عيّن النظام ثائر سلهب محافظاً جديداً لإدلب خلفاً للواء محمد نتوف الذي أطاح به مدير الخدمات الفنية عزام قطيع بعد صراع بينهما وصل حد الضرب، وكانت هجمات الأخير على نتوف تتركز حول سرقة مجلس المحافظة ونتوف الدعم الأممي ودعم المنظمات المخصص لأبناء المنطقة، والنفوذ الكبير للميليشيات وتدخلها في كل كبيرة وصغيرة في المنطقة التي وعد النظام بتهيئتها لاستقبال العائدين إلى منازلهم.
وكثّف سلهب من جولاته مع مختلف الفاعلين والمتنفذين في المنطقة، في محاولة للترويج بأنه مختلف عمن سبقه للمنصب، وأنه مهتم بجهود إحياء المنطقة خدمياً وزراعياً، لكن مصادر موقع تلفزيون سوريا أوضحت حقيقة الواقع في أرياف المحافظة التي سيطرت عليها قوات النظام في المعارك الأخيرة.
وتسلم ثائر سلهب أواخر تشرين الثاني/نوفمبر عمله محافظاً للنظام في إدلب خلفاً للواء محمد نتوف والذي استمر في منصبه لعام واحد تقريباً، وقبل أن يبدأ عمله في المقر المؤقت لمجلس المحافظة في خان شيخون جنوبي إدلب، زار سلهب قيادة العمليات العسكرية الروسية في منطقة معرة النعمان في ريف إدلب الشرقي، والتقى سلهب الضباط الروس ورئيس اللجنة الأمنية والعسكرية في إدلب اللواء ميلاد جديد وقادة في ميليشيا الفرقة 25 مهام خاصة (قوات النمر).
ينحدر ثائر سلهب من محافظة حماة، وكان يشغل منصب عضو المكتب التنفيذي لقطاع المحروقات في المحافظة، وهو متهم بالعديد من قضايا الفساد والرشوة خلال سنوات عمله في قطاع المحروقات، وكان واحداً من بين أربعة محافظين جدد عينهم النظام خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر.
في انتظار سلهب تركة ثقيلة من الفساد والصراعات الداخلية بين العسكر والقوى الأمنية والحزبية في المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد في ريف إدلب، والتي خلفها له المحافظ السابق اللواء نتوف، والذي تسلم منصبه رسمياً في تشرين الأول/أكتوبر من العام 2020، وذلك بعد عمله كمكلف بتسيير أعمال المحافظة على مدى أربع سنوات تقريباً، في الفترة بين عامي 2015 و2019.
منصب شكلي
ما يزال منصب محافظ إدلب شكلياً ولا يتمتع بالصلاحيات اللازمة لإحداث تغييرات جدية في المناطق التي ما تزال مصنفة على أنها عسكرية، وذلك على الرغم من نقل نظام الأسد لمقر المجلس والمكاتب الخدمية التابعة له منذ مطلع العام الحالي 2021 من مدينة حماة إلى خان شيخون جنوبي إدلب.
ويتمتع مسؤولون في "حزب البعث" و"الرابطة الفلاحية" والقوى الأمنية (الأمن السياسي والعسكري والمخابرات) و"قوات النمر"، بصلاحيات ونفوذ أوسع وبعضهم يملك سطوة أقوى وأكثر تأثيراً من سطوة المحافظ الذي يحتاج إلى موافقة أمنية وعسكرية لكي يجري جولاته في مناطق إدلب الواقعة تحت سيطرة النظام، وهي كالمعتاد بغرض الترويج لعودة الحياة وإنعاش المنطقة التي تقدم نحوها النظام خلال العامين الماضيين.
التقرب من القوى المتنفذة
خلال الأسبوع الأخير من شهر تشرين الثاني/نوفمبر استقبل سلهب الوفود الرسمية وممثلي المنظمات بمناسبة تسلم مهامه محافظاً، ورعى سلهب احتفالية يوم الثقافة ومهرجان "أبي العلاء المعري" الخامس عشر، في المركز الثقافي بمدينة حماة، واستمرت الفعاليات على مدار ثلاثة أيام وتم في ختامها زيارة ضريح المعري في مدينة معرة النعمان، والتقى سلهب خلال الزيارة بزعيم ميليشيا "قوات النمر" سهيل الحسن.
وحضر سلهب اجتماع لجنة المحروقات الفرعية في مبنى المحافظة المؤقت في خان شيخون، وحدد آليات توزيع المحروقات بما فيها مخصصات الفلاحة للمزارعين، والتقى سلهب بأكثر الشخصيات نفوذاً في المنطقة، من بينهم رئيس اتحاد الفلاحين في إدلب، خالد الضاهر، وهو "بعثي عتيق" وكان الذراع اليمنى للمحافظ السابق اللواء نتوف، كما التقى ممثلين عن عدة منظمات محلية وأممية وممثلين عن الهلال الأحمر.
والتقى سلهب رئيس مجلس مدينة إدلب السابق والذي يشغل منصب مدير الخدمات الفنية حالياً، عزام محمد قطيع، ويعتبر قطيع الرجل الأكثر نفوذاً في مجلس المحافظة، والذي كان على عداء متواصل مع نتوف، ومن بين اللقاءات الأهم لسلهب مع وجوه عشائرية، كان لقاؤه مع أحمد درويش في قرية أبو دالي (زعيم ميليشيا الدرويش) التابعة للدفاع الوطني، وهو عضو مجلس شعب سابق.
دعم القطاع الزراعي
يركز إعلام نظام الأسد، ومجلس محافظة إدلب على مسألة دعم القطاع الزراعي في مناطق إدلب التي يسيطر عليها، وهو القطاع الأهم الذي من المفترض أن يسهل عودة النازحين الموالين المنتشرين في عدة محافظات إلى بلداتهم، وبشكل خاص مناطق شرقي سكة الحجاز وريف إدلب الشرقي بالعموم، وهي مناطق سيطرت عليها قوات النظام في وقت مبكر من العام 2018 بعد أن زحفت قوات النظام والميليشيات الموالية بدعم روسي من قرية أبو دالي في الجنوب الإدلبي نحو مناطق الشمال الممتدة حتى مطار أبو الظهور العسكري.
ومن المفترض أن تسمح قيادة العمليات الروسية (قيادة العمليات البرية الروسية) المتمركزة في مدينة معرة النعمان بإزالة جزء من المناطق والقرى من قائمة التصنيف على أنها منطقة عسكرية يحظر دخولها، وبالتالي سيسمح للنازحين بدخول عدد من البلدات على جانبي الطريق إم5 في المنطقة الممتدة من خان شيخون جنوباً وحتى المشارف الجنوبية لمدينة معرة النعمان، بالإضافة إلى ريف معرة النعمان الشرقي ذي الطبيعة الزراعية بسبب المساحات الشاسعة من السهول.
وقالت مصادر متطابقة لموقع تلفزيون سوريا: "في السنوات التي كان فيها اللواء نتوف مكلفاً بتسيير أعمال المحافظة، وفي السنة التي تولى فيها رسمياً مهام المحافظ، أي بين العامين 2020 و2021، كان الترويج لعودة النازحين إلى ديارهم مخادعاً، ولا وجود له على الأرض بالشكل الذي كان يسوق له النظام، وذلك لعدة أسباب، أهمها، سرقة اللواء نتوف ومجموعة من المتنفذين القسم الأكبر من الدعم (الأسمدة والبذار والآليات الزراعية) وتخصيص قسم كبير من مواد الدعم التي قدمتها مؤسسات تابعة للأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى عن طريق الهلال الأحمر السوري لزراعة أراضي المهجرين في أكثر من 100 قرية وبلدة كان المحافظ نتوف ورئيس اتحاد الفلاحين خالد الضاهر وقائد ميليشيا الدرويش، أحمد درويش وبالشراكة مع عدد من قادة الميليشيات التابعة لقوات النمر يستثمرونها".
وأضافت المصادر أن شراكة الفساد التي ضمت المحافظ السابق نتوف مع وجهاء وقادة ميليشيات عشائرية وأعضاء في حزب البعث وشخصيات عسكرية وأمنية، منعت عودة النازحين من أبناء المنطقة، وما تزال عشرات القرى شبه خالية من سكانها في ريفي سنجار وأبو الظهور وريف خان شيخون، بسبب الواقع الأمني وغياب الخدمات كالمياه والكهرباء وتعطل الصرف الصحي.
وعلى سبيل المثال، ما تزال المياه مقطوعة في معظم أحياء مدينة خان شيخون حيث تمت إقامة مقر المحافظة، وشبكات الصرف الصحي المتضررة منذ أن دخلتها قوات النظام ما تزال على حالها، ولم تجرِ أية عمليات ترميم جدية حتى الآن بعكس ما يروج له النظام بأن المنطقة وريف إدلب الذي يسيطر عليه جاهز لاستقبال النازحين، والذين تورط بعضهم بالعودة ولكنهم سرعان ما غادروا المنطقة بعد أن رأوا الوضع على حقيقته.
تضيف المصادر: "الترهيب وتخويف النازحين الموالين من العودة صب بطبيعة الحال في صالح القوى المتنفذة التي تستثمر في أملاكهم وأملاك المهجرين من المعارضين، كما استفاد من الوضع الحالي عناصر قوات النظام والميليشيات والذين استقدم بعضهم عائلاتهم ليسكنوا في المنطقة بالقرب من مناطق خدمتهم العسكرية في إدلب بسبب توفر مساكن ومنازل فارغة ولتقليل مصاريف السفر، كما تتوفر مصادر عيش أفضل لعائلات العناصر من خلال الزراعة وأعمال التعفيش (تفكيك كسوة المنازل من حديد أسقف وأبواب ونوافذ وأرضيات بلاط وسيراميك)".
قطيع أطاح باللواء نتوف
كثرت الشكاوى على المحافظ السابق اللواء نتوف من وجهاء محليين خارج دائرة الفساد والهيمنة التي كانت نتوف محورها خلال السنوات الماضية، واصطدم اللواء نتوف مع مدير الخدمات الفنية عزام قطيع في شهر تشرين الأول/أكتوبر، ووصل الصدام بينهما إلى الضرب وتوجيه الشتائم، ورفع نتوف حينها دعوى ضد قطيع الذي لم يكن راضياً عن أداء نتوف ومجلس المحافظة الذي يسرق الدعم الأممي ودعم المنظمات المخصص لأبناء المنطقة، وكان حانقاً بشدة بسبب النفوذ والهيمنة الواسعة للميليشيات وتدخلها في كل كبيرة وصغيرة في المنطقة التي وعد النظام بتهيئتها لاستقبال العائدين إلى منازلهم.
في 13 تشرين الأول/أكتوبر أسقط المحافظ السابق اللواء نتوف حقه عن رئيس الخدمات الفنية عزام قطيع بعد تدخل وجهاء وقادة ميليشيات، وذكر موقع مجلس محافظة إدلب في فيس بوك "أبناء محافظة إدلب يقدرون لسيادة المحافظ استجابته لجاهتهم وإسقاط حقه الشخصي عمن أساء له تيمنا بمواقف سيد الوطن سيادة الرئيس الدكتور بشار حافظ الأسد".
وأضاف المنشور: "باسم أبناء مدينة إدلب ورموزها الوطنية وباسم كل الوطنيين والشرفاء من أبناء محافظة إدلب الحبيبة، نتوجه بالشكر الجزيل لصاحب القلب الكبير رجل المواقف ورجل العفو عند المقدرة والذي استجاب لنداء أهالي إدلب وطلباتهم المتمثلة بالعفو والتنازل عن الحق الشخصي لما تعرض له من إساءة".
يبدو أن مدير الخدمات الفنية عزام قطيع استطاع الإطاحة بالمحافظ السابق بعد فترة قصيرة من الصدام المباشر بينهما، وسهل تسلم ثائر سلهب، وبينهما معرفة سابقة بحكم إقامة قطيع في حماة التي كان فيها المقر السابق للخدمات الفنية التابعة لمحافظة إدلب، ومن المفترض أن يغير سلهب في منظومة العمل ويدعم الخدمات والقطاع الزراعي وقد بدأ بالفعل بإجراء جولات مكثفة روج لها إعلام النظام كثيراً خلال الأسابيع القليلة الماضية.