كشفت مذكرات نائب رئيس النظام السابق، عبد الحليم خدام، أن بشار الأسد اتفق مع إيران، عشية الحرب على العراق في العام 2003، على إطالة الحرب فيها لإتعاب الأميركيين، كما اقترح تقديم وعود "وهمية" للمعارضة العراقية.
وقال خدام، في الجزء الأول من مذكراته التي نشرتها صحيفة "الشرق الأوسط، إنه بعد وفاة حافظ الأسد وتسلم نجله مقاليد الحكم، ركّز على العلاقات مع العراق، على عكس ما دأب الأبد على فعله طوال سنوات.
وأوضح أن نظام الأسد الابن قام بنشاطات عربية ودولية للدفاع عن النظام العراقي ضد الأعمال العدوانية التي كانت تمارسها الولايات المتحدة الأميركية ضد العراق، كما اتخذ مواقف قوية ضد توجهات الولايات المتحدة في شن الحرب على العراق.
وفي تلك المرحلة، استقبل بشار الأسد عدداً من القياديين العراقيين، بمن فيهم أولئك الذين كانوا الأشد عداءً للنظام في سوريا وإيران، ومنهم عبد المجيد وطه ياسين رمضان، حيث انتقل من مرحلة العمل لإسقاط النظام العراقي، إلى مرحلة الدفاع عنه في المحافل العربية والدولية، في وقت كانت إيران، عبر حلفائها في المعارضة العراقية، تعمل على الخلاص من صدام حسين ومن نظامه.
كما لم تنقطع الزيارات المتبادلة بين وفود البلدين، والعمل على عقد اتفاقيات ثنائية بين الدولتين، وأبرز تلك الزيارات التي قام بها رئيس وزراء النظام حينئذ، محمد مصطفى ميرو، إلى بغداد قبل الحرب بفترة قصيرة، حيث اجتمع مع الرئيس العراقي صدام حسين، وقدّم له سيفاً دمشقياً، وقال له "أُقدِّم لكم هذا السيف الدمشقي، مؤكداً أننا معكم، وأن العدوان على العراق هو عدوان على سوريا".
وأوضح خدام في مذكراته أن اشتداد الحملة الأميركية على العراق أثار القلق في سوريا من امتداد الحرب إلى أراضيها، لا سيما أن الموقف السوري كان بجانب العراق، وفي ضوء ذلك، زار الأسد طهران في 16 آذار من العام 2003، والتقى الرئيس الإيراني آنذاك، محمد خاتمي، والمرشد الأعلى، علي خامنئي، للعمل على توحيد الموقف معها في مواجهة التطورات الجديدة المقلقة والمقبلة في المنطقة، وفق تعبيره.
وخلال لقاء خاتمي، الذي حضره خدام، تساءل الأسد "ماذا سنفعل قبل الحرب أو في حال حدوثها"، مبدياً تخوفه من أن استقرار الولايات المتحدة في العراق وتحقيق الأمن، يعني انتقال الحرب إلى إيران وسوريا، فأجابه خاتمي، أن "هذه أسئلة صحيحة وفي وقتها".
وأضاف الأسد في حديثه مع خاتمي "لو كان من يحارب غير الأميركيين لكان سقوط صدام حسين أسرع، لكن الأميركيين تتحكم بهم الحماقة، قالوا إنهم سيحسمون الحرب خلال أيام أو أسابيع، لقد حصروا أنفسهم بهذا الزمن دون داعٍ".
وأشار الأسد إلى أن المعارضة العراقية "المهرولة باتجاه أميركا، لن يعملوا مع سوريا وإيران، لذا يجب توسيع العلاقات وخلق عناصر أخرى للتنسيق، والعنصر الأكبر هو الأكراد"، معتبراً أن الدولة الكردية "أمر يقلق تركيا وسوريا وإيران والعراق، ويجب التنسيق بيننا في هذا الموضوع"، الأمر الذي لاقى ترحيباً لدى خاتمي، والذي حذر بدوره من قيام دولة كردية.
واقترح الأسد إعطاء المعارضة العراقية "وعوداً وهمية على الطريقة الأميركية"، مشيراً إلى أن "المشكلة الأولى في الحرب هي صدام نفسه".
وبعد لقاء خاتمي، انتقل الأسد إلى لقاء خامنئي، حيث قال "لا نريد حدوث الحرب لأنها ضارة للجميع، لكن من غير المعقول أن نجلس وننتظر مجيئها إلينا لاحقاً، وفي حال حصول الحرب أهم شيء يمكن أن يحدث هو إطالتها حتى تتعب أميركا"، الأمر الذي اعتبره خامنئي "تحليلا جيدا حول ما يجري في المنطقة".
من هو عبد الحليم خدام:
ينحدر عبد الحليم خدام من مدينة بانياس بريف طرطوس، تخرج في كلية الحقوق بدمشق والتحق بحزب "البعث السوري" في سن السابعة عشرة، ويعد أحد أبرز مرافقي رئيس النظام السابق حافظ الأسد، ضمن ما سمي بالحرس القديم.
خلال عقود، تولى خدام مناصب عدة، بدأها محافظاً لمحافظة القنيطرة في العام 1966، وكان من أعلن سقوط المدينة بيد إسرائيل في 5 حزيران من العام 1967، وأصدر بياناً رسمياً بثته الإذاعة السورية.
شغل في العام 1969 منصب وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، وبعد انقلاب الأسد في تشرين الثاني من العام 1970، تسلّم منصب وزير الخارجية ونائب الرئيس، بالإضافة إلى القيادة القطرية والوطنية لحزب "البعث السوري".
في أيار من العام 1984، أصبح عبد الحليم خدام أحد نواب رئيس الجمهورية الثلاث، ليلعب دوراً أساسياً في عدة مبادرات خارجية، أهمها الملف اللبناني منذ العام 1976، والتحالف الإيراني السوري في الثمانينيات.
بقي «الملف اللبناني» في عهدة خدام إلى العام 1998، عندما نقله الأسد الأب إلى نجله بشار، الذي عاد من لندن بعد وفاة شقيقه الأكبر باسل، في العام 1994، الأمر الذي لم يكن مريحاً لخدام وحلفائه في لبنان.
مع تراجع دوره السياسي في دمشق، تقدم خدام باستقالة من جميع المناصب السياسية والحزبية، خلال مؤتمر حزب "البعث" في حزيران من العام 2005، واحتفظ بمنصبه كعضو في القيادة المركزية لـلحزب.
نهاية العام نفسه، أعلن خدام انشقاقه عن نظام بشار الأسد، متهماً إياه باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، وشكّل في منفاه تحالف "جبهة الخلاص"، مع "حركة الإخوان المسلمين"، التي كانت محظورة في سوريا، فاتهمه النظام بـ "الخيانة العظمى"، وصودرت ممتلكاته.
توفي خدام إثر نوبة قلبية في 31 آذار من العام 2020 في منفاه بالعاصمة الفرنسية باريس عن عمر ناهز 88 عاماً.