يوم الخميس الفائت، أقالت وزارة الإعلام التابعة للنظام السوري مديري قناتي "الإخبارية" والسورية" الرسميتين وذلك بعد "خطأين فادحين" وقع أحدهما خلال بث برنامج "الكابتن" الذي أوقف عرضه، والآخر بعد استضافة قناة "الإخبارية" للمفكر المصري يوسف زيدان المتهم بالتطبيع مع إسرائيل.
مصادر خاصة من الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون أكدت لموقع تلفزيون سوريا، أنَّ المستشارة الإعلامية لرئيس النظام السوري لونا الشبل هي من تدخلت في قرار وزير الإعلام وفرضت عليه قرار الإقالة، كما أنها هي من عيَّنت المديرين الجديدين لكل من قناتي "السورية" و"الإخبارية".
وعيَّنت الشبل بدلاً عنهما كل من محمد علي عبد الرزاق زهرة، مديراً لـ "السورية"ومحمد علي مصا، مديراً للإخبارية، والذي كان قد عُيّن مديراً لها في شباط 2018 وبقي في منصبه حتى كانون الثاني 2019 حين أقيل على خلفية "فضيحة" تتعلق بمقابلات توظيف.
لونا الشبل أمرت بإقالة مديري قناتي "الإخبارية" و"السورية"
— تلفزيون سوريا (@syr_television) July 16, 2023
مصدر خاص يكشف لتلفزيون #سوريا تفاصيل القضية وكواليس الصراع #تلفزيون_سوريا #نيو_ميديا_سوريا pic.twitter.com/dRPINPLuTK
مَن يعين مديري تلفزيون النظام ومن يقيلهم؟
يُجمع كثير ممن عملوا في مؤسسات الإعلام الرسمي السوري على أن قرارات تعيين المديرين ورؤساء الأقسام لم تخضع إلا ما ندر للتقييمات المهنية، وأنها كانت دائماً مرتبطة بسياق طويل من سيطرة المحسوبيات الأمنية على مجمل العمل الصحفي.
وفقاً لهذه الفرضية شبه المثبتة فإن بعضاً من هؤلاء شككوا في أن تكون "الأخطاء" التي ظهرت على شاشات الإخبارية السورية أو الفضائية السورية الرسمية أو حتى قناة سوريا دراما هي السبب الرئيسي في التغييرات الراهنة، والتي ظهر منها حتى الآن قرار وزير إعلام النظام، بطرس الحلاق بتعيين محمد علي عبد الرزاق زهرة، مديرا لقناة "السورية"، ومحمد علي مصا، مديرا لقناة "الإخبارية".
بل إن ما يجري يعود لأسباب لا تختلف عن الأسباب ذاتها التي أتت بالمقالين إلى مناصبهم، فهؤلاء تعاقبوا على كراسي مرتبطة بالأجهزة الأمنية، وحين يحظى شخص ما بدعمها، فإن أبواب المكاتب تفتح أمامه!
وحين يحتدم صراع ما بين الأجهزة على السيطرة والنفوذ فإن الخاسرين يأخذون معهم جماعتهم في مؤسسات الدولة.
منصب وزير الإعلام ذاته، سبق أن كان مادة لصراع مختلف من حيث المستوى، لكنه من النسيج السلطوي ذاته، فقد احتدم التناقض في وقت ما بين مستشارة الأسد لونا الشبل، التي تهيمن على بعض قطاعات إعلام النظام، مع أسماء زوجة الأسد التي لا ترى بأن أحداً يمكنه أن ينافسها أو يناقشها في تحديد من هو الأولى بهذا المنصب أو ذاك، فأتت بالمهندس رامز ترجمان وزيراً للإعلام، لكنها تخلت عنه في النهاية ليأتي بدلاً عنه الصحفي عماد سارة المعروف عنه استزلامه للونا الشبل، ويتذكر المتابعون بعضاً من تفاصيل المعركة التي حصلت بين الرجلين، حين أصدر ترجمان قراراً بإقالة سارة الذي كان مديراً عاماً للإذاعة والتلفزيون، لكن اضطر إلى سحب القرار بعد ساعات قليلة، ما كشف وبشكل واضح أن الأمر لا يعدو كونه صراعاً بين واجهات النفوذ الكبرى في النظام.
إقطاعية الإعلام السوري
في الوقت الحالي، وحين تصدر قرارات الإقالة أو التعيين على يد وزير لم يمارس في حياته عملاً صحفياً أو إعلامياً، بل جاء من كلية الصحافة، من دون خبرة عملية فعلية، فإن على المتابعين توقع أن تكون اليد التي تمضي على الورق مجرد أداة لأصحاب القرارات الفعلية، أي بؤر السيطرة بالإضافة إلى الأجهزة الأمنية.
