حيثيّات استدعاء بشار الأسد إلى موسكو

2024.07.28 | 05:28 دمشق

آخر تحديث: 28.07.2024 | 05:28 دمشق

4
+A
حجم الخط
-A

يبدو أنه بات بحكم التقليد أن يذهب بشار الأسد بسرية تامة، وفي جنح الظلام، إلى موسكو، من دون أي إعلان رسمي مسبق، سواء من جانب الروس أم من جانب نظام الأسد، وبعد أن يصل، وينهي الروس ما أرادوه من مجيئه، تقوم وسائل إعلام روسية رسمية بنشر تسجيل مصور، يظهر فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مصافحاً الأسد دون وفد مرافق له، ثم يجلس معه، وجهاً لوجه، إلى طاولة في إحدى غرف الكرملين، ليتحدث عن الأوضاع الدولية والإقليمية وعن العلاقات بين البلدين، ثم يأتي دور الأسد كي يتحدث عن متانة علاقة نظامه بروسيا، مع توجيه الشكر لبوتين شخصياً على ما قدمه لنظامه.

لا ترقى المرات القليلة التي ذهب بها الأسد إلى موسكو، منذ اندلاع الثورة السورية في منتصف مارس/ آذار 2011، إلى مصاف الزيارات الرسمية، ربما باستثناء زيارة 15 مارس/ آذار 2023، لأن الأمر يحدث بين الفينة والأخرى، وكأنه استدعاء من طرف فلاديمير بوتين، أي حين يتطلب الأمر إحضار الأسد شخصياً، بغية حثّه على اتخاذ خطوات في ملفات وقضايا، يتمنّع ويتهرب منها، وبالتالي يجب إسماعه بعض المطالب والأوامر والتعليمات، فضلاً عن رغبة موسكو في توجيه رسائل روسية إلى القوى الدولية والإقليمية الأخرى المتدخلة في الشأن السوري. وعليه، ليس هناك من سبب، أو ضرورة، لاستدعاء الأسد إلى موسكو هذه المرة، سوى دفعه للانخراط بجدية في مسار تطبيع العلاقة مع تركيا، وهو مسار يحرص بوتين على أن ترعاه بلاده منفردة، وبالابتعاد عن النظام الإيراني، الذي يبدو ممانعاً، وغير راغب في استبعاده عن خطوات هذا المسار.

لا ترقى المرات القليلة التي ذهب بها الأسد إلى موسكو، بعد 2011، إلى مصاف الزيارات الرسمية، لأن الأمر يحدث بين الفينة والأخرى، وكأنه استدعاء من طرف فلاديمير بوتين، أي حين يتطلب الأمر إحضار الأسد شخصياً، بغية حثّه على اتخاذ خطوات في ملفات وقضايا، يتمنّع ويتهرب منها، وبالتالي يجب إسماعه بعض المطالب والأوامر والتعليمات.

ليس دافع جلب الأسد إلى موسكو، هو اشتياق بوتين له، لأنه لم يراه منذ فترة طويلة، حسبما قال، ولا في اهتمام بوتين بمعرفة رأيه حول كيفية تطور الوضع في المنطقة، الذي يميل نحو التصعيد، إذ إن هناك طرقا أخرى غير الاستدعاء، كان من الممكن اللجوء إليها من أجل التعبير عن اشتياقه له أو معرفة رأيه الذي لا يجدي نفعاً لأحد في قضايا إقليمية ودولية، بالنظر إلى أن الأسد لا يمكنه فعل الكثير حيال تفاقم الأوضاع في المنطقة، خاصة إذا كان المقصود هو توسع رقعة الحرب الإسرائيلية على غزة، وامتداها إلى حرب بين إسرائيل وحزب الله اللبناني ومن خلفه النظام الإيراني، حيث حرص على النأي بنفسه عما يجري من حلاب إبادة في قطاع غزة، وأرسل إشارات مطمئنة لإسرائيل بأنه غير معني بشعار "وحدة ساحات المقاومة" الذي طالما كان يرفعه في السابق زيفاً ودجلاً.

لم يجد إعلام نظام الأسد سوى الحديث عن "زيارة عمل"، لكنه لم يتطرق إلى وقائع ما جرى للأسد في موسكو، حيث لم يظهر في اللقاء، بين بوتين والأسد، أي علم للنظام، كما لم يتم ترتيب مراسم استقبال رسمية، وعاد الأسد إلى مناطق سيطرته دون مراسم وداع، ودون أي حديث صحفي. كما لم يتردد الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، بالقول إنه لم يتمَّ توقيع أي وثائق بعد لقاء الأربعاء في الكرملين، بل إن الرئاسة الروسية تغاضت عن ذكر تفاصيل مجريات اللقاء الثنائي، والملفات التي طُرحت خلاله، الأمر يشير إلى وجاهة ما تحدثت عنه بعض الأوساط حول إبلاغ بوتين الأسد عن حاجة ملحة وضرورية للغاية لتسوية قضايا مهمة مع الطرف التركي، وضرورة أن تبدأ اتصالات بين الطرفين بدون شروط مسبقة، والسعي إلى تسوية الخلافات بينهما، بغية إنضاج الظروف لعقد لقاء مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث يتوقع خبراء روس عقده قبل نهاية العام الجاري، مستندين في ذلك إلى التحول الكبير في الخطاب السياسي الدبلوماسي بين دمشق وأنقرة، وإلى إصرار بوتين على تتويج خطوات التقارب بينهما، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، التي يعول فيها بوتين على فوز دونالد ترامب، الذي سيكون له تأثير كبير على الأوضاع في المنطقة.

تستعجل موسكو اكتمال خطوات التقارب بين أنقرة ودمشق لاعتبارات عديدة، تخص العلاقات المميزة بين موسكو وأنقرة، وتفاهمات أستانا وسوتشي وموسكو، ولا يملك بشار الأسد ممكنات، ومقومات، استمرار تصلبه أو ممانعته حيال التقارب مع أنقرة، فضلاً عن أنه ليس في وضع يمكنه من عدم تنفيذ توجهات بوتين.

اللافت هو تزامن اجتماع بوتين بالأسد مع تجديد وزير الخارجية التركي "هاكان فيدان" التأكيد على أنه "لا يوجد أي شرط مسبق جرى التواصل بشأنه"، وأن بلاده تسعى إلى "تطبيع العلاقات مع سوريا على غرار تطبيع العلاقات مع دول في المنطقة"، وأبدت استعدادها لبدء الحوار مع نظام الأسد على كل المستويات السياسية، بغية "حل المشكلات القائمة"، معتبراً أنها توجه دعوة قيّمة ومهمة جداً للاجتماع والتفاوض من أجل ذلك.

تستعجل موسكو اكتمال خطوات التقارب بين أنقرة ودمشق لاعتبارات عديدة، تخص العلاقات المميزة بين موسكو وأنقرة، وللتفاهمات التي عقدها الرئيسان بوتين وأردوغان حول الأوضاع في سوريا خلال السنوات السابقة، سواء من خلال تفاهمات أستانا أم تفاهمات سوتشي وموسكو، ولا يملك بشار الأسد ممكنات، ومقومات، استمرار تصلبه أو ممانعته حيال التقارب مع أنقرة، فضلاً عن أنه ليس في وضع يمكنه من عدم تنفيذ توجهات بوتين، الذي لا يمكنه الاستغناء عن دعمه وإسناده لنظامه، وبالتالي فإن عليه بلع اشتراطاته والمضي في خطوات اكتمال التقارب مع أنقرة، بما يعني صرف النظر عن مسألة الانسحاب العسكري التركي من شمالي سوريا. لكن بالمقابل، لن تتحقق رغبات أنقرة في أن يتعاون معها الأسد من أجل حل مشكلة اللاجئين السوريين الموجودين على أراضيها وتأمين هاجسها الأمني في منطقة شرقي الفرات ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وكل مخرجات حزب الاتحاد الديمقراطي، لأنه ببساطة لا يملك شيئاً كي يقدمه لها، فهو المسؤول عن تشريد ملايين السوريين، وقسد مدعومة من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.