يثير الغناء مشهداً يعبر عن حالة فوضى، يظهر فيه آلاف اللاجئين السوريين وهم يتقاطرون على الحدود، ثم يبحرون في عباب المحيطات بحثاً عن ملجأ.
ولكن، وسط دمار الحرب، ثمة لحظات من الجمال ما تزال تتخلل ذكريات من أجبروا على النزوح من بيوتهم، إذ في مسرحية: (عجائب يومية: فتاة من حلب)، تتذكر نوجين مصطفى، وهي فتاة كردية تعاني من شلل دماغي رائحة ماء الورد، وخراطيم النرجيلة، والفستق الحلبي التي كانت تفوح في تلك المدينة قبل أن تتحول إلى ركام.
خلال هذا الأسبوع، ستنقل لنا جوقة هيوستن الدولية للغناء تلك الرحلة الشاقة التي قطعتها تلك الصبية بحثاً عن ملجأ آمن، إذ خلال تلك الرحلة قامت شقيقتها بدفع كرسيها المتحرك لمسافة تجاوزت 5633 كلم بين تسع دول، وذلك من خلال حفلة موسيقية تحتفي بالمفهوم المبهم للوطن. وبرنامج تلك الحفلات التي كان من المقرر لها أن تعرض في ربيع عام 2020، قد تغير بسبب تفشي الجائحة، ولهذا ستعرض تلك الحفلات في مركز ميدتاون للفنون وفي مركز هيوستن للمسرح في يومي 18-19 من شهر حزيران، بالتزامن مع يوم التحرر من العبودية في الولايات المتحدة واليوم العالمي للاجئين.
إلى جانب القصة الأوبرالية التي كتبتها سيسيليا مادوول والتي تمتد لعشرين دقيقة، والتي من المقرر أن يقدمها كيفن كروسلي-هولاند، سيعرض برنامج "الطريق إلى الوطن" 12 عملاً آخر ينبض بالحياة بلغات عديدة، تشمل الإسبانية والعربية والتاغالوغية والعبرية والبوسنية والزولو، والخوسا الأفريقية والأوكرانية والإنجليزية.
يتحدث المدير الفني لهذا المهرجان عنه، وهو مدير موسيقي وأستاذ جامعي يدرس الموسيقا اسمه مارك فوغل، فيقول: "هذا البرنامج يشبه بشكل كبير المجموعة الدولية للموسيقيين لدينا، لأن معظمهم هربوا من أوطانهم، وانتهى بهم المطاف في هيوستن... إذ من الأمور التي أحبها شخصياً في هيوستن احتضانها لأشخاص أتوا من بقاع مختلفة في هذا العالم، ولهذا نعتقد بأن جوقتنا، تمثل صورة مصغرة عن المدينة بكاملها".
تأسست تلك الجوقة على يد ميشيل لوبيدو دورفويل في عام 1999 لتصبح الجوقة الدولية لدى الرابطة المتحدة القومية في الولايات المتحدة، وهي عبارة عن تجمع متعدد الثقافات اندمج ضمن منظمة تكساس المستقلة للفنون تحت اسمها الحالي بعد 15 عاماً على تأسيسها. وتفتخر هذه الجوقة اليوم بوجود 130 مغنياً لديها، تتراوح أعمارهم بين 16-80 عاماً، ولكن مع تفشي كوفيد-19، بدأت أعداد من يؤدون الأغاني منهم في أي حفلة موسيقية بالتناقص. بيد أن أعضاء تلك الجوقة الذين يمثلون 40 دولة، تطوعوا بوقتهم وصاروا يتدربون مساء كل يوم إثنين على الغناء في إحدى كنائس المنطقة.
يخبرنا فوغل عن تلك الجوقة فيقول: "جرت الأمور ببطء لأن أي لغة نتعامل بها، حتى لو كانت الإنجليزية، تعتبر جديدة على مسامع شخص ما في هذه القاعة"، ولذلك لا يعتمد فوغل على المغنين في تأدية ونقل الأفكار غناء فحسب، بل أيضاً في مساعدته على تعليم بقية المجموعة طريقة النطق الصحيحة للكلمات إلى جانب توضيح بعض الفروقات الثقافية.
وعبر السعي لإثراء وتثقيف الجمهور المحلي من خلال الموسيقا العالمية، تجسد تلك الجوقة صورة لحالة الانسجام والتناغم على مستوى العالم، وذلك لأن أعضاءها يتقبلون الاختلافات فيما بينهم، ويظهرون تعاطفهم مع من عاش تجربة صعبة، كما أنهم يعبرون عن السلام في عالم تسوده الاضطرابات والانقسامات.
قصة السورية نوجين
على الرغم من خروجهما من الوطن الذي لا تعرفان غيره، وجدت نوجين وشقيقتها الراحة أخيراً في مكان آخر، إذ في لحظة مؤثرة مع اقتراب العرض من نهايته، تروي الجوقة الخاتمة المفعمة بالأمل التي انتهت بها رحلة هاتين الفتاتين، وذلك عندما تغني: "أهلاً بكما في ألمانيا!".
يعلق فوغل على ذلك بقوله: "يمثل هذا الكورال العظيم بنغماته وإيقاعه الأساسي لحظة جميلة وسعيدة في تلك الأغنية، ثم يتابع البيانو عزف مقطوعة من "نشيد البهجة" لبيتهوفن، وتلك لحظة مؤثرة في القصة، فجميعنا يذرف الدموع في كل مرة نصل إليها".
وبقلب تملؤه فكرة: "أن نعطي حيث نعيش"، يترك أعضاء تلك الجوقة أثراً يمتد لما هو أبعد من خشبة المسرح، وذلك عبر تأديتهم للعمل الخدمي المجتمعي، إذ تطوعوا أخيراً في توزيع المساعدات الغذائية ضمن مبادرة أطلقتها جهة رسمية هناك. وخلال هذا البرنامج الذي سيعرض في عطلة نهاية الأسبوع، ستسلط هذه الجوقة الضوء على ثلاث منظمات محلية غير ربحية تقدم خدمات للاجئين.
يعلق فوغل على ذلك بقوله: "إن الأمر ليس مجرد إطلاق شعار والحديث عنه، بل إننا نعيش حياتنا اليومية بهذه الطريقة بوصفنا جوقة ضمن هذا المجتمع، فقد اجتمعنا وشاركنا موسيقانا، بالرغم من أن كل عضو منا تعود أصوله لمكان مختلف ولدين مختلف، لذا فإن تقديم ذلك على خشبة المسرح أمام الناس، والاحتفاء به، وتعزيزه، يعتبر موطن الجمال هنا".
المصدر: بريفيو هيوستن كرونيكل