الورد الجوري السلطاني الدمشقي ذو البتلات الزهرية والرائحة العطريّة الذي ألهم الشعراء والكتاب والمصورين أعمالهم الفنيّة، يزرعه اليوم المزارع أحمد العبد كمحصول ربحي بعد أن تعلّم مفاتيح تلك الزراعة من أحد المهجرين الدمشقيين.
يعيش المزارع أحمد العبد (47 عاماً) في بلدة كللي التابعة لمحافظة إدلب شمالي سوريا، وبدأ بزراعة الورد منذ نحو 6 سنوات، عندما كانت مساحة أرضه لا تتجاوز نصف دونم، وهي مساحة صغيرة نسبياً مقارنة ببقية المحاصيل من خضراوات وفواكه وعطريات، وبسبب جودة المنتج وربحه الجيد قام بالتوسع شيئاً فشيئاً، يقول أحمد: "لدي الآن ما يقارب 40-50 دونم من المساحة أزرعها سنوياً".
زراعة مثمرة لا تخلو من المشكلات
"إنها زراعة جميلة وممتعة ومدرة للدخل أيضاً" يقول المزارع أحمد العبد عن تجربته التي استمرت سنوات على زراعة الجوري السلطاني الدمشقي.
ويضيف أنّ زراعته أفضل من بقية المحاصيل العطرية التي يعرف أنّها مدرّة للدخل مثل حبة البركة والكمون، أو المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح: "تلك الأنواع إنتاجها ضعيف في بعض الأحيان، كنّا لا نجني ما يعادل إيجار الأرض المزروعة"، ويضيف أنّ إنتاج هذا النّوع أفضل من باقي الورود أيضاً، "في العام الأول كان الدونم الواحد ينتج نحو 20 كيلو في اليوم الواحد، لكن في العام الذي يليه وضع ما يقارب 30 إلى 50 كيلو في اليوم وذلك بحسب الاهتمام في الأرض والمزروعات"، ويؤكّد أن "الورد الجوري الدمشقي ذو إنتاج ممتاز".
ومن أهم المشكلات التي تواجه العبد في زراعته أنّ تصريف الورد محلّي فقط ولا يوجد توريد للخارج بسبب حساسيّة المنتج "نقطف الورد ثم نأخذه إلى سوق الهال ويبلغ سعره هناك نحو 1 دولار للكيلو"، كما أنّه يحتاج إلى اهتمام ورعاية أكثر من بقية المحاصيل، "يحتاج إلى أدوية ومبيدات كل 10 أيام"، إضافة إلى الحاجة إلى أيدي عاملة كثيرة وهذا يكلف المزارع دخلاً إضافياً للإنتاج لكنّه يبقى ذا إنتاج ممتاز بحسب وصفه.
مهنة بين العطور والأشواك
"قطاف الورد عمل سهل ونظيف كما أنّ رائحته العطريّة منعشة" يقول عبدو زهير غنيمة "37 عاماً" أحد العمال الذي يقومون بقطاف الورود في مزرعة العبد منذ نحو 4 سنوات وهو واحد من 10 عمال آخرين يعملون معه، ويضيف أنّهم يعملون في دوريتين يوميّاً، الأولى منذ الساعة الـ 6 وحتّى 8 والنصف صباحاً والثانية من 3 إلى 6 عصراً، ويضيف "الورد حسّاس لا نستطيع الإسراع في القطاف من أجل الحفاظ على الوردة والعود بشكل جيد"، كما أنّ العود يحتوي على أشواك لا بد من الانتباه كي لا تجرح أيديهم في أثناء العملية "هذا أصعب أمر في أثناء القطاف".
ويردف زهير: "رغم ذلك هو عمل ممتع.. العمل في قطاف الورود يحسّن من النفسيّة أيضاً".
من جهته، يذكر أحمد العبد صاحب الأرض أن كثيراً من الناس يأتون من أجل التصوير بين الورود ولا سيّما عند المغرب أو في الصباح الباكر، ويعلق قائلاً: "زراعة ممتعة مليئة بالروائح العطرية والمناظر الخلّابة".
فوائد صحية إضافيّة
وإضافة إلى شكل الورد الجذاب فإنه يستخدم في صناعة الزيوت والعطور والمواد الغذائية كمربّى الورد الشهير مثلاً.
العطار "محمد إبراهيم المحلول" من مدينة معرة النعمان يقول إنّ الورد الجوري السلطاني الدمشقي من أهمّ الأصناف لديه فهو مكوّن أساسي لزيت الورد الذي له استخدامات عديدة، فهو يساعد في تنشيط عملية الهضم ويقلل من توتر المعدة والأمعاء ويعزز الأنزيمات فيها مما يساعد في علاج الإمساك الحادّ ولذلك فهو يستخدم في الطب الشعبي بعلاجات كثيرة منها الالتهابات البسيطة التي تصيب القناة الهضميّة.
ويضيف محمد: "الورد مصدر غنيّ بفيتامين "ج" الذي يزيد مناعة الجسم ضدّ الأمراض، إضافة إلى استخداماته للبشرة فهو يزيد من نضارتها"، ويتابع أنّ للورد فوائد نفسيّة أيضاً فهو مضاد للاكتئاب البسيط ويعزز الثقة بالنفس والقوة الذهنية ويساهم في علاج حالات ضعف الذاكرة عند الأطفال.
وللورد الجوري تاريخ في حارات دمشق القديمة في الشاغور والعمارة والميدان، فقد كان وما يزال يستخدم في الزينة والعطر وتقول بعض الروايات التاريخية إن هذا النوع من الورد كان يقدّم إلى السلاطين في أثناء الحكم العثماني وبذلك أخذ تسميته "الورد السلطاني".