اقترح زعيم حزب الشعب الجمهوري مشروع قانون لضمان حرية ارتداء الحجاب في القطاع العام وطرحه في البرلمان يوم الثلاثاء الماضي، ليصبح هذا المقترح موضوع نقاش سياسي في البلاد، في حين رد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على هذا المقترح بالدعوة إلى "تعديل دستوري" بدلاً من طرح قضية الحجاب التي استطاع حزب العدالة والتنمية حلها خلال ترأس الحزب الحكم في البلاد.
وبحسب موقع "BBC" فُسر خروج "كليتشدار أوغلو" بمقترح المشروع على أنه "تحرك تكتيكي نحو الانتخابات" بهدف استقطاب الناخبين المحافظين الذين اعتادوا على منح أصواتهم إلى حزب العدالة والتنمية، إلا أن المقترح شكل مفاجأة لكثير من المديرين التنفيذيين والنواب في حزب الشعب الجمهوري.
"غطاء الرأس ليس مشكلة"
وجاء رد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على مقترح "كليتشدار أوغلو" أن مشكلة الحجاب حُلت قبل سنوات بفضل جهود حزب العدالة والتنمية، مشيراً إلى أن أصل مشكلة الحجاب أتت من "فاشية" حزب الشعب الجمهوري: "إذا كنا نواجه مسألة مخجلة تسمى الحجاب في الماضي، فهو بسبب عقلية حزب الشعب الجمهوري، وفاشية حزب الشعب الجمهوري المعادية لدين أمتنا في بلدنا".
وأكد "أردوغان" على أن موضوع اللباس بشكل عام، والحجاب بشكل خاص، هو حق طبيعي لا ينبغي أن يكون موضوعًا للقانون أو الدستور: "مثلما لا تتطلب الأخت غير المحجبة وجود قانون أو دستور لوجودها في جميع مجالات الحياة، ينطبق الأمر نفسه على أخواتنا المحجبات".
التعديل الدستوري
واستذكر "أردوغان" التعديل الدستوري رقم 5735 الذي طرحه حزب العدالة والتنمية بالتعاون مع حزب الحركة القومية عام 2008 على البرلمان التركي، الذي كان من شأنه أن يحل الجدل حول الحجاب بشكل جذري يكبح اضطهاد حزب الشعب الجمهوري، إلا أن المحكمة الدستورية ألغته من خلال تجاوز الحد الذي منحه له الدستور بشأن هذه المسألة، وأضاف: "لو لم يتم إلغاؤه، لكانت تركيا قد تخلصت تماماً من مسألة النقاش حول الحجاب".
ما هو التعديل الدستوري رقم 5735؟
نشرت الصحيفة الرسمية في عددها الصادر بتاريخ 23 شباط 2008 شرحاً للتعديل الدستوري رقم (5735) بعنوان "قانون تعديل بعض بنود دستور جمهورية تركيا".
وتتضمن المادة الأولى من التعديل الدستوري رقم (5735) تعديلاً على الفقرة الرابعة من المادة "10" لدستور الجمهورية التركية الصادرة بتاريخ 7/11/1982 رقم (2709)، إضافة عبارة "وجميع أنواع الخدمات العامة" بعد عبارة "في جميع معاملاتها".
وبهذا التعديل تصبح الفقرة الرابعة مع المادة العاشرة تسمح لجميع فئات المجتمع الاستفادة من جميع الخدمات العامة وفقًا لمبدأ المساواة أمام القانون بغض النظر عن اللغة أو العرق أو اللون أو الجنس أو الرأي السياسي أو المعتقد الفلسفي أو الدين أو المذهب أو أسباب مماثلة.
وبناءً على الفقرة الثانية من التعديل الدستوري، أٌضيفت فقرة إلى المادة "42" من دستور الجمهورية التركية بعد الفقرة السادسة "لا يجوز حرمان أي شخص من استخدام الحق في التعليم العالي لأي سبب لم ينص عليه القانون صراحةً، ويحدد القانون حدود استخدام هذا الحق".
وتنص المادة الثالثة من التعديل الدستوري على وجوب دخول هذا التعديل حيز التنفيذ في تاريخ نشره ويتم التصويت عليه بكامله إذا تم طرحه للتصويت العام.
الشعب الجمهوري يسقط التعديل
إلا أن المحكمة الدستورية ألغت التعديل الدستوري بناءً على طلب حزب الشعب الجمهوري، وقضت المحكمة العليا بأن المادتين "1" و"2" من التعديل المذكور تتعارضان مع "السلام المجتمعي والتضامن الوطني" و"احترام حقوق الإنسان" ولا يعتمد على "قومية أتاتورك"، كما تم التأكيد على أن الاقتراح مخالف لمبدأ العلمانية، وسيمكن المستفيدين من الخدمات العامة في الجامعات وجميع أنواع المؤسسات التعليمية من التستر لأغراض دينية، وارتداء الزي الديني والسياسي وحمل الرموز.
وأضافت المحكمة في متن رفضها: "لا يمكن اقتراح أو قبول أي قانون يتصور تغييراً مع هذه المبادئ أو يهدف إلى تغيير هذه المبادئ بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال تعديلات على مواد أخرى من الدستور، ولا يمكن سن قانون يخالف هذه المبادئ تحت أدنى تأثير أو أدنى تغيير في الأحكام الحالية للدستور، أو أن ينشئ قاعدة دستورية جديدة".
"رسالة لطمأنة الناخبين"
ويرى الخبراء السياسيون بأن طرح "كليتشدار أوغلو" يأتي في إطار التخلص من حجة تحالف الشعب الذي يروج إلى أن حزب الشعب الجمهوري ضد الحجاب، وهو ما يثير قلق الناخبين المحافظين من العودة إلى حقبة منع الحجاب في الجامعات والمدارس والقطاع العام.
وصرح مؤسس مركز أكسوي للأبحاث، إرتان أكسوي، في حواره مع موقع "DW" أن قضية الحجاب ليست على أجندة المجتمع التركي في الوقت الحالي، لكنه لفت الانتباه إلى نتيجة استطلاعات الرأي العام التي تشير إلى أن ناخبي العدالة والتنمية قلقون من التدخل في مسألة الحجاب في حال تغيير السلطة في تركيا، وهو ما حاول "كليتشدار أوغلو" إيصاله إليهم.
مواقف متباينة
وأشارت صحيفة "Türkiye Gazetesi" إلى انتقاد النائب البرلماني السابق عن حزب الشعب الجمهوري، محمد ضياء، طرح زعيم الحزب "كليتشدار أوغلو" باعتبار أن الحجاب لم يعد مشكلة، وبأن الذين لا يضعون الحجاب هم من يتعرضون للمضايقات: "الحجاب موجود الآن على رؤوس العسكر والشرطة والقضاة والمدعين العامين وطلاب الأكاديمية العسكرية والبرلمانيين، وأصبحت المضايقات والاعتداءات تقع على اللواتي لا يرتدين الحجاب".
ورداً على أسئلة "DW Türkçe" صرح مصطفى ينير أوغلو، نائب رئيس حزب الديمقراطية والتقدم "DEVA" بأن جميع عمليات حظر الحجاب قد انتهت بقرار المحكمة الدستورية والنضال السابق لحزب العدالة والتنمية، مشيراً إلى "وجوب تقدير ذلك" داعياً إلى "التخلي عن الفهم بأن معتقدات الناس وأنماط حياتهم يمكن تقييدها لأسباب أيديولوجية".
وصرح نائب رئيس الكتلة النيابية عن حزب الشعوب الديمقراطي "HDP" ساروهان أولوتش في المؤتمر الصحفي الذي عقده في البرلمان بأن الحجاب ليس المشكلة الوحيدة في تركيا وأن العلويين والأكراد والأقليات يواجهون التمييز أيضاً، داعياً إلى تنظيم مادة دستورية جديدة تمنع التمييز بين الجميع في البلاد.
ٍٍالجدير بالذكر، أن حزب الجيد "İYİ Parti" لم يصدر أي بيان بعد حول هذه القضية، حيث غادرت زعيمة الحزب، ميرال أكشينار، بعد خطابها أمام كتلة حزبها البرلمانية، يوم أمس الأربعاء، من دون عقدها مؤتمراً لتلقي أسئلة الصحفيين.