تحدثت الملكة رانيا العبد الله في كلمتها خلال قمة "كوغ إكس" للقيادة العالمية في لندن حول عدة قضايا مهمة تشغل العالم، وأوضحت آلية للنجاح في التعامل مع التحديات العالمية التي تتعلق باللاجئين والهجرة في السنوات العشر القادمة، من خلال "أنسنة صناعة القرار في القيادة".
وفي القمة التي حضرها قادة عالميون وخبراء في صناعة التكنولوجيا وقطاع الأعمال والأوساط الأكاديمية والعمل الخيري، قالت "ننبهر بعلاجات تعِدُنا بالعيش الأزلي، بينما يموت يومياً نحو 14 ألف طفل تحت سن الخامسة لأسباب يمكن تجنبها... نتابع مديرين تنفييذين وهم يستعرضون عضلاتهم، في حين يُكافح ملايين الفقراء من أجل البقاء.. وتُبهرنا صواريخ تحمل سياحاً إلى الفضاء، بينما يتعرض كوكبنا للاحتراق والغرق في آن واحد".
أزمة المهاجرين
وأشارت إلى أزمة المهاجرين واللاجئين التي تشهدها العديد من البلدان حول العالم، وأعادت التذكير بحادثة الغرق في البحر الأبيض المتوسط للقارب المكتظ بالمهاجرين في حزيران الماضي، حيث لقي أكثر من 600 راكب حتفهم خلال محاولتهم الوصول إلى أوروبا.
وبينت كيف تجاذب أطراف النزاع حول المهاجرين، مسألة غرق القارب، واستخدمه كل طرف كدليل على صحة روايته، لام البعض السياسات المتشددة للهجرة في أوروبا على حدوث الكارثة، بينما أصر البعض على أن تساهل أوروبا دفع المهاجرين إلى المخاطرة بحياتهم في المقام الأول.
وتساءلت عن اعتبار البعض أن اليقين هو دلالة على النزاهة الأخلاقية، مشيرة إلى أن اليقين بأن أفكارنا هي الصحيحة، يمكن أن يؤدي إلى صدع أخلاقي وقيم مشوهة "تأخذ السفينة الغارقة دليلاً لإثبات وجهة نظرنا قبل اعتبارها كارثة إنسانية".
وأضافت "عندما لا نتقبل الآراء التي تتعارض مع أفكارنا، نلجأ لتحقير مؤيديها، مما يجعل حل المشكلات أمراً شبه مستحيل"، داعية إلى الانفتاح وتقبل التساؤلات والتشكيك مشيرة إلى أن اليقين المطلق يمكن أن يقودنا إلى محاربة بعضنا البعض بدلاً من محاربة مشكلاتنا الأساسية.
وأكدت أنه بإمكاننا النجاح، من خلال "البدء من اللحظة بفعل الصواب"، مشيرة إلى أن "الطريقة التي نتصرف بها كبشر هي ما يصنع الفرق، ما زلت أؤمن أن تعاطفنا مع بعضنا البعض، واستعدادنا لرؤية أنفسنا كجزء من شيء أكبر، وإدراكنا أننا جميعاً نستحق عيشاً كريماً.. كل ذلك هو ما يقود التقدم الذي نسعى له".
ودعت إلى قلب الموازين لتصبح الهجرة "فرصة لا مشكلة"، مؤكدة أنه في العديد من البلدان المتقدمة هناك فائض في الوظائف، وبحسب بعض التقديرات بحلول عام 2050، "ستواجه المملكة المتحدة وأوروبا فجوة قدرها 44 مليون عامل."
كما أشارت إلى الضرورة للتفكير بالقلب والعقل عند التعامل مع قضايا الهجرة واللاجئين.
اللاجئون السوريون والسودانيون
ونوهت إلى أهمية تقديم الدعم للاجئين السوريين والسودانيين وتحسين ظروفهم، وذكرت أن الدول المتدنية والمتوسطة الدخل تستضيف أكثر من 70% من النازحين في العالم.
ودعت إلى زيادة الدعم العالمي للأردن وللدول الأخرى المستضيفة للاجئين، حيث يوجد "لاجئ سوري واحد بين كل ثمانية أشخاص"، مسلطة الضوء على الاحتياجات المتنامية للدول الأفريقية التي تستقبل اللاجئين من السودان، مشيرة إلى نزوح أكثر من 4 ملايين شخص منذ نيسان.
وافتخرت بالكرم الذي أظهره رجال ونساء الأردن، مذكرة بقرار الملك عبد الله باستقبال مئات الآلاف من السوريين الذين لجؤوا إلى الأردن بعد اندلاع "الأحداث" في سوريا في عام 2011، موضحة أن قلبه قاد أفعاله، بقوله "هناك طفل جائع وأم يائسة على حدودنا، كيف لا نسمح لهم بالدخول؟".
ومن جانب آخر، أشارت إلى ضرورة زيادة الدعم العالمي للدول المستضيفة للمهاجرين واللاجئين وذكرت حاجة الدول المجاورة للنزاعات إلى دعم دولهم حيث لا يمكنهم "فعل الشيء الصحيح" باستقبال اللاجئين بمفردها نيابة عن الجميع.
وأكدت أهمية دعم اللاجئين السوريين في الأردن وأشارت إلى أن منظمات إغاثة عالمية خفضت الدعم لهم بسبب نشوب أزمات طارئة في أماكن أخرى، رغم استمرار الحاجة للمساعدة، وأكدت أن الدول المتدنية والمتوسطة الدخل تستضيف قرابة 74% من النازحين في العالم.
التباين في النهج العالمي تجاه أزمات اللجوء
وأشارت إلى التباين في النهج العالمي تجاه أزمات اللجوء، حيث تم تلبية أقل من 30% من النداءات الموجهة للجهات المانحة بعد أربعة أشهر من الحرب في السودان، في حين تم تمويل 70% من نداء الطوارئ لدعم الأوكرانيين خلال الشهر الأول من إطلاقه.
مما يشير إلى وجود تمييز في التعامل مع الأزمات الإنسانية، وأكدت على أهمية التعاطف الإنساني الصادق في مواجهة هذا التمييز وتحقيق التقدم الإنساني.
وتابعت كيف يتم شيطنة الأفراد لسعيهم من أجل حياة أفضل لعائلاتهم، ونعتبر معاناتهم أمراً مقبولاً، ليصبح غرق 11 طفلاً أسبوعياً خلال محاولة عبور البحر الأبيض المتوسط أمراً مقبولاً، وتصبح المجاعة في عالم من الوفرة أمراً مقبولاً.
وتعليقاً على ذلك قالت "لا أعتقد أننا بحاجة إلى حاسوب خارق ليفسر لنا هذا التمييز"، ذلك ليس لعدم قدرتنا على مساعدتهم، بل لأننا اخترنا طوعاً ألا نساعدهم، "ما فائدة الذكاء الصناعي إن لم نتمكن من حشد التعاطف الإنساني الصادق؟".
ختمت كلمتها بالدعوة إلى اتخاذ الإجراءات الصحيحة وتقديم الدعم للمحتاجين والعمل معا كبشر وبإنسانية لمواجهة التحديات العالمية في السنوات العشر القادمة.