مورير الذي يترأس اللجنة الدولية للصليب الأحمر منذ عام 2012 بأن مخيم الهول يمثل أكبر الأزمات التي تتصل بحماية الأطفال على مستوى العالم في الوقت الراهن، وذلك بعدما رفضت غالبية الدول إجلاء الأطفال بسبب شكوك ترى أن أهلهم تعاونوا مع تنظيم الدولة أو قاتلوا بين صفوفها.
إلا أن بعضاً من هؤلاء الأطفال ولدوا في سوريا، في حين أتى آخرون برفقة أهلهم من دول أخرى.
أحد الأطفال الذين يعيشون في مخيم الهول
ولقد سمحت بعض الدول، وعلى رأسها فرنسا وروسيا، لبعض النساء والأطفال بالعودة، في حين رفضت دول أخرى السماح لمواطنيها الذين يرافقهم متطرفون أو متعاطفون مع ذلك التنظيم المتطرف، بالعودة إليها.
أطفال من مخيم الهول
ولذلك يعتقد مورير أن رفض المجتمع الدولي لمعالجة مشكلة خلقتها خلافات سياسية غير مقبول، ويرى بأن غالبية هؤلاء الأطفال باتوا محتجزين في مخيم الهول فعلياً، وأضاف: "إن الأطفال المحتجزين أو الذين تقطعت بهم السبل هم ضحايا أولاً وأخيراً، بصرف النظر عن هوياتهم أو عما فعله أهلهم أو ما اتهموا به. لذا لا يمكن أن يواصل العالم تغاضيه عنهم في الوقت الذي يستنشق فيه هؤلاء الأطفال أول أنفاسهم ويلفظون آخرها في المخيمات، أو يكبرون دون أن يحملوا أي جنسية أو يعيشون في غياهب النسيان".
أطفال من مخيم الهول
وخلال هذا الشهر، صرح وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، بأن بلاده قررت إجلاء كل العائلات الموجودة في ذلك المخيم السوري وذلك بعد الانتهاء من عمليات التدقيق الأمني التي تخصهم، كما شجع المجتمع الدولي على مساعدة العراق في إقامة برامج لإعادة دمج هؤلاء الأشخاص بعد ذلك التدقيق الأمني.
بعض الأسر في مخيم الهول وهي تستعد للرحيل
المعاناة مع حالة انعدام الجنسية
أعلن مورير أن الأطفال الذين يعيشون في مخيم الهول لا يمتلكون الوثائق المدنية اللازمة لإسقاط صفة عديمي الجنسية عنهم، وقال: "يجب ألا يكون أحد عديم الجنسية أولاً وقبل كل شيء، لأن ذلك لن يفيد أي طرف فضلاً عن كونه مخالفاً للقانون من وجهة نظر القانون الإنساني الدولي، إلا أننا نجد هنا أن للدول اعتبارات أخرى عليها أن تلتزم بها، غير أني أود أن أشير هنا إلى أن الإبقاء على ذلك الوضع كما هو، بحالته المستعصية، مع الاعتقاد بأن ذلك لا بد أن يحل المشكلة في نهاية الأمر ليس نهجاً إيجابياً برأينا".
وأضاف أنه يشعر بقلق كبير شخصياً تجاه صحة هؤلاء الأطفال العقلية والنفسية على الرغم من وجود برنامج نفسي-اجتماعي يديره الصليب الأحمر هناك، والذي أطلق خدمات الدعم النفسي-الاجتماعي للصحة العقلية في عام 2020، حيث تم تعديل تلك الأنشطة لتتناسب مع احتياجات الأطفال الذين يعيشون في مخيم الهول، وذلك بهدف تحسين احترامهم لذاتهم وثقتهم بأنفسهم وتمتينها، وحول ذلك يعلق مورير بالقول: "بكل صراحة، لقد تأثرت كثيراً عندما التقيت ببعض الأطفال الذين أظهروا نتائج استثنائية بالفعل بفضل تلك البرامج، ولكن ذلك لا يحل المشكلة من جذورها بكل تأكيد".
أطفال من مخيم الهول
يذكر أن صندوق الطفولة التابع للأمم المتحدة (يونيسيف) يترأس الجهود التي تبذل في ذلك المخيم والتي تسعى لتبين للأطفال الذين تربوا في كنف أيديولوجية متطرفة أن هنالك سبلا أخرى للعيش ولرؤية الأمور، إلا أن هنالك بعض الأمهات اللواتي ما زلن يؤيدن تلك الأفكار المتطرفة ويعربن عن موافقتهن عليها.
صورة لنساء يقمن مع أطفالهن في مخيم الهول
على مدار السنتين الماضيتين، أعلنت الأمم المتحدة وكذلك عدد من الناشطين الحقوقيين في المنطقة عن ظهور العشرات من حالات القتل التي طالت بعض سكان ذلك المخيم ونفذها متعاطفون مع تنظيم الدولة أو الخلايا النائمة التابعة له، وكان سببها عدم التزام الضحايا بذلك الأسلوب المتطرف، ولذلك كان معظم من قضوا من الضحايا من حملة الجنسيتين: العراقية والسورية.
صورة تظهر بعضا من أهالي مخيم الهول
ومع تغير الوضع من السيئ إلى الأسوأ، يرى مورير بأن العاملين في المجال الإنساني في مخيم الهول يحاولون أن يمنعوا حدوث ما هو أسوأ من كل ذلك، إذ يقول: "إن هذا الوضع ليس دائماً، بالرغم من أن من يعيشون في ظل تلك الظروف التعيسة في هذا المخيم لا يخضعون للإجراءات القانونية الواجب اتباعها معهم".
أطفال يخوضون في برك الطين داخل مخيم الهول
المصدر: ناشيونال نيوز