البث المباشر
في مخيمات النزوح القسري شمالي سوريا، تجد الخيام متشابهة حد التطابق، عديمة اللون والخصوصية والتميز، شديدة البساطة والبدائية، ضيقة ومتراصة، مظلمة ورتيبة ولكن، بين عشق الإنسان ونزوعه القوي نحو التميز والجمال والضوء والألوان والمكان الأوسع وكسر الرتابة، يبرز منزل أم محمود.
حارة الورد في مخيم كللي
يقع منزل أم محمود في بلدة كفرعويد في ريف إدلب الجنوبي، كان مملكتها التي تديرها كما تحب، لكن قصف طائرات نظام الأسد وروسيا اضطرها هي وأسرتها للنزوح، وترك منزلها لتعيش في خيمة، كل ما فيها حزين وبائس ورمادي، كما تقول لموقع تلفزيون سوريا.
واجهت أم محمود وعائلتها رحلة تهجير صعبة، حيث نزحوا في وقت مبكر عام 2013 إلى مخيم بلدة أطمة الحدودية مع تركيا، ولم يجدوا الاستقرار هناك، إذ واجهتهم ظروف قاسية في المخيم أجبرتهم على النزوح مرة أخرى في عام 2020 إلى مخيم في بلدة كللي بإدلب، وقاموا ببناء أجزاء من الخيمة باستخدام حجارة الطوب، لتقيهم حر الصيف وبرد الشتاء.
لم تيأس أم محمود ولم تستسلم لهذا الواقع الصعب، فقررت أن تضيء وتلون حياتها، وحياة أسرتها، لا بل وحياة النازحين المحيطين بها، وقررت نشر الجمال والأمل، وتقليل السواد والبؤس واليأس، من خلال زراعة النباتات الخضراء والورود الملونة أمام خيمتها والخيم الموجودة حولها.
تزرع أم محمود الورود أمام خيمتها بحُب وحنان، تسقي تلك النباتات والأزهار البديعة وترعاها بحرص، وتتعامل معها وكأنها رسالتها أو قصيدتها أو أغنيتها الناطقة بالأمل والبهجة والحياة، لسكان المخيم وزواره.
وحول فكرة الزراعة أمام الخيمة تقول أم محمود لموقع تلفزيون سوريا: "زراعة النباتات والورد بجوار الخيمة تنقي الهواء حولها، وهذا يساعد في تحسين التهوية، والتخفيف من حرارة الخيمة صيفا، إضافة إلى ذلك فهي تكسب المكان منظرا جميلا يعكس الأمل والحياة لنا ولضيوفنا".
فكرة لمشروع استثماري في المخيم
أنواع النباتات والورود التي تزرعها أم محمود، تعكس حساً جمالياً لديها، أما طريقة الزراعة التي تتبعها، فهي مقيدة بالظروف الصعبة، ومقدار ما تسمح به هذه الظروف، فلا يوجد أصيص ولا أحواض من فخار، ولا مرمر ولا حجر سوري، وإنما فقط علب معدنية، وسور منخفض من مواد بناء أساسية بسيطة جداً، ومع ذلك يجعل الذوق الرفيع العلب المعدنية، جميلة.
تضيف أم محمود: "اختيارنا العلب المعدنية كعلب الزيت أو السمنة يساهم في إضفاء لمسة فنية للمكان الذي نقيم فيه، وتعد حاويات متينة ومناسبة لنمو النبات. إنها تضفي جمالا على جلساتنا حيث نتمتع بمشاهدتها ورائحة الورود العطرة".
وعن أنواع الورود التي تزرعها أم محمود تشرح قائلة "هناك أنواع مختلفة من الورود نزرعها في موسمي الصيف والشتاء مثل الحبق والورد الجوري بأنواعه ونبات السجادة وأنواع أخرى من نباتات الزينة".
مبادرة أم محمود في زراعة الورود والنباتات لاقت ترحيبا من جيرانها، فأطلقوا على حارتها في المخيم اسم "حارة الورد"، لتصبح بفضل نظافتها ورونقها حارة مميزة عن مثيلاتها لقاطني وزوار المخيم.
تواجه أم محمود وأسرتها صعوبات في زراعة الورود والنباتات في المخيم يقول ابن أم محمود الأكبر "نعاني من ضيق المساحة، ولو أتيحت لنا مساحة أكبر فإنه من الممكن أن ننشئ مشتلا لزارعة الورود كمشروع استثماري، يشغل ويفيد العشرات من قاطني المخيم".
ويضيف "أنا ووالدي ندعم بشكل مستمر هذه الفكرة، لأنها إذا نفذت فستقوي الروابط الاجتماعية بين الأهالي في المخيم، وتجمّل المخيم وتجعله مكاناً أفضل للعيش".
رغم عمل أم محمود الدؤوب لتجميل المخيم، وجعله مريحا للعين، فإن أمنيتها ما زالت معلقة بزراعة الورود أمام باب بيتها في كفرعويد.
