دبلوماسيّة حجز الرهائن (1)

2024.06.20 | 05:57 دمشق

سبسب
+A
حجم الخط
-A

احتفت الصحف الإيرانية التابعة للنظام يوم الأحد الماضي، بإنجاز دبلوماسي ناجح، نسَبته إلى حكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته. جاء في عنوان على صدر الصفحة الأولى لصحيفة كيهان "دبلوماسية الشهيد عبد اللهيان لا تزال تعمل. حميد نوري يعود إلى الوطن".

كانت السلطات القضائية السويدية قد حكمت بالسجن المؤبد على حميد نوري بعد توقيفه في مطار أورلاند بالعاصمة استوكهولم عام 2019، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بسبب الدور الذي لعبه في قتل السجناء السياسيين الإيرانيين عام 1988. يوم 19 كانون الأول/ديسمبر عام 2023، عقب تأكيد محكمة الاستئناف الحكم على نوري، صرّح كاظم غريب آبادي، أمين سر (حقوق الإنسان!) في القضاء الإيراني بأن "هذا الحكم لن يكون بلا ردّ". وفعلاً، جاء الرد الإيراني في اليوم التالي تماماً.

في العشرين من كانون الأول/ديسمبر، نقلت وكالة أنباء فارس، التابعة للحرس الثوري، أنه خلال جلسة الاستماع إلى يوهان فلودروس، المواطن السويدي والدبلوماسي في الاتحاد الأوروبي، أعلن إيمان أفشاري، قاضي المحكمة الإيرانية توجيه تهمة "الإفساد في الأرض" إلى السجين المعتقل منذ ربيع 2022. وهي تهمة لا يقل حكمها عن المؤبد، وغالباً يكون الإعدام.

اعتاد فلودروس زيارة إيران بشكل متكرر في مهمات لصالح الاتحاد الأوروبي، ولم تحدث له أية مشكلة في تلك الزيارات، لكن حين احتاجت إيران إلى رهينة سويدية، قامت باعتقاله، إضافة إلى آخرين، لتفاوض عليه من أجل استعادة أحد مجرميها. وتلك سياسة غدا العالم أجمع يعرفها عن إيران.

"لقد هزمت هذه المحاكمة أهداف الذين يسيطرون على حياة وثروات الشعب الإيراني. إنها هزيمة للنظام الإيراني وانتصار لحركة المطالبة بالعدالة". كان هذا المقطع جرءاً مما جاء في بيان وقّع عليه 452 ناشطاً إيرانياً عقب تأييد الحكم على نوري في السويد منذ شهور. قبل أن تأتي الصفعة يوم 15 حزيران/يونيو 2024، لتقوّض أي شعور بالعدالة لدى الحالمين بها من الإيرانيين.

الأدهى في تلك الصفقة الإيرانية السويدية التي ضمّت سجيناً آخر مزدوج الجنسية هو سعيد عزيزي، إضافة إلى فلودورس مقابل حميد نوري، أنها لم تتمكن من إطلاق سراح أحمد رضا جلالي الطبيب والباحث الإيراني السويدي المعتقل لدى السلطات الإيرانية والمحكوم بالإعدام. كان جلالي اعتُقل بعد تلبيته دعوة من جامعتي طهران وشيراز، لحضور مؤتمرات علمية. وكانت منظمة العفو الدولية قد ذكرت في بيان لها عام 2022 أن "السلطات الإيرانية تستخدم حياة جلالي كورقة مساومة لإفساد مسار العدالة في السويد، وإجبار السلطات السويدية على إطلاق سراح حميد نوري". ومع ذلك جاء في تصريحات رسمية سويدية، بعد الصفقة، أن الحكومة الإيرانية لم تكن على استعداد للموافقة على إطلاق سراح جلالي!

"لقد هزمت هذه المحاكمة أهداف الذين يسيطرون على حياة وثروات الشعب الإيراني. إنها هزيمة للنظام الإيراني وانتصار لحركة المطالبة بالعدالة".

من جهتنا، نحن نعرف في سوريا عن تاريخ طويل من أخذ الرهائن واعتقالهم وإخفائهم حين تريد أجهزة المخابرات الضغط على أحد أفراد العائلة المطلوبين سياسياً، لتسليم نفسه. سياسةٌ بدأ نظام الأسد اتّباعها منذ بداية السبعينات، لتستفحل وتتحول إلى ظاهرة خلال الثمانينات وما بعدها. راح ضحية تلك السياسة آلاف السوريين ممن قضوا سنوات طويلة في السجون، منهم من فقد حياته.

أما في الحالة الإيرانية فإن احتجاز الرهائن سيغدو ممارسة دولية لتحقيق أهداف سياسية، وجميعنا نعلم كيف أطلقت إيران سراح خمسة سجناء أميركيين إيرانيين العام الماضي، كانت اعتقلتهم على فترات، بتهمٍ ملفّقة، مقابل الإفراج عن ستة مليارات دولار من الأموال الإيرانية كانت مجمّدة في كوريا الجنوبية، في إطار العقوبات المطبقة على إيران، ما يؤكد أن سياسة احتجاز الرهائن مجدية ومجزية جداً، الأمر الذي يشجع إيران وغيرها من الدول على انتهاجها.

كانت إيران ابتدأت تلك السياسة في لبنان في حقبة الثمانينات، عبر اختطاف حوالي 104 من المواطنين الغربيين والأميركيين، بواسطة ذراعها الأهم في المنطقة، حزب الله، ولم تنته الأزمة ويتم إطلاق آخر الرهائن، إلا عام 1992، بعد الوعد بعدم نزع سلاح حزب الله مع انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، مع تأكيد فرنسي أميركي على عدم الانتقام من الحزب لقتله جنود الدولتين في بيروت. سرّع الحل أيضاً حاجة إيران للتعاون بهدف الحصول على المساعدات في تلك الفترة، إثر انتهاء حربها مع العراق.

في العام 1992 اغتيل الزعيم الكردي الإيراني صادق شرفكندي وثلاثة من مساعديه في مطعم "ميكونوس" في برلين. اتهم القضاء الألماني أعلى السلطات الإيرانية، بما فيها المرشد الأعلى خامنئي والرئيس رفسنجاني، بإعطاء أوامر القتل. وحكم على الجناة، إيراني وثلاثة لبنانيين، بأحكام مختلفة. بعد سنوات ستطلق السلطات الألمانية سراح الإيراني كاظم درابي المحكوم بالسجن المؤبد. لتحتفل الحكومة الإيرانية بعودته، كما تفعل اليوم مع نوري، مما أشعر المعارضين الإيرانيين في الشتات يومها، بالخيبة والذعر على حياتهم، حيث ستتشجع السلطات الإيرانية على متابعة أنشطتها الإرهابية الخارجية.

عام 2018 اعتقل الدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي، وحوكم في بلجيكا بتهمة التورط في محاولة تفجير اجتماع للمعارضة الإيرانية شمال باريس. قضى الحكم بالسجن على أسدي 20 عاماً، لكن في ربيع عام 2023 قررت بروكسل مبادلته مع أوليفييه فانديكاستيلي عامل الإغاثة البلجيكي الذي سجنته إيران مطلع عام 2022. المفارقة بالنسبة لنا، أن كل تلك الصفقات التي حدثت خلال العقدين الأخيرين، إنما تمت في مكانٍ واحد هو سلطنة عُمان، وفي العاصمة مسقط حيث يتم الاستلام والتسليم!

كان الفريق علي رضا عسكري الاستثناء الوحيد الذي حاولت إيران استعادته من الولايات المتحدة ولم تستطع. عسكري ليس سجيناً في أميركا، بل يعيش هناك باسم مختلف ضمن برنامج حماية الشهود. أرجو ألا تذهب بكم الظنون أنها حالة أخلاقية من حكومة أقوى دول العالم، فللرجل الذي فرَّ من إيران عام 2007 قصة مختلفة، وهذا ما سوف آتي عليه تالياً.