هنا، لا بد من التوقف عند طبيعة الأخطاء التي ظهرت على الشاشات والتي يعزو بعضهم إليها أسباب التغييرات، فهذه الإشكالات لا يمكن إجرائياً لمديري القنوات أن يتحملوا مسؤوليتها فعلياً وذلك لأسباب عدة أولها أن هؤلاء بالأصل لا يمتلكون الملاءة المهنية المطلوبة لإدارة مؤسسات كهذه، فهم مجرد منفذي أوامر، ما يعني أن العمل يقوم على أكتاف معدي البرامج الذين لا يمتلكون برامج عمل واضحة بدورهم، ويمارسون عملهم وفقاً للمستجدات اليومية، من دون وجود لوائح تنظم عملهم وبما في ذلك تحديد ما هو مسموح وما هو ممنوع، ولم يحدث أن أقيل مديرو قنوات تلفزيونية بناء على أخطاء يرتكبها معدو البرامج الذين كانوا هم كباش الفداء المتوقعة دائماً.
يمكن تذكر بعض الحوادث النادرة من مثل إقالة المدير العام د. فايز الصايغ وكذلك مدير الفضائية السورية علاء نعمة ومدير التنسيق سمير بلوكباشي في العام 2002، وذلك بسبب اتخاذهم قراراً باستضافة السفير الأميركي بدمشق على شاشة الفضائية، من دون الرجوع إلى وزير الخارجية فاروق الشرع حينذاك!
لكن عملية التغيير تلك لم تحتج أن يتم تبريرها للرأي العام، وذلك لأن أصحاب القرار لا يرون بأن هناك ضرورة لفعل ذلك، فهذه القرارات في "إقطاعية" الإعلام ليست من شأن الجمهور!
فإذا كان هذا هو الحال في ذلك الوقت فما الذي تغير الآن لكي تسارع الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون لتبرير الأخطاء أمام الجمهور، وقبل هذا هل يصدق أحد بأن ثمة من قام بالاحتجاج على استضافة برنامج جذور للكاتب المصري يوسف زيدان، في الوقت الذي يلهث فيه النظام لكسب الكتاب والمؤلفين إلى جانبه وإظهارهم على شاشات قنواته؟
بعد "الأخبار المندسة" والفضائح والأخطاء الفادحة..
— تلفزيون سوريا (@syr_television) July 14, 2023
نظام الأسد يطيح بمدراء قنواته الإعلامية!
ما التفاصيل؟#نيو_ميديا_سوريا #تلفزيون_سوريا pic.twitter.com/oQF3bAqKon
هل تدخل القصر الجمهوري في قرار الإقالة؟
أفادت مصادر خاصة من داخل الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون التابعة للنظام السوري، أن قرار إقالة مديري قناتي "الإخبارية" و"السورية"، أتى من القصر الجمهوري وليس من وزير الإعلام الحالي بطرس حلاق الذي كان يرغب في فرض عقوبات إدارية ومسلكية على العاملين الذين ارتكبوا أخطاء تعتبر مخالفة لسياسات النظام الإعلامية.
وذكرت المصادر أنَّ لونا الشبل هي من تدخلت في قرار الوزير وفرضت عليه قرار الإقالة، كما أنها هي من عيَّنت المديرين الجديدين لكل من قناتي "السورية" و"الإخبارية".
وقالت المصادر إن مديري القناة المقالين، إضافة إلى مدير المعلوماتية تم وضعهم تحت تصرف وزير الإعلام، مع احتمال إعادة مدير الإخبارية عبد الله حيدر إلى المركز الإذاعي والتلفزيوني في اللاذقية حيث كان يعمل قبل تعيينه مديراً للقناة في العام الفائت 2022.
وتدور في كواليس الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، وفقاً للمصادر ذاتها، أحاديث عن خلافات بين مضر إبراهيم مستشار وزير الإعلام السابق ومدير الإخبارية سابقاً وبين مدير القناة السورية عماد الدين إبراهيم الذي كان يعتبر أكثر انفتاحاً تجاه التعامل مع المتغيرات السياسية والإعلامية المتعلقة بالشأن السوري.
وأكدت المصادر أن وزارة الإعلام تعاني من خضوعها لتيارين متناقضين حول كيفية إدارة السياسة الإعلامية والتحريرية، الأول تتزعمه لونا الشبل مستشارة رئيس النظام ومضر إبراهيم وعدد من العاملين السابقين الذين كانوا محسوبين على الوزير السابق عماد سارة، والثاني وزير الإعلام بطرس حلاق الذي يحاول مواجهة التيار الأول لكن دون قدرته على فعل شيء حقيقي.
ما دور مدير الإخبارية السابق؟
الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون" أعلنت في 13 من تموز، إيقاف برنامج الكابتن، وجاء في بيان رسمي للهيئة، أنه "تم إيقاف برنامج الكابتن لحين الانتهاء من التحقيق في محتوى خبر خاطئ ورد في حلقة يوم الأربعاء على قناة دراما، وستتم معاقبة المسؤولين عن ذلك بموجب نتائج التحقيق".
مديرة قناة سوريا دراما هي أنسام السيد، ولم يرد اسمها نهائياً ضمن التبديلات الجديدة، ما يعني أن التحقيقات لم تنته بعد بخصوص قضية الكابتن التي قد تطيح بها وبالمسؤول عن صحيفة البعث مع عقوبات للقائمين على الإعداد في البرنامج، وفقاً لمصادر ضمن الهيئة.
أما بخصوص التعديلات الجديدة، وتحديداً فيما يتعلق بإقالة مدير الإخبارية السورية عبد الله حيدر، فقد جاء ذلك بعد قرار بتشكيل لجنة تحقيق في الرابع من الشهر الجاري على خلفية استضافة الباحث والكاتب المصري يوسف زيدان قبل نحو 10 أيام من تشكيل اللجنة.
شن مضر إبراهيم وهو مدير قناة الإخبارية الذي أقيل العام الماضي ليتم تعيين حيدر بدلاً منه، حملة على الإخبارية السورية ووزير الإعلام على خلفية ذلك وعلى خلفية بيان الإخبارية الذي بررت به استضافة زيدان.
إبراهيم كان يشن بين الحين والآخر عبر صفحته الشخصية انتقادات لاذعة لوزير الإعلام بطرس حلاّق الذي كان السبب بعزله من منصبه العام الماضي بعد أن انتقد قرار تعيينه بدلاً من عماد سارة.
ووجد إبراهيم باستضافة قناة إسرائيلية لصحفي فنزويلي من سوق الحميدية بدمشق بشكل مباشر عبر الإنترنت، مأخذاً جيداً للانتقاد، وكل ذلك عبر صفحته الشخصية.
في 2018 أقال حلاق مضر إبراهيم، وقد تزامنت الإقالة مع زلة وردت على الإخبارية السورية وصفت السوريين في تركيا بالمرتزقة، وعاد إبراهيم على صفحته الشخصية حينئذ ليؤكد من وجهة نظره أنهم "مرتزقة" على حد تعبيره، ما أطاح به وفقاً لأشخاص ضمن الهيئة، لكن فريقاً آخر يعزو عزله إلى توجه القصر نحو خطاب أقل حدية تجاه بعض القضايا ما لا يتناسب وشخصية مضر "الراديكالية".
تعيين مدير مقال أصلاً
سواء المدير المقال حديثاً أو المدير المقال السابق، فـللاثنين أخطاء أطاحت بهم، وحتى المدير الجديد للإخبارية الذي عيّن بدلاً من حيدر وهو محمد علي مصا، هو مقال أصلاً في السابق، إذ ارتكب عدة أخطاء عام 2018 ولم يصمد أكثر من عام واحد كمدير للإخبارية حينذاك.
أثار مصا الجدل بعد عدة أشهر من توليه إدارة الإخبارية عام 2018 عندما منع إحدى الضيفات من الظهور على شاشة الإخبارية بسبب لون شعرها الأزرق، وهي هيام سلمان رئيسة جمعية "أرسم حلمي" الفنية، وبعدها اتهم بالتقصير من قبل الوزير عماد سارة عند زيارة الرئيس السوداني السابق عمر البشير في العام ذاته.
يصفه من يعرفونه ضمن الإخبارية السورية بأنه لا يملك شخصية قوية للإدارة، ويراهنون على إمكانية بقائه، إلا في حال كان الوزير الحالي والحكومة بشكل عام يريدون شخصاً ينفذ فقط لا رجلاً ذا شخصية متسلطة مثل مضر إبراهيم.
أثبتت التجارب أن مؤسسات النظام الإعلامية غير قابلة للتغيير، وهي لم تتخل عن بلادتها في مراجعة الصواب من الخطأ، وبالتالي فإن الأخطاء التي "ينكشها" أحد ما، يتم النفخ فيها إن لم نقل صناعتها وتدبيرها في المكاتب الأمنية، ويتم الحديث عنها برعاية منها، ووفقاً لهذا لن تكون النزعة المستجدة من الشفافية التي تعتري هذه المؤسسات لكي تصرح باعتذاراتها للجمهور، سوى محاولة لإلباس المشهدية الأمنية الواضحة في كل ما يجري، بعضاً من الدانتيل الشفاف كنوع من التجميل، لعل هذا يُقنع السوريين بوجود شيء منسيّ منذ زمن طويل اسمه الصدقيَّة.