تعيش بلدة سنجار وقراها شرقي إدلب في عزلة شبه تامة عن باقي مناطق سيطرة النظام السوري ومركز محافظة إدلب المؤقت في مدينة خان شيخون في الريف الجنوبي الغربي، بعد توقّف شبكات الاتصالات بشكل كلي، منذ بداية العام 2023، بسبب نفاد المحروقات المخصصة لتشغيل المولدات الكهربائية التي تغذي أبراج التغطية.
وغابت وسائل النقل العام والخاص، وأثّر غياب المحروقات على قطاعي العمل الزراعي والثروة الحيوانية أيضاً، وهي مهنة غالبية أبناء المنطقة التي تضم ما يزيد على 67 قرية ومزرعة على أطراف البادية السورية أقصى شرقي إدلب.
ويضطر بعض أبناء قرى سنجار للتوجه نحو التلال المرتفعة والقريبة من الحدود الإدارية مع محافظة حماة لالتقاط إشارة الاتصال واستقبال رسائل الغاز والمواد المدعومة، في حين يقف محافظ إدلب ثائر سلهب عاجزاً أمام المطالب المتصاعدة لأبناء المنطقة "المدللة" والتي تعيش أزمة معيشة هي الأولى من نوعها منذ أن وقعت تحت سيطرة قوات النظام، بداية العام 2018 في إطار معارك "شرق سكة الحجاز" والتي أطلقها النظام في العام 2017 بدعم من روسيا.
وتضم منطقة سنجار قرى: (أبو شرجي، أبو العليج، باشكون، كراتين الكبير، البرج، برنان، الدريبية، الدوادية، لويبدة شرقية، اعجاز، فحيل جلاس، فروان، غزيلة، حلبان، الحيصة، الجابرية، الجهمان، جب القصب، كفريا المعرة، كرسنتي، خيرية، خوين الشعر، خيارة، كراتين صغير، خيرية صغيرة، مغارة ميرزا، المكسر، مردغانة، المريجب، مريجب المشهد، المتوسطة، نباز، لويبدة شمالية، العوجة، قصر الأبيض، قطرة، ربيعة برنان، ربيعة موسى، رسم العبد، سنجار، صريع، الصيادي، الشعرة، الشيخ بركة، أم مويلات جنوبية، الصقيعة، تل دم، تل العوجة، تل حلاوة، تلعمارة، ثليجة، أم صهريج، أم تيني، سرجة)، إضافةً إلى قريتي حوا وصراع.
قبيلة الحديديين - عشيرة المعاطة
وتشكّل عشائر قبيلة الحديديين العربية والتي يزيد عددها على 50 عشيرة، الغالبية العظمى من سكّان قرى المنطقة التي عاد إليها سكانها بعد فترة وجيزة من سيطرة النظام، وذلك بسبب ولاء معظمهم للأخير، واشتراكهم على شكل "مجموعات عشائرية مسلّحة" في العمليات العسكرية التي أطلقها النظام نحو المنطقة، أواخر العام 2017، كما استفادت أعداد كبيرة من أبناء المنطقة من وساطات بعض مشايخ العشائر المقربين من النظام، وهو ما سهّل عودتهم بعد أشهر قليلة من سيطرة قوات النظام وميليشياتها، وخاصةً العائلات المتهمة بالعمل مع المعارضة السورية أو تلك التي كانت تقيم في مناطق سيطرتها خلال الفترة ما بين عامي 2012 و2017.
وتعتبر "عشيرة المعاطة" إحدى عشائر قبيلة الحديديين الأكثر قرباً من النظام، ويتوزّع القسم الأكبر من أبنائها بين قريتي (صراع وحوا) اللتين لا تزيد المسافة بينهما على 5 كيلومترات، وحوا هي الأكثر شهرة في المنطقة، وتقع إلى الجنوب الشرقي من مركز بلدة سنجار بمسافة 8 كيلومترات، ولا يزيد عدد سكانها على 5 آلاف نسمة لكنها الأهم مقارنة بمركز البلدة وباقي قرى المنطقة.
وذلك بالنسبة للنظام الذي أغدق عليها الدعم بمختلف أشكاله، في النواحي والقطاعات الزراعية وإعادة الإعمار والدعم الإغاثي، وفيها أعيد تفعيل أوّل مجلس محلي، مطلع العام 2019، وتوفرت فيها معظم الخدمات الأساسية، وكان ذلك مقابل خدمات أبنائها الذين شاركوا بفعالية كبيرة في المعارك ضد الفصائل المعارضة في عمليات "شرق السكة".
ومع بداية العام 2019، برز اسم إبراهيم جاسم اليوسف (أبو سطام) كأحد أشهر الوجهاء في عشيرة المعاطة وعموم العشائر التابعة لقبيلة الحديديين في قرى منطقة سنجار، وهو صاحب ثروة ضخمة جمع معظمها من تجارة الأسلحة والمخدرات وعمليات التهريب.
واستفاد "أبو سطام" من علاقاته بضبّاط في قوات النظام وقادة في الميليشيات المحلية بينهم أحمد درويش شيخ "عشيرة بني عز"، والذي كان أيضاً زعيماً للميليشيا المحلية في قرية أبو دالي، والتي سمّيت على اسمه وكانت واحدة من تشكيلات "قوات النمر" بزعامة سهيل الحسن، ومقابل خدماته كُلّف "الشيخ أبو سطام" برئاسة مجلس قرية حوا، وبقي في منصبه إلى أن توفي، العام الفائت 2022، بحادث سير قرب مدينة خان شيخون على الطريق الدولي حلب - دمشق (M5).
وفي الفترة ما بين العامين 2019 و2022 كانت قرى منطقة سنجار كإمارة مستقلة يحكمها "الشيخ أبو سطام" من معقله في قرية حوا، التي أصبحت وجهة وفود حكومة النظام و"حزب البعث" التي كانت تزور المنطقة في إطار الترويج للتعافي.
ونظم "الشيخ" على نفقته الخاصة مهرجان الريف بثلاث نسخ على مدار ثلاث سنوات، وافتتح مركزاً لتسجيل الآليات (المعاينة السنوية)، وصالة لبيع التجزئة، وكان له دور في أن يصب القسم الأكبر من دعم الجمعيات الإغاثية التي كانت تأتي إلى ريف إدلب في مستودعات مجلس البلدية في حوا، والذي وزّعها بطريقته على الموالين له، ولأبناء عشيرته والعشائر المقربة في القرى المجاورة.
وكانت شعبيته تتوسّع باستمرار بفضل علاقاته والامتيازات الأمنية التي منحه إياها النظام في ريف إدلب، كذلك كان للولائم والمناسبات التي رعاها بحضور محافظي إدلب ومسؤولين في "حزب البعث" وقادة في ميليشيات النظام، دور كبير في زيادة شهرته ضمن الأوساط العشائرية المحلية في منطقة سنجار.
مصدر محلي في سنجار قال لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّ "الشيخ أبو سطام كان محبوباً في مناطق سنجار، وتهابه الأوساط العشائرية في المنطقة، وكلمته عند قوات النظام نافذة، وقد استفاد أبناء عشيرته المعاطة، وعموم أبناء العشائر العربية هناك من علاقاته الواسعة مع قادة الميليشيات والأجهزة الأمنية ليسهل عودة أعداد كبيرة من العائلات إلى قراها، ويعيد قسماً من أراضيهم التي تسيطر عليها مجموعات مسلحة تتبع للميليشيات، أو تلك التي وضعها مجلس المحافظة ضمن المزادات العلنية، وبموته ساد الحزن في أوساط محبيه الذين اختاروا ابنه الأكبر سطام لرئاسة مجلس البلدة ليكمل مسيرة والده".
في قرية حوا مسقط رأسه، دُفن "الشيخ أبو سطام" الذي فارق الحياة بعد يومين من الحادث المروري، واستقبل أبناؤه وأبناء عشيرته المعاطة في حوا آلاف المعزين من شيوخ العشائر والقبائل والمسؤولين في حكومة النظام و"البعث" والميليشيات، وتسابق ناظمو الشعر لإلقاء قصائد الرثاء بحق "الشيخ"، إذ ألقى مرافقه الشخصي ومدير مكتبه الإعلامي تيسير الحسين قصيدة جاء فيها:
حيفي على الدنيا والفارس ترجل
عن صهوة الدهيمة تسابك الريح
مال البخت واتكنطر خيال الأول
وأفلت عنان الهذبة الجموح
يا حيف ابو سطام الشيخ المدلل
مجندل بالفلا وحدا جريح
ويا حيف على كتاف الرفاق يتحمل
ومن خلفه نايحة تندب تصيح
السلطات الواسعة والمزايا التي تمتع بها "أبو سطام" ومن بعده ابنه (سطام إبراهيم جاسم اليوسف) الذي تولّى رئاسة البلدية وموقعه العشائري، لم تكن بفضل علاقاته وتشكيله ميليشيا عشائرية تقاتل إلى جانب قوات النظام وحسب، فالشيخ أحد أقارب اللواء المتقاعد جمعة محمد الجاسم، القائد السابق لإدارة المدفعية والصواريخ في قوات النظام، والجاسم من مواليد 1954 في قرية صراع القريبة من قرية حوا، وينتمي إلى عشيرة المعاطة أيضاً.
اللواء المتقاعد جمعة محمد الجاسم
وقد أُحيل اللواء جمعة الجاسم إلى التقاعد، في آب 2018، وخلفه اللواء أكرم تجور في قيادة إدارة المدفعية والصواريخ، أي بعد أشهر قليلة من انتهاء معارك شرق السكة التي قاد "الجاسم" أحد محاورها، وكان من المقرّر أن يُحال للتقاعد في العام 2014، إلا أن ابن قبيلته (الحديديين)، وهو وزير الدفاع السابق في نظام الأسد، فهد جاسم الفريج، احتفظ به ليواصل ارتكاب الجرائم والانتهاكات وعمليات القتل والتدمير التي طالت آلاف المدنيين ومنازلهم وتدمير البنى التحتية للمناطق الآهلة بالسكّان، نتيجة استخدام سلاحي المدفعية والصواريخ (متوسطة وبعيدة المدى).
اللواء المتقاعد تحوّل إلى شيخ عشيرة المعاطة وأصبح لديه مضافة في قرية صراع التي ترأس مجلس بلديتها أحد إخوته، لكن "الجاسم" كان يُفضّل دعم ابن عمه "الشيخ أبو سطام" في حوا، ليبقى هو بعيداً عن الواجهة باعتباره "مجرم حرب"، وسبق لـ"الجاسم" أن جمع أبناء عشائر الحديديين في حوا، أواخر العام 2020، وطلب منهم المشاركة في المعارك ضد تنظيم الدولة في البادية السورية، كما حصل "الجاسم" لأبناء قبيلته على إذن من النظام يسمح لهم باقتناء أنواع مختلفة من الأسلحة مقابل مشاركتهم حين الطلب في المعارك ضد "التنظيم".