icon
التغطية الحية

خَدر عام وحرمان.. كيف يعيش السوريون رمضان في دمشق؟

2024.03.25 | 06:40 دمشق

آخر تحديث: 25.03.2024 | 11:12 دمشق

خَدر عام وحرمان.. كيف يعيش السوريون رمضان في دمشق؟
أجواء رمضان في سوق الحميدية بالعاصمة دمشق - AFP
دمشق - حنين عمران
+A
حجم الخط
-A

لم يثنِ رمضان وما يواجهه السوريون من صعوبات معيشية، حكومة النظام السوري عن سياستها المعتادة في افتعال الأزمات، ولولا الحوالات الخارجية والتكافل الاجتماعي لوصلت من العاصمة مشاهد جوع صادمة، فوزارة الأوقاف في حكومة النظام حددت صدقة إفطار الصائم بـ25 ألف ليرة سورية، ما يعني أن العائلة المتوسطة بحاجة لـ 3 ملايين ليرة لتتجاوز رمضان، في حين يدفع الأغنياء نصف المبلغ ثمن سهرة واحدة في أحد مطاعم أو مقاهي دمشق، ليكون هذا التفاوت الطبقي الحاد عنوان الشهر الكريم هذا العام.

إفطار على ضوء الشمعة

وعدت حكومة النظام بتحسن حال الكهرباء في مناطق سيطرة النظام خلال شهر رمضان، لكن السوريين اعتادوا الوعود "الوهمية"، فبعد أن بشّر مدير كهرباء ريف دمشق الأهالي بتوحيد ساعات التقنين وبشريات وزير الكهرباء المتكررة بدخول 300 ميغا واط و 500 ميغا واط للشبكة؛ ارتفعت أسعار الكهرباء مع بداية شهر آذار وبدأ المواطنون يتمنون عودة واقع الطاقة لما كان عليه قبل رمضان.

في شهادتها لموقع تلفزيون سوريا، أوضحت (أم عادل) وهي من سكان منطقة نهر عيشة، أن الكهرباء باتت تنقطع لمدة 7-8 ساعات مقابل نصف ساعة أو ساعة من الوصل، كما أن الانقطاع شمل فترة قبل الإفطار والفترة الممتدة بين الساعة الثانية عشرة صباحاً والرابعة فجراً.

تقول أم عادل: "تأملنا أن تزداد ساعات الوصل الكهربائي حتى نتمكن من استغلالها في إعداد الطعام للفطور، وتشغيل مدفأة الكهرباء مع بدء المنخفض فوق دمشق، ولا سيما مع غلاء المحروقات وعدم توفر الغاز. لكننا أصبحنا نقول: ليتها –أي الكهرباء-  تعود كما كانت قبل رمضان... حتى عند الإفطار يقطعونها!".

الجدير بالذكر، أن العجز في إنتاج التيار الكهربائي في مناطق سيطرة النظام تقدر بـ 75%، وتأتي هذه التقديرات بالتزامن مع تصريحات مدير مؤسسة التوليد بإجراء الإصلاحات لبعض مجموعات التوليد وإدخال مجموعات توليد جديدة إلى الخدمة، فضلاً عن "تعزيز إنتاجية البلاد بإضافة 500 ميغاواط للشبكة لتصل إلى 2300 ميغا واط" حسب أقواله.

وقد لجأ السوريون إلى حلول مختلفة للاستغناء عن الكهرباء الحكومية خلال السنوات الماضية مثل تركيب منظومات الطاقة الشمسية أو البطاريات واللدات، أو الاشتراك بنظام الأمبيرات على الرغم من ارتفاع تسعيرة الكيلو الواط الساعي منها خلال فترتي الإفطار والسحور حتى وصلت إلى 11500 ليرة سورية.

أزمات المحروقات والمواصلات

بدأ الشهر الفضيل بارتفاع أسعار المازوت الحر وتخفيض حصّة الباصات العامة من المحروقات، الأمر الذي دفع بأصحاب وسائل النقل العامة (الباصات- السرافيس- تكاسي الركاب) إلى التوقف عن العمل ولا سيما مع إغلاق الكازيات بما يعادل مرة إلى مرتين أسبوعياً نتيجة "عدم وجود مازوت" ما يعني توقف الباصات العامة عن العمل، أو شراءهم "المازوت الحر" بسعر أعلى.

في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، يتحدث (رامز. غ) وهو سائق باص سرفيس على خط (تضامن - مسبق الصنع) عن المشكلات التي تواجههم منذ بدء رمضان وتعطّلهم عن العمل لأيام كاملة، ويقول: "نعاني من المشكلات التقنية لجهاز الـ GPS إذ إن انقطاع الاتصال عليه لمرات متكررة يعني عدم تسجيل الكيلومترات المقطوعة، وبالتالي النقص في مخصصاتنا من المازوت، ومنذ بدء شهر رمضان؛ أي خلال ما يقارب الـ 10 أيام؛ انقطع المازوت في كازية شموط مرتين".

وتتحجج الكازيات بعدم وصول "صهريج المازوت" وبالتالي تأخير السائقين عدة أيام حتى وصول المازوت. أما بما يتعلق بجهاز GPS  فقد أوضح مصدر خاص من داخل محافظة دمشق لموقع تلفزيون سوريا، أن عدداً من سائقي السرافيس على خط (تضامن مسبق الصنع) توجهوا إلى مديرية هندسة المرور التابعة لمحافظة دمشق من أجل إصلاح أجهزة الـ GPS والمطالبة بمستحقاتهم من الوقود التي تم تقليلها دون معرفة السبب.

وكان رد المديرية: "السائقون لا يلتزمون بإتمام الخط كاملاً ويخرجون عنه، لهذا السبب لا يحصلون على كامل مستحقاتهم".

وقد أوضح السائق رامز أن هذه الحجة مرفوضة جملةً وتفصيلاً، إذ إنّ جميع السائقين يشتكون من قلة مخصصاتهم وليس قلة منهم؛ أي إنّ الشكوى عامة.

مازن نفسه يقول: "من المفترض أن أحصل على 30 ليتراً من المازوت على البطاقة مقابل كل 180 كيلومتراً أسيرها، وإن كل رحلة ذهاباً وإياباً على الخط تُعادل 10 كيلومترات. ولكوني في الفترة الأخيرة لم أعد أحصل إلا على 27 ليتراً بصورة شبه ثابتة رغم قطعي الـ 180 كيلومتراً، قررت أن أقطع مسافة 189 كيلومتراً ضمن الخط نفسه لعلّي بذلك أحصل على عدد أكبر من الليترات؛ فحصلت على 27 ليتراً أيضاً!".

ونتيجة احتياج عدد من الباصات إلى الشراء بسعر الحر الذي وصل إلى 15 ألف ليرة سورية في مقابل ثبات تعرفة الركوب، امتنع عدد كبير منهم عن العمل؛ الأمر الذي تسبب بنقص عدد الباصات العاملة على خطوط النقل، وبالتالي أزمة مرور حقيقية.

وقد تكرر الأمر نفسه مع سائقي باصات منطقة المزة، إذ لم يتم منحهم سوى 2- 5 ليترات من أصل 30 ليتراً من مخصصاتهم؛ وعند إعراضهم عن العمل وتوجيه شكوى جماعية من السائقين والركاب على حد سواء، تمت الاستجابة لهم تجنباً لزيادة السخط العام.

التكسي عبء إضافي

ويشتكي عدد من السوريين في مناطق النظام من حاجتهم إلى طلب تكسي أو طلب سيارة خاصة عبر تطبيقات النقل مثل "يلا غو" الأمر الذي زاد من أعبائهم المادية بسبب تكاليف النقل اليومي، ولا سيما في فترة الذروة قبل الإفطار أو حتى في ساعات الليل المتأخرة قبل السحور وبعده.

يقول (أحمد.ج) وهو مهندس معلوماتية يضطر إلى العمل في الفترة بعد الفطور وحتى السحور، إنه يضطر إلى طلب تكسي "يلا غو" كل يوم فجراً من أجل العودة إلى بيته في منطقة جرمانا. 

يقول أحمد: "يأخذ التطبيق عداداً ونصف العداد في الفترة بعد الساعة الواحدة صباحاً؛ أي إنني أضطر إلى دفع ضعف التكلفة يومياً من أجل الوصول إلى بيتي، وهو عبء تراكمي أتحمله منذ بداية رمضان ولا سيما مع قلة وسائل النقل العام".

"الجاهز" صار أوفر

يشتكي السوريون في مناطق النظام منذ بدء رمضان من عدم توفر الغاز ولا سيما مع تأخير الدور على البطاقة الذكية إلى ما يزيد على شهرين ونصف.

ويبدأ سعر جرة الغاز "الحر" من الـ 220 وحتى 300 ألف ليرة سورية بالنسبة إلى الجرة العادية، أما الجرة المضغوطة التي يسميها السوريون عادةً بـ "اللبنانية" فتتراوح أسعارها بين 450 و 550 ألف ليرة سورية، في الوقت الذي لا يتجاوز فيه السعر المدعوم لها على البطاقة الـ 18 ألف ليرة سورية.

ومع انقطاع الغاز وغلاء سعره "الحر"، اضطرت عائلات كثيرة إلى الاستغناء عن الطبخ والتوجه إلى الطعام الذي لا يحتاج طهواً أو استهلاكاً كبيراً للغاز، أو حتى شراء الطعام الجاهز لكونه صار أقل تكلفة وجهداً في الإعداد بالنسبة للبعض.

في حديثها لموقع تلفزيون سوريا تخبرنا (أم علي) عن استغنائها منذ بداية رمضان عن الطبخ على الغاز بشكل شبه كامل، وتوجهها إلى الأطعمة المشوية على الحطب أو شراء الجاهز والمعلبات.

تقول أم علي: "لم أستطع شراء جرة غاز هذا الشهر بسبب ارتفاع أسعارها، وبما أنني اعتمدت على التدفئة بالحطب منذ بداية الشتاء، حولت معظم الأكلات إلى الشوي، سواءً أكانت خضاراً أو مخبوزات على الحطب، وعندما أرغب بتوفير الحطب أقوم بشراء المعجنات أو المسبحة والفتّات الجاهزة من المطعم".

ولا تقل تكلفة "أقل طبخة" عن 60 ألف ليرة سورية عدا عن تكلفة استهلاك الغاز، الأمر الذي جعل الطبخ بالنسبة للعديد من العائلات عبئاً حقيقياً يُضاف إلى همومهم اليومية.

تتابع أم علي حديثها: "حينما نشتري جرّة غاز، فإننا نُداريها مُداراةً حقيقية من ناحية الاستهلاك؛ فلا نستعملها إلا للضرورات، ولو أن الكهرباء متوفرة لوقت جيد خلال اليوم، كنا اعتمدنا على الطبّاخ الكهربائي... لكن لا كهرباء ولا غاز!".

التفاوت الطبقي عنوان رمضان

تدنّت القدرة الشرائية للسوريين مع الارتفاع الجنوني للأسعار في مقابل ثبات الدخل بالنسبة للموظفين. 

وقد وصل سعر سلة رمضان الخالية من اللحوم والفاكهة والخضراوات والتي طرحتها "السورية للتجارة" في صالاتها، إلى 175 – 225 ألف ليرة سورية أي ما يعادل ثلث إلى نصف المرتّب الشهري لموظف حكومي، وهو الحد الأدنى لأسعار "السلات الرمضانية" لهذا العام.

حيث ارتفع فيه سعر السلة الغذائية المكونة من المواد الأساسية (الرز، البرغل، السكر، الزيت، رب البندورة) إلى أضعاف سعرها مقارنةً بعامي 2022 و 2023. 

وقد أصبحت مظاهر "التناول من القمامة" في الآونة الأخيرة مألوفة بالنسبة لعموم السوريين في مناطق سيطرة النظام، ولا يقتصر الأمر على المتسولين "الأصيلين في المهنة" أو حتى النباشين، بل إن عدداً كبيراً من العائلات التي كانت "مستورة الحال" أجبرتها الظروف المتردية على تسوّل باقي الطعام المرمي من المطاعم الفخمة بطلبه من أصحاب المطاعم، أو طرق أبواب الجمعيات الخيرية طلباً لوجبة إفطار تسدّ جوعهم.

في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، يتحدث (سلطان جبر) الذي يعمل نادلاً في مطعم فخم في منطقة الشعلان عن تردد أحد الآباء إلى المطعم بشكل يومي، طالباً القليل مما يجود به صاحب المطعم عليه وعلى أولاده الأربعة الذين يأتون معه للمزيد من الاستعطاف.

يقول سلطان: "في الأسبوع الأول من رمضان، كان صاحب المطعم متعاطفاً مع الأب فيقدم له علبتين من بواقي الطعام في كل مرة، لكنه قام بطرده لاحقاً مع أولاده الذين يتسولون معه في محيط حديقة السبكي. ولكوني أشفقت عليه، وعدته بتمرير بعض الطعام لأطفاله كلما استطعت ذلك دون علم صاحب المطعم".

ويظهر التفاوت الطبقي جلياً في الأيام الأخيرة بعد انقضاء العشر الأول من رمضان ومعاودة فتح المطاعم والمحلات لأبوابها بعد الانتهاء من عمليات الجرد والصيانة في الأيام العشرة الأولى.

ومع فتح المطاعم والمقاهي خلال الإفطار وبعده، توافد عدد كبير من الزوار للترفيه عن أنفسهم أو الاجتماع بالعائلة والأصدقاء.

في جولة لموقع تلفزيون سوريا على بعض المطاعم في منطقة الشعلان تبين أن بعض الفواتير وصلت إلى مليون و400 ألف ليرة سورية فقط لـ 5 أشخاص؛ علماً أن الفاتورة تتضمن فقط بعض المشروبات الباردة والساخنة ونرجيلة "أراكيل" مع تبديل الرأس، وبضعة أصناف من الحلويات والفاكهة.

على الجانب الآخر، يحاول عدد كبير من الناس الترفيه عن أنفسهم بعد الإفطار بأقل التكاليف من خلال شراء كأس كوكتيل بـ 20 ألف ليرة سورية، أو صحن كنافة بـ 16 ألف ليرة، فيما تحولت العديد من المواد الغذائية، كمشتقات الحليب والمكسرات واللحوم والحلويات إلى "سُلع كمالية" وشكل من أشكال الرفاهية بالنسبة للعديد من العائلات.

يُذكر أن السوريين في مناطق النظام انقسموا إلى فئات يمكن حصرها بالشكل الآتي:

• عائلات لم تتضرر مادياً بالحرب، بسبب سكنها في مناطق وسط دمشق لم تشهد حراكاً ثورياً فلم تُدمر بقصف قوات النظام.

• عوائل تجار الحرب الذين كونوا ثرواتهم من سرقة المناطق المدمرة أو العمل بالممنوعات كالمخدرات والعقارات والسوق السوداء تحت حماية ميليشيات النظام والمتنفذين؛ فـ "صاروا فوق الريح".

• عائلات خسرت "الحجر والبشر"، ففقدت أفراداً منها وخسرت بيوتها وأعمالها؛ الأمر الذي أدى إلى تردّي أحوالها المادية وإفقارها بدرجات متفاوتة.

• مستفيدون من الحوالات الخارجية من الأبناء والأقارب اللاجئين؛ الأمر الذي استغله النظام لتحريك اقتصاده وإنعاش أسواقه.

خَدَر يتفاقم وإحباط عام

لم تتردد حكومة النظام السوري بإثقال كاهل السوريين خلال شهر رمضان، بدءاً من تطبيق رفع أسعار الكهرباء منذ بداية الشهر الحالي، وتغييب المحروقات "المدعومة" من السوق؛ الأمر الذي أدى إلى رفع أسعارها بالسوق السوداء، فضلاً عن التحايل على السوريين برفع سعر الخبز من خلال رفع عمولة المعتمد.

وعلى الرغم من سياسة التجويع والإفقار الممنهجة لدى النظام، إلا أن السوريين في مناطق سيطرته دخلوا في حالة "خدر" حقيقية ناتجة عن القمع العام الذي يمنعهم من الشكوى أو التعبير الصريح، فضلاً عن اليأس من تغير الحال أو تحسنه، وهو ما يعبرون عنه بقولهم "ع أساس إذا حكينا، رح يتغير شي؟".