في 13 من نيسان الماضي، وبينما كان العالم يترقب الرد الإيراني على قصف إسرائيل للقنصلية في دمشق، كان المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، يحذر الإيرانيين من أن "جميع النساء يجب أن يلتزمن ارتداء الحجاب مهما كانت معتقداتهن"، لتعلن الشرطة الإيرانية بعد أيام قليلة، أنها شددت رقابتها على إلزامية ارتداء النساء للحجاب في الشارع، معربة عن "أسفها لأن عدم احترامه يتزايد".
وحذر قائد شرطة العاصمة عباس علي محمديان عبر التلفزيون من أن "الشرطة في طهران، كما في سائر المحافظات الأخرى، ستتدخل ضد الأشخاص الذين يروجون (...) لعدم ارتداء الحجاب"، وفق وكالة فرانس برس.
وأضاف محمديان أن النساء "اللواتي لم يمتثلن للتحذيرات السابقة للشرطة سيواجهن اهتماما خاصا وستتم ملاحقتهن".
وأوضح "لقد أصبحت قضية الحجاب الآن تحديا مفروضا على بلادنا، وهي مشكلة لم تكن موجودة من قبل".
وبدأ عدد النساء اللواتي امتنعن عن وضع الحجاب في الأماكن العامة يتزايد، لا سيما بعد حركة الاحتجاج التي اندلعت إثر وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني (22 عاماً) في 16 أيلول 2022، بعد احتجازها لدى شرطة الأخلاق في طهران بذريعة انتهاكها قواعد اللباس. هذه الاحتجاجات التي قمعتها السلطات بعنف، أضيفت إلى سجل الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي إلى جانب سجل حافل من الانتهاكات أبرزها الإعدامات التي أمر بتنفيذها عام 1988.
البؤس الداخلي في إيران
في هذه الأجواء الساخنة داخليا والمتوترة خارجيا، جاء مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مع وزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان ليشكل ضربة لإيران في أكثر الأوقات اضطرابا، ويرفع درجة حرارة الداخل الإيراني إلى جانب البؤس الاقتصادي، حيث ارتفع مؤشر البؤس في البلاد (أيلول 2023) إلى 60.4 في المئة، وهي أعلى نقطة له على الإطلاق وأكثر من ضعف ما كان عليه قبل ست سنوات، وأما البؤس الاقتصادي فهو حساب يجمع بين معدلات البطالة والتضخم.
تولى رئيسي وهو رجل دين متشدد ومحافظ، منصبه في آب 2021 بعد انتخابات شهدت إقبالًا منخفضا تاريخيا. وتضمنت فترة ولايته قمع الاحتجاجات الشعبية بعد مقتل مهسا أميني، وتطبيق قواعد صارمة لملابس النساء، وزيادة تخصيب اليورانيوم بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي التاريخي وزيادة التوترات العسكرية مع إسرائيل، كما واصلت طهران دعم النظام السوري وحزب الله في لبنان، والميليشيات العراقية، والحوثيين في اليمن، وأيدت الغزو الروسي لأوكرانيا، ودعمت موسكو بالمسيرات التي قصفت كييف.
يتهم رئيسي بأنه كان أحد القضاة الأربعة الذين أشرفوا على الإعدام الجماعي لآلاف السجناء السياسيين في عام 1988 بعد الحرب الإيرانية العراقية. ولم تعترف إيران أبدًا بما وُصفت بأنها مذبحة راح ضحيتها ما يقدر بنحو 2800 إلى 5000 شخص، وفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش.
وقالت وزارة الخزانة الأميركية في إعلان العقوبات لعام 2019: “بصفته نائبًا للمدعي العام في طهران، شارك رئيسي في ما يسمى بـ”لجنة الموت” التي أمرت بإعدام آلاف السجناء السياسيين خارج نطاق القضاء في عام 1988”.
وفي عام 2021، عندما سُئل رئيسي عن تورطه المزعوم في عمليات الإعدام الجماعية عام 1988 خلال مؤتمره الصحفي الأول كرئيس منتخب، وصف نفسه بأنه "مدافع عن حقوق الإنسان".
وعام 2017، خسر رئيسي الانتخابات الرئاسية أمام حسن روحاني، الذي انتخب لولاية ثانية بفارق كبير. وقالت وكالة رويترز إن روحاني، خاض الانتخابات على وعد بتخفيف العزلة الدبلوماسية والاقتصادية لإيران، على عكس رئيسي الذي جاء حاملا العقوبات الأميركية على ظهره.
وعام 2021، حثت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنييس كالامارد على إجراء تحقيق مع رئيسي بسبب "جرائمه ضد الإنسانية" عندما كان رئيسا للسلطة القضائية.
وقالت كالامارد إن السلطات الإيرانية تحت إدارة رئيسي، قتلت مئات الأشخاص دون عقاب، "وعرضت آلاف المتظاهرين للاعتقالات الجماعية وما لا يقل عن المئات للاختفاء القسري، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة في أثناء الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد وفي أعقابها".
وأضافت كالامار: أن "صعود إبراهيم رئيسي إلى الرئاسة يأتي في أعقاب عملية انتخابية أجريت في بيئة قمعية للغاية ومنعت النساء وأفراد الأقليات الدينية والمرشحين ذوي الآراء المعارضة من الترشح للمناصب".
وفي عام 2022، فتح مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تحقيقا في القمع العنيف للمتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع بعد مقتل أميني. وقالت الأمم المتحدة في آذار إن بعثة لتقصي الحقائق وجدت أن إيران مسؤولة عن "العنف الجسدي" الذي أدى إلى مقتل أميني، على الرغم من قول المسؤولين الإيرانيين خلاف ذلك.
هل يتردد صدى مقتل رئيسي في الشرق الأوسط؟
يمتد نفوذ طهران على مدى واسع في سوريا ولبنان والعراق واليمن، حيث تستخدم الميليشيات لتنفيذ حروبها بالوكالة، بعد عقود من دعمها وتسليحها.
ووصل التوتر في الشهر الماضي إلى أعلى درجاته، عندما أطلقت إيران تحت قيادة رئيسي والمرشد الأعلى علي خامنئي مئات الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية على إسرائيل ردًا على قصف القنصلية في دمشق.
ورغم أن الرد الإيراني أحبط بشكل كامل إلا أنه كان بمنزلة تذكير بأن طهران وسعت بشكل كبير برنامجها الصاروخي ومدى انتشاره، وأنها تتجه إلى تقنيات تهدف إلى التغلب على الدفاعات الإسرائيلية. وقد يدفع الفشل طهران إلى إعادة النظر في عقيدتها المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل. فإذا كانت دفاعات إسرائيل والتحالف قادرة باستمرار على اعتراض الغالبية العظمى من ذخائرها التقليدية، فقد يستنتج النظام الإيراني أن الأسلحة البيولوجية أو الكيميائية أو النووية ضرورية لإحداث أي أثر استراتيجي، بحسب معهد واشنطن للدراسات.
وفي الوقت نفسه، تسلح طهران الحوثيين وتزودهم بالمعلومات الاستخبارية، حيث يقرصنون اليوم البحر الأحمر وسيطروا سابقا على معظم شمالي اليمن .
كما توفر طهران الأسلحة والتكنولوجيا لحركة حماس وحزب الله عبر الأراضي السورية، وهي من الجهود التي توسعت أيضا في ظل حكم رئيسي، وأدت إلى تلقي إيران وميليشياتها ضربات إسرائيلية في سوريا ولبنان نتج عنها مقتل قياديين في الحرس الثوري.
ويضيف المعهد الأميركي أن الضربات التي تلقاها الحرس الثوري في سوريا والعراق تشير إلى أن طهران لا تسيطر بشكل كامل على ميليشياتها، معتبرا أن إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري أخفق في السيطرة على "الإمبراطورية" التي أسسها قاسم سليماني وهذا سيكون له عواقب بسبب "تشرذم التنسيق".
الملف النووي يراوح مكانه
الأسبوع الماضي، التقى وزير الخارجية الإيراني السابق حسين أمير عبد اللهيان، مع رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، الذي كان يطالب بتحسين الوصول إلى المنشآت النووية الإيرانية المترامية الأطراف.
وزيارة غروسي هي الأولى التي يقوم بها إلى إيران منذ آذار 2023 حين اجتمع مع إبراهيم رئيسي، حيث تدهورت العلاقات بين الجانبين، مع تقييد طهران تعاونها مع الوكالة الدولية، واستمرارها في توسيع برنامجها النووي.
وقال غروسي إن إيران، التي تنفي سعيها لتطوير سلاح ذري، هي "الدولة الوحيدة غير المجهزة بأسلحة نووية التي يمكنها تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 60 في المئة وتجميع مخزونات كبيرة منه".
وهذه النسبة قريبة من نسبة 90 في المئة المطلوبة للاستخدامات ذات الغايات العسكرية، وبعيدة من السقف المحدد بنسبة 3,67 بالمئة المعادل لما يستخدم لإنتاج الكهرباء، التي حددها الاتفاق الدولي لعام 2015 بشأن البرنامج النووي لإيران.
وفي سياق آخر، كان مسؤولون أميركيون قد حذروا أخيرا من أنه مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، فإنهم يتوقعون زيادة في محاولات القرصنة الإيرانية.
وقال أفريل دي. هاينز، مدير الاستخبارات الوطنية، للجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأسبوع الماضي: "أصبحت إيران عدوانية بشكل متزايد في جهودها". فهو يسعى إلى "إثارة الخلاف وتقويض الثقة في مؤسساتنا الديمقراطية، كما رأيناها تفعل في الدورات الانتخابية السابقة".
المشروع الإيراني العامل الثابت
يقول د.خالد العزي أستاذ العلاقات الدولية، لموقع تلفزيون سوريا، إن "موت رئيسي كارثة لإيران ولسياستها في الداخل والخارج، لأن رئيسي كان ينفذ ما يؤمر به المرشد الأعلى ونحن نعلم أن قرارت الحرب والسلم وغيرها موجودة بيده وهو من يصيغ السياسة العامة، أما رئيسي فهو الرجل الثاني الذي يبلور القرارات والمواقف في التعامل مع المفاصل والأجزاء الداخلية والخارجية، وهو مقرب جدا من خامنئي وكان يطمح بوراثة المرشد وهي نقطة مهمة جدا، لأن رئيسي مقبول من الحرس الثوري وتاريخه يتصف بالدموية مذ كان قاضيا وقمعه للانتفاضة معروف، وهو من قادة الإعدامات في سجن إيفين حيث أعدم المعتقلين العراقيين إبان الحرب العراقية الإيرانية، وله دور كرجل دين وهذا ما ساهم ببروزه وتأيره على جزء كبير من الطبقة الحاكمة لكن في ظل الصراع الذي خرج إلى العلن بين مجتبى ابن خامنئي الذي يطمح إلى الجلوس على كرسي والده وبات يتمتع بسياسات إدارية لمفاصل كبيرة في الدولة.. هذا شكل نوعا من التزاحم بين مجتبى ورئيسي".
ويضيف العزي "العلاقات الدولية ستبقى كما هي إيران لها مشروع ولا تعترف بالدولة لأن وجودها وإيمانها يقوم على مفهوم دولة ولاية الفقيه وهم يحضرون كل الإمكانية للعقيدة، مفهوم الدولة والموت والأشخاص ليس له قيمة عندهم لأن مشروعهم الأساسي نشر التشيع في العالم ولعب دور قومي مميز على قاعدة القومية الفارسية، وهنا نرى النفوذ الذي تحاول طهران استجداءه من خلال الولايات المتحدة التي تعتبر هي من تمنحها هذا النفوذ، وهنا الصراع بينها وبين إسرائيل ليس على من سيحرر القدس بل على من سيكون الخادم الأفضل لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة، إذ خلال 45 عاما لم نر ضربة أميركية لإيران ولم نسمع أنها تريد إنهاء النظام بل كان القول في جميع الإدرات المتعاقبة إن عليهم تأديب سلوك إيران والتأديب هو إرغامها على ما تطلبه أميركا وليس الانصياع لطموح إيران".
موت رئيسي والترسانة المهترئة
على الصعيد الداخلي يبقى النقاش مرتكزا حول فشل إيران في الوصول إلى مكان حطام طائرة الرئيس، وقد استعانت بتركيا لمعرفة موقع الحطام، إضافة للاستعانة بفرق دفاع مدني روسية في البحث ما يعني أن القدرات الإيرانية سيئة وما تدعيه من تطور تقني وتكنولوجي ليس صحيحا، ويرى د.العزي أن "هناك قطبة مخفية ويرجح الجميع أن عملية معينة حدثت وهذه العملية داخلية بامتياز وهي نتيجة الصراع الفعلي بين أجنحة الحرس الثوري المتشددين أنفسهم الذين باتوا يستهوون السيطرة على الأموال وعلى القرارات السياسية.. هذه النظرية ربما لن تكشف وبالتالي الصندوق الأسود لن يتم إفراغه ولن تكشف كل الأعطاب لأن التقارير التي ستعد من أجل التحقيق ستكون موجهة من قبل الحرس الثوري وبما يناسب روايته".
ويتابع "يمنح الدستور نائب الرئيس صلاحية لخمسين يوما ويعد لانتخابات بمساعد رئيس القضاء ورئيس البرلمان، إذا نحن أمام مرحلة جديدة قد يحاول خامنئي تمديدها لتهيئة شخصيات مطلوبة، بالرغم من أن الحرس الثوري وصل إلى كل المفاصل في إيران، وهنا قد يمارس المرشد لعبة التذاكي.. كرسالة يرسلها للغرب لإعادة إعطاء دور لأحد المبعدين عن الانتخابات السابقة وترشيحه، لكنه سيكون رجل دولة دون صلاحيات طالما أنه سيأتي من دون جبهة فعلية تسانده ومن دون أن يكون له مرشحوه في الوزارات وفي المفاصل الأخرى.. رئيسي كان يلعب السياسة إلى جانب عبد اللهيان بطريقة ليبرالية محسوبة على الحرس الثوري وله بالوقت نفسه ديناميكية يتعامل بها مع أجزاء المعارضة في الخارج والميليشيات والأنظمة التي تحتلها إيران.. والشخص الذي سيكون بالمستوى ذاته.. هو الشخص الذي سيرشح للمنصب، وربما التنازل الوحيد الذي سيبديه المرشد هو إدارة العلاقات والالتفاف على المشكلات التي باتت إيران تواجهها في الداخل خاصة أن موت رئيسي فتح الباب على مصراعيه، والإيرانيون يصمتون على مضض بسبب الانهيار الاقتصادي والقمع، ونحن شهدنا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التصويت المتدني وهذه نقطة سيئة لأي شخصية تتلقى هذه الكمية من الأصوات لأن ذلك يعني أنها غير مقبولة شعبيا أي أن خطاب خامنئي "لا سيناريو للفوضى لا سيناريو للتغير" حاول القول من خلاله إن الأمر بيدي وموت شخص لايعني أي شيء.. لأن إيران ليست دولة كغيرها، فمؤسساتها ليست دستورية بل دينية عقائدية تدير الدولة وبإمكانها الاستمرار، أما الرسالة الموجهة للداخل فهي أن أي فوضى ستواجه، وإيران ستحافظ على سياستها، وتقول الرسالة للخارج وللولايات المتحدة إن موت الرئيس لا يعني تغييرا في الاستراتيجية، لكن الوضع الداخلي لم يكن في الحسبان ولذلك قد تقدم طهران بعض التنازلات لإدارة مرحلة الداخل".
مشكلة إيران الأساسية
يرى العزي أن مشكلة إيران الأساسية ليست الملف النووي أو الحروب بالوكالة هنا وهناك، بل هي "من سيرث المرشد أي وراثة التوجه الأساسي لذلك يجب أن يكون الوريث قويا ويبرهن للخارج والداخل على قدرته. مجتبي خامنئي يدير ملفات كبيرة وقد كان عراب الاتفاق مع السعودية برعاية صينية وهو يفتح علاقات مع الأطراف الداخلية ويقصي الأسماء المعارضة الكبرى في الحرس الثوري وهو من يمتلك سلطة سياسية، مثل تعيين السفراء.. نحن إذا أمام عملية توريث أصبحت من دون منازع وخاصة أن الشعب الإيراني يرفضها وكان يقول لا نريد التوريث لا نريد الديكتاتورية.. ونريد ديمقراطية بمجلس شورى حسب الدستور.. سياسة طهران الخارجية ستبقى كما هي وخاصة الآن كي لا يقال إن إيران تعرضت لضربة، وربما ستأتي التنازلات لاحقا في ملفات وتسويات مع واشنطن.. كي تعود وتلقي القبض على الداخل وتجري انتخابات بهدوء للوصول إلى التوريث، وربما ستعيد هذه الحادثة تقييم سياسة التشدد التي مارستها إيران والتي انتهت بمواجهة فعلية لا تزال مفتوحة بين أذرعها من جهة وبين الولايات المتحدة من جهة أخرى".