أعرب خبراء حقوقيون، معينون من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، عن "قلقهم الشديد" بشأن الأطفال المفقودين والمصابين بعد الهجوم على سجن الصناعة في مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا، في كانون الثاني الماضي، داعين "سلطات الأمر الواقع إلى السماح لجميع العاملين في المجال الإنساني بالوصول الكامل ودون عوائق إلى الأطفال".
وتحتجز "قوات سوريا الديمقراطية"، المسيطرة على مناطق شمال شرقي سوريا، فتياناً لا تتجاوز أعمارهم 10 أو 12 عاماً، بشكل تعسفي في سجن الصناعة ومراكز اعتقال أخرى، في ظروف "قوّضت صحتهم ورفاهيتهم ومصالحهم الفضلى على المدى الطويل كأطفال وكضحايا للإرهاب وكشباب ضعفاء"، وفق الأمم المتحدة.
ظروف احتجاز غير إنسانية
وأبدى الخبراء الحقوقيون، في بيان لهم، عن "عدم ارتياحهم لعدم وجود معلومات واضحة تتعلق بعدد القاصرين المحتجزين بالفعل في السجون قبل الهجوم، وأن هذا يمكن استخدامه لرفض الاعتراف بمصيرهم ومكان وجودهم".
وقال الخبراء إن "ظروف الاعتقال في السجن ساءت، حيث هناك حالات شديدة من سوء التغذية، وأصيب العديد من الأولاد المحتجزين في السجون بجروح خطيرة في أثناء عملية الهروب من السجن، ويتلقون العلاج الطبي الضروري"، مضيفين أنه "علاوة على ذلك، لا يبدو أن ظروف الاحتجاز تتوافق مع القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، بما في ذلك السكن والوصول إلى المياه والمواد الضرورية للصحة والنظافة ومياه الشرب".
وتحتجز "قسد" هؤلاء الأطفال في زنازين جماعية مكتظة، تضم الواحدة منها من 20 إلى 25 شخصاً في ظروف غير إنسانية، مع وصول محدود لمياه الشرب الآمنة، في حين لا تزال المخاوف بشأن انتشار فيروس "كورونا" في هذه الظروف مرتفعة.
وأشار الخبراء إلى أنهم "أصيبوا بالذهول من توقف الاتصال بين الصبية وأفراد عائلاتهم، والذي كان متقطعاً أصلاً قبل الهجوم".
إخفاء قسري للأطفال
وأوضح الخبراء "نشعر بقلق بالغ أنه منذ هجوم كانون الثاني، لا يزال مصير وأماكن وجود ما لا يقل عن 100 من هؤلاء الأولاد مجهولاً، الأمر الذي يثير مخاوف جدية فيما يتعلق بحقهم في الحياة".
وأضافوا أن "بعض الحالات قد ترقى إلى حدّ الاختفاء القسري، والسلطات المسؤولة عن السجن، التي دعت إلى الإعادة الفورية لجميع الرعايا الأجانب، منوط بها مسؤولية إنسانية وأمنية وحقوقية مستحيلة تقريباً من قبل دول أخرى".
وبموجب القانون الدولي، يتعيّن على سلطات "قسد" إجراء تحقيق سريع وشفاف وحيادي ومستقل فيما يتعلق بالظروف التي اختفى فيها هؤلاء الأولاد، ونشر النتائج على الملأ، مؤكدين على أنه "يجب تحديد الأذى الذي يلحق بهؤلاء الأطفال، وتجب محاسبة المسؤولية لمنع الإفلات من العقاب".
مسؤولية الدول تجاه أطفالها
من جانب آخر، قال الخبراء الحقوقيون إنه "يجب على جميع الدول والجهات الفاعلة المشاركة في شمال شرقي سوريا ضمان حماية الأطفال ومنع حدوث المزيد من الأذى لهم"، مضيفين أن "الدول التي لديها رعايا هناك لديها التزامات واضحة بحماية هؤلاء الأطفال الضعفاء المحاصرين في الصراع والعنف، ولا يمكنها أن تتجنب هذه الالتزامات بمجرد تجاهل مصير مواطنيها".
وأعرب الخبراء في بيانهم عن "مخاوفهم العميقة بشأن الرفاه البدني والعقلي والتعليمي والصحي الشامل للأطفال المحتجزين تعسفياً في مراكز الاحتجاز في شمال شرقي سوريا، وكذلك الأطفال الذين يبدو أنهم في عداد المفقودين".
وأوضح الخبراء أن "هؤلاء الأولاد وقعوا ضحايا بالفعل لأسباب عديدة، فالعديد منهم تم إحضارهم إلى سوريا من قبل عائلاتهم، بينما وُلد آخرون هنا، لعائلات يُزعم أنها مرتبطة بداعش، وهم يتعرضون للأذى والإصابة دون ذنب من جانبهم، ويتم التخلي عنهم وإلقاؤهم في تجربة قاتمة لا هوادة فيها من العنف".
وأشاروا إلى أن "معظم هؤلاء الأطفال صبية صغار، وهم ضحايا للإرهاب ولانتهاكات خطيرة للغاية لحقوق الإنسان والقانون الإنساني، ويُعتبرون مذنبين بالتبعية ويتعرضون للتمييز ويُعاقبون، ولا يتم إيلاء الاهتمام لمصلحتهم الفضلى"، مؤكدين أنهم "يستحقون الحماية والرعاية وليس العنف وتخلي المجتمع الدولي عنهم".
ودعا الخبراء الحقوقيون سلطات "قسد" إلى "إعادة الوصول الكامل على الفور إلى جميع الجهات الفاعلة الإنسانية، بما في ذلك الأمم المتحدة، إلى جميع الأفراد في السجون"، مشددين على أنه "على الرغم من الهجمات الأخيرة على السجن، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تُفهم أو تُفسّر المساعدة الإنسانية والمتعلقة بحقوق الإنسان المقدمة للأشخاص المحتجزين بشكل تعسفي على أنها ترقى إلى مستوى الدعم المادي للإرهاب بموجب أي تشريع لمكافحة الإرهاب أو اتفاقية مع المانحين".
كما دعا الخبراء إلى "الإعادة الفورية للأطفال إلى أوطانهم، أما بالنسبة لأولئك الذين لا يمكن إعادتهم وفقا للقانون الدولي، فيجب إيجاد حل دولي لمحنتهم"، مشيرين إلى أنه "من الواضح أنه لا يمكن التوفيق بين الحالة الراهنة وأي موقف مفاده بأن الدول تتصدى بفعالية للتهديدات الدولية للسلام والأمن، بما في ذلك مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف".