"خطأ امتحاني من موظف مستهتر، كان كفيلاً بإعادتي من السنة الثالثة في كلية الحقوق إلى السنة الثانية!" هكذا يصف رضوان من طلاب جامعة دمشق ما حصