أطلقت حكومة الإنقاذ العاملة في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام مشروعاً لإصدار بطاقات شخصية للسكان، في خطوة رحب بها كثيرون لأنه وخلال عقد من الزمن وُلد جيل كامل بلا أوراق ثبوتية ولا بطاقات شخصية، وسط معوقات في آلية العمل ستواجه بعض المواطنين، وغموض في تفاصيل المشروع.
وفي حين رفضت "حكومة الإنقاذ" تقديم توضيحات بشأن الآلية التي سيتم العمل بها لإصدار البطاقات الشخصية، حصل موقع تلفزيون سوريا من مصادر خاصة على تفاصيل أوسع.
ويعد امتلاك بطاقة شخصية حق لكل فرد حول العالم تتكفل حكومة بلده بمنحه إياه، إلا أن عشرات الآلاف من السوريين باتوا بلا بطاقات شخصية ولا أوراق ثبوتية منذ انطلاق الثورة السورية، حيث باتت زيارة أي مؤسسة حكومية لإجراء أي معاملة مهما كانت بسيطة قد تودي بصاحبها للاعتقال من قبل قوات نظام الأسد والفروع الأمنية التابعة له.
حاول موقع تلفزيون سوريا التواصل مع "حكومة الإنقاذ" للحصول على توضيحات بشأن آلية استخراج البطاقات الشخصية والتحقق من هوية الأشخاص ومكان سكنهم وقيمة رسم الحصول عليها، لكن "الإنقاذ" رفضت الإدلاء بأي تصريح في الوقت الحالي.
محمد سنكري مدير الإعلام في حكومة الإنقاذ نشر نموذج البطاقة الشخصية على صفحته على فيسبوك، وعاود حذفها فيما بعد لأسباب خاصة.
وأكد السنكري لموقع تلفزيون سوريا أن هذا النموذج هو المعتمد للبطاقة الشخصية التي شرعت "حكومة الإنقاذ" بإصدارها.
أسباب التأخر في إصدار البطاقة الشخصية في إدلب
قالت مصادر في "حكومة الإنقاذ" لموقع تلفزيون سوريا إن إصدار البطاقة الشخصية كان خلاصة لجهود "كبيرة" في موضوع التثبت من هوية الأشخاص وتنظيم عمل أمانات السجل المدني في المنطقة.
حيث قسمت "الإنقاذ" إدلب وريفها إلى 25 أمانة سجل مدني تتوزع على المدن والبلدات التي تسيطر عليها، إضافة إلى أماكن وجود النسبة العظمى من مهجري كل منطقة من إدلب، وجميعها تمتلك "الإنقاذ" كل سجلاتها التي كانت بحوزة المؤسسات الحكومية قبل انطلاق الثورة.
أما فيما يتعلق بالمهجرين من المحافظات الأخرى، فبعضهم استطاع نقل الملفات الموجودة في أمانات السجل المدني عند تهجيرهم.
وأحدثت الإنقاذ 6 أمانات للشؤون المدنية للمهجرين من المحافظات السورية تتوزع على الشكل التالي:
- أمانة السجل المدني لمهجري محافظتي اللاذقية وطرطوس في بلدة بداما بريف جسر الشغور
- أمانة السجل المدني لمهجري حمص في مدينة إدلب
- أمانة السجل المدني لمهجري محافظات درعا والقنيطرة وحماة في بلدة قاح بريف إدلب الشمالي
- أمانة السجل المدني لمهجري محافظات الرقة ودير الزور والحسكة في مدينة سلقين
- أمانة السجل المدني لمهجري مدينة حلب وريفها في كل من سرمدا والدانا
- أمانة السجل المدني لمهجري دمشق وريفها في بلدة الفوعة
"الإنقاذ" تجمع بيانات الأجانب
تجاوزت الإنقاذ العقبة الأكبر في طريقها والتي تتمثل بتسجيل المهاجرين الأجانب من المقاتلين وعائلاتهم من مختلف البلدان إضافة للمهجرين الفلسطينيين والعراقيين، حيث أحدثت الإنقاذ ما سمته "دائرة المهاجرين الأجانب" واستطاعت بذلك الحصول على بيانات الأجانب والتي كانت تعتبر عقبة كبيرة أمامها في ظل تحفظ أولئك على تقديم أي معلومة خاصة بهم لأي جهة.
في حين أفادت مصادر موقع تلفزيون سوريا بوجود مقاتلين أجانب من 56 دولة حول العالم في إدلب يقدر عددهم مع عائلاتهم بما لا يتجاوز خمسة آلاف شخص، جميعهم أجبر على تقديم أوراقه الثبوتية لحكومة الإنقاذ في إدلب.
بطاقات شخصية بشريحة إلكترونية
تتميز البطاقات الشخصية الصادرة عن حكومة الإنقاذ بالتقنية، بحسب مطلعين، فهي تحوي شريحة إلكترونية ذكية تدرج كل بيانات حاملها عليها وذلك بهدف ربطها بالنظام الإلكتروني الشامل الذي تعمل الإنقاذ على تجهيزه لربط كل مؤسساتها ببعضها البعض والتخلص من المعاملات الورقية فيما بعد.
ماذا يفعل المواطن الذي لا يمتلك إخراج قيد؟
أيضاً تتمتع البطاقة الشخصية الصادرة عن الإنقاذ بالدقة، فهي لا تمنح لأي شخص دون امتلاكه إخراج قيد صادر عن أمانات السجل المدني التابعة لها، وإخراج القيد بدوره لا يمنح إلا بعد الرجوع لسجلات أمانات السجل المدني التي كانت في الدوائر الحكومية قبل سيطرة المعارضة عليها.
وبالنسبة للمهجرين من المناطق السورية التي لا تمتلك الإنقاذ نسخاً عن سجلاتها المدنية، فسيتم منح إخراج القيد للشخص بعد إجراء ضبط مخفر ودراسة أمنية موسعة يتم التأكد خلالها من هويته عبر أشخاص تابعين لها من منطقته.
وتضيف الإنقاذ في البطاقة الشخصية الصادرة عنها ذكر اسم جد الشخص أيضاً وذلك من أجل تنسيب الأشخاص وإرجاع كل شخص لشجرة عائلته، وللتقليل من تشابه الأسماء بين الأقارب.
كل تلك الميزات تمنح الأفضلية للبطاقة الشخصية الصادرة عن "حكومة الإنقاذ" على حساب البطاقات الشخصية التي صدرت عن المجالس المحلية في شمال وشرق حلب، والتي تلقت عدة ضربات في موثوقيتها عندما حصل عليها العديد من منتسبي ومتزعمي تنظيم الدولة بعد تغيير أسمائهم.
وكانت عبارة عن بطاقات شخصية مزيفة لا تمثل هوية أصحابها الفعليين، وأبرز أولئك الأشخاص هو القيادي السابق في تنظيم داعش فايز العكال الذي استخدم بطاقة مزيفة صادرة عن مجلس بلدة أخترين في ريف حلب الشرقي، قبل أن يقتل بطائرة مسيرة تابعة للتحالف الدولي في 20 حزيران 2020 استهدفت دراجته النارية بالقرب من مدينة الباب.
العكال الذي شغل منصب والي الرقة لدى تنظيم داعش كان يحمل هوية تركية باسم "أحمد الدرويش بن حسين"
أبرز المعوقات
تعتبر أبرز المعوقات التي تواجهها الإنقاذ في قضية البطاقات الشخصية هي في تنسيب وتأصيل أبناء المقاتلين الأجانب الذين تزوجوا من سوريات دون التصريح بأسمائهم الحقيقية، واقتصارهم على التعريف بأنفسهم بالكنى، وعلى الرغم من أن أعدادهم قليلة لكنها تمثل مشكلة كبيرة وتحديا كبيرا للإنقاذ التي تسعى لتحقيق المصداقية في البطاقات الشخصية الصادرة عنها.
في ريفي حلب الشمالي والشرقي وخصوصاً في مدينة الباب وريفها حيث كان يسيطر تنظيم داعش، تقول مصادر موقع تلفزيون سوريا إن مشكلة تنسيب أبناء المقاتلين الأجانب غير المصرحين بأسمائهم الحقيقية حلت بطريقة زادت من تعقيد المشكلة ستنتج عنها نتائج كارثية في المستقبل.
وأوضحت المصادر أن الأولاد نُسبوا إلى أخوالهم أو أجدادهم فأصبح الولد أخاً لأمه أو أن والده شقيق والدته، وهو ما يعني تدمير الأنساب ومشكلات في الحقوق والميراث والزواج فيما بعد.
لاقى مشروع إصدار البطاقات الشخصية الترحيب من السكان الذين يعاني كثير منهم بسبب فقدانه للأوراق الثبوتية الشخصية، والمشكلات التي يواجهها السكان عند إجراء المعاملات الرسمية وتسلّم الحوالات المالية والتنقل بين المناطق وغيرها من الأمور.
لكن بعضهم استنكر الإشاعات التي دارت حول نية حكومة الإنقاذ منح البطاقة مقابل مبلغ مالي مقداره دولاران ونصف الدولار، معتبرين أن البطاقة الشخصية حق المواطن ويجب أن يحصل على هذا الحق بالمجان دون أي رسوم.
ولم يستطع موقع تلفزيون سوريا التأكد من صحة تلك الشائعات بسبب رفض حكومة الإنقاذ الإدلاء بأي تصريح بخصوص البطاقات الشخصية.
أيضاً انتقد بعض المواطنين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي غياب علم الثورة السورية من البطاقة وطالبوا بتعديل التصميم ووضع العلم على البطاقة مستنكراً غيابه.