icon
التغطية الحية

حزب الله والنظام السوري.. تاريخ من التباينات والتحالف المصلحي

2024.09.29 | 07:22 دمشق

آخر تحديث: 29.09.2024 | 10:37 دمشق

53
صورة أرشيفية - AFP
تلفزيون سوريا - صهيب جوهر
+A
حجم الخط
-A

شكل اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، أحد أبرز أحداث العقد الحالي، وخاصة أن نصر الله ومن خلفه حزب الله لعبوا أدواراً تجاوزت الجغرافيا اللبنانية وتحديداً في مناطق متعددة في الإقليم، وأحد أبرز محطاتها في سوريا وتحديداً منذ اندلاع الثورة السورية. من هنا لا بد من قراءة العلاقة المتصلة بين الحزب والنظام السوري من عهد حافظ الأسد وصولاً لعهد ابنه بشار.

لمحة عامة

فمع بدء انحسار وتيرة المعارك في سوريا، عادت الأنظار مجدداً تتجه صوب الأطراف السياسية التي ضمنت بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة، وفي مقدمتها إيران وحزب الله اللبناني الموالي لها. هذان الطرفان مارسا دوراً حاسماً في لعبة البقاء هذه، مما عزز وجهة النظر التي تستبعد احتمال إقدام النظام السوري على مخالفة عميقة للأجندة السياسية الإيرانية.

لذا فإن أحداث الماضي تعتبر مفتاحاً لفهم وقائع الحاضر، وعلى الرغم من أن الطلاق السوري مع إيران وحلفائها ليس وارداً رغم ابتعاد الأسد الابن عن إيران في معركة طوفان الأقصى، فإن العلاقات معهم أكثر تعقيداً مما يبدو على السطح.

ففي مراحل سابقة مختلفة، كان الطرفان لا يثق بعضهما ببعض، ولديهما تضارب في الأهداف. كان الإحساس العميق بديناميكيات القوة وموازينها هو الواقع الذي يحرك توجهاتهما. كما أن سلوكهما كان يتحدد أساساً بالمصالح السياسية، حتى حين لا تتداخل هذه المصالح.

من هنا فإن الصلات بين سوريا وحزب الله تكمن في جوهر العلاقات السورية - الإيرانية. فطوال زهاء أربعة عقود، كانت الروابط بين سوريا "الأسد" والحزب إياه تجسد أيما تجسيد طبيعة الديناميكيات بين دمشق وطهران. والتوترات كانت تندلع حين تشعر سوريا أو حزب الله أن أحدهما يتعدى على سلطة الآخر.

ديناميكيات متحركة

وفي ثمانينيات القرن الماضي، إبان الحرب الأهلية اللبنانية، انغمس الطرفان في أتون النزاعات، حين تحدى حزب الله حلفاء الأسد الأب وأهدافه. وحين وضعت الحرب أوزارها في مطلع العام 1990، وافق حزب الله على واقع التفوق السوري، ووازن ببراغماتية بين المصالح السورية والإيرانية، على الرغم من الاضطراب الذي شاب علاقته مع دمشق حين كان أحدهما يعتقد أن الآخر يتجاوز خطوطه الحمراء.

كانت إيران وحزب الله يشعران بالقلق من احتمال أن يهدد نجاح المفاوضات السورية - الإسرائيلية مصالحهما في لبنان، في حين كانت دمشق غير مستعدة للاعتراف بهذه المشاغل، حتى حين كانت تستخدم قدرات حزب الله كورقة ضغط ضد إسرائيل.

وبحسب نائب مدير مركز كارنيجي للدراسات مهند الحاج علي، فإنه وعلى الرغم من أن نظام بشار الأسد رحب بتدخل حزب الله في سوريا مطلع العام 2012، فإنه لم يفعل ذلك عن طيب خاطر. والحال أن إيران وحزب الله أرسيا قواعد نفوذ في دمشق باستقلالية عن مؤسسات الدولة، خاصة في أوساط الأقلية الشيعية في البلاد، وفي قطاعات محدودة من الطائفتين السنية والعلوية. الأمر الذي اعتبره نظام الأسد تعدياً على سلطته وسيادته.

وبحسب الحاج علي، فإن النظام السوري كان يدرك أن إيران وحزب الله يسعيان من خلال حمايته إلى الحفاظ على مصالحهما الخاصة في سوريا ولبنان. بيد أن الوضع في سوريا تبدل.

ووفق الباحث اللبناني، فإن التدخل الروسي في العام 2015 غيّر كيفية تعاطي النظام السوري مع حزب الله وإيران، بعدما شعر هذا الأخير أن ثمة فرصة كي يعيد تأكيد سلطته. والحصيلة المحتملة لذلك هي العودة إلى العلاقات التي كانت قائمة قبل الحرب، بدلاً من احتمال بروز تحولات جذرية في العلاقات بين سوريا وحزب الله.

حزب الله والنظام من النشأة حتى الثورة السورية

خلال العقود الثلاثة التي سبقت تموضع حزب الله في سوريا، كانت علاقات الحزب مع النظام انعكاساً لمراحل الصعود والهبوط في تحالف دمشق وإيران. وفي حقبة الثمانينات، تطورت روابط سوريا وحزب الله، في حين كانت إيران تحاول تصدير "ثورتها الإسلامية".

خلال أوقات متباينة، كانت أجندات النظام وحزب الله تتناقض، مما أسفر عن فترات قصيرة من العنف. لكن في نهاية الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990، تبدلت الأحوال. فقد قَبِل حزب الله الدور المهيمن لسوريا في لبنان، وحوّل تركيزه، اتساقاً مع تفضيلات دمشق، نحو منازلة الاحتلال العسكري الإسرائيلي لجنوبي لبنان.

وفي العام 2005، حين انسحبت القوات السورية من لبنان، كان حزب الله يحمي مصالح دمشق في البلاد، في الوقت نفسه الذي كان يُحسن فيه بشكل كبير نفوذه هناك.

غداة الانسحاب السوري، لعب حزب الله دوراً رئيساً في العمل على تحييد خصوم النظام السوري اللبنانيين سياسياً، في حين كان يحشد في الوقت نفسه حلفاء دمشق اللبنانيين. وهكذا، دشن الحزب مرحلة جديدة في علاقته مع النظام السوري، لم يعد هو فيها الطرف الثانوي. حيث وضع الانسحاب خاتمة لسيطرة الأسد ونظامه المطلقة على لبنان، فسعى حزب الله لملء الفراغ الذي خلفه ذلك، بفضل النفوذ السياسي الذي وفّرته له إمكاناته العسكرية وقدرته على تعبئة الطائفة الشيعية.

وهذا الأمر جعل حزب الله يتمتع باستقلالية ذاتية في عملية صنع قراراته، مع الاحتفاظ بتحالفه مع النظام السوري. والواقع أنه مرت أوقات كانت سوريا هي التي تحذو حذو سياسات الحزب. وهذا اتضح في صيف 2006، حين انخرط حزب الله وإسرائيل في حرب دامت 34 يوماً. خلال هذه الحرب، فتح النظام السوري ترساناته الخاصة لتزويد الحزب بأسلحة للمرة الأولى، بما في ذلك صواريخ من عيار 220 و302 ملليمتر.

كان هذا مفاجئاً لإسرائيل، باعتبار أن دمشق كانت تأمل ألا ينكسر حزب الله من جراء هذا النزاع، معززة بذلك ثوابت علاقتها معه: وهي أن الحفاظ على قوة أحد الطرفين، يتطلب ضمان ألا تنال منه عوامل الضعف والوهن.

الثورة السورية: اختبار التحالف الاستراتيجي

مع اندلاع شرارة الثورة السورية، بات نظام الأسد معتمداً على حزب الله وإيران للحفاظ على البقاء، مما حول ميزان القوى أكثر لصالحهما. وكان رد الفعل العنيف للنظام على احتجاجات 2011 قد أدى إلى عزلته إقليمياً ودولياً. وحين بدأ يخسر مساحات شاسعة من الأراضي في العام 2012، قرر حلفاؤه التدخل عسكرياً، وخاصة أن حزب الله لعب دوراً كبيراً في قرار إيران دعم الأسد. لكن دور الحزب لم يتمحور أساساً حول إعادة بناء وتعزيز قدرات قوات النظام، بل المساعدة على إقامة مؤسسات موازية على غرار الميليشيات المؤيدة للنظام. وهذا كان استنساخاً لما فعله حزب الله في لبنان، أي بناء مجموعات مسلحة.

في ذلك الحين، دخل التحالف بين حزب الله والنظام مرحلة جديدة لم يكن فيها الحزب يملي شروط العلاقة وحسب، بل كان لديه أيضاً فرصة توسيع نفوذه الأيديولوجي والعسكري والسياسي داخل سوريا نفسها.

وبحسب الحاج علي، فإن القتال في سوريا بالنسبة إلى حزب الله وإيران كان فرصة ليس فقط لزرع موطئ قدم في ذلك البلد عبر الميليشيات الشيعية المحلية، بل أيضاً لتسهيل أي تدخل إيراني مستقبلي في الشرق الأوسط، من خلال تدريب ميليشيات غير سورية موالية لإيران.

ويضيف الباحث اللبناني أنه مع نهاية العام 2013، أصبحت الجماعات المسلحة الشيعية في سوريا أكثر ظهوراً، فباتت صور نصر الله وحزب الله حاضرة غالباً في يافطاتها وشرائطها المصورة، عبر قوات الرضا، وهي أبرز ميليشيا في محافظة حمص، مما يشكل تجسيداً واضحاً للتوترات بين حزب الله والنظام السوري.

فهي تجند عناصر من مدينة حمص والقرى المحيطة بها، وساعدت على كسر الحصار عن بلدتين شيعيتين في محافظة حلب، هما نبل والزهراء. وفي هذه الأثناء، كان النظام يحاول الحد من نفوذ حزب الله عبر فرض سلطة الدولة السورية على قوات الرضا.

ما بعد الثورة إلى الطوفان: النظام إلى أحضان مشتركة

لا يمكن القفز فوق نظرية رئيسية أن الحزب يعيش أياماً من التمايز مع النظام السوري، تجسدت بوقائع ميدانية واحتكاكات عسكرية، انحاز من خلالها الأسد لموسكو، التي وضعت خطوطاً حمراء على الحزب في مناطق الجنوب السوري المحاذية للجولان السوري المحتل، ومنعت نشر مجموعات إلا على مساحات محددة، في إطار التنسيق الروسي - الإسرائيلي.

وهذا الخلاف غير المعلن تُرجم في العام 2022 في لبنان، عبر مساهمة حزب الله في خسارة حلفاء دمشق المباشرين في الانتخابات البرلمانية في مناطق متعددة. فالحزب الذي دعم الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط، تسبب في خسارة لحلفاء الدروز التاريخيين، مثل طلال أرسلان ووئام وهاب، إضافة إلى هزائم متتالية لحلفاء آخرين في البقاع والجنوب وبيروت وشمال لبنان، وإقصاء حزب البعث من الوصول إلى سدة البرلمان. وهذه الرسالة وصلت إلى دمشق: "ممنوع العمل في لبنان".

ومع عودة العلاقات بين النظام ودول عربية، وتحديداً الإمارات، أبدى حزب الله امتعاضاً، وهذا الامتعاض كانت تعبر عنه دوائر الحزب، لكنه لم يظهر للعلن، حيث احتفظ حزب الله بملاحظاته ضمن دوائر محددة، رافضاً التشكيك بإمكانية أن تقود الإمارات اتصالات بين الأسد وإسرائيل.

غزة والجنوب: انفراط التلازم ووحدة الجبهات

شكلت عملية "طوفان الأقصى" مرحلة دقيقة في تاريخ العلاقة بين الجانبين، وأثار تخلي النظام عن الدخول في حرب المساندة أو السماح للمجموعات المحسوبة على إيران بالمشاركة تحفظ حزب الله، على الرغم من تبرير نصر الله شخصياً لذلك.

ومنذ بداية الحرب، اندفع قادة النظام السوري، وتحديداً رئيس الاستخبارات العامة حسام لوقا، لزيارة لبنان والضغط على الحزب لسحب مجموعات من العراق واليمن، وتموضعها في قرى محاذية للجولان، والطلب بعدم إطلاق الصواريخ باتجاه الجولان.

وأشار مصدر دبلوماسي في حديثه إلى موقع "تلفزيون سوريا" أن الإشكالية كبيرة بين النظام السوري من جهة، والإيرانيين وحزب الله من جهة أخرى بسبب تطورات سياسية وميدانية مهمة، أبرزها الاندفاعة الروسية من خلال استدعاء الأسد إلى موسكو، وزيارة سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي سيرغي شويغو إلى إيران، خاصة أن موسكو تريد الاعتراف بنفوذها الكبير في سوريا، وهو ما دفع كثيراً من الأطراف للحديث عن تباعد في العلاقة الإيرانية - الروسية في سوريا.

لذا فإن البرودة في العلاقة بين النظام وحزب الله تعكس انحياز الأسد في المدى المنظور لخيارات روسية أكثر من إيرانية، لأن روسيا تتطلع إلى حضور أكبر في سوريا وتأثير إيراني أقل، وهو ما يمكن تحقيقه إذا تمت المصالحة بين النظام وتركيا بعيداً عن تأثيرات وتدخلات إيران.

وموسكو تدرك جيداً مستوى التأثير الإيراني داخل النظام السوري، لذلك فهي تحاول إعادة تأهيل الأسد بثوب جديد، وعلى المستويين الإقليمي والدولي، في ظل تطبيع العلاقات السعودية - الإماراتية معه في السنتين الأخيرتين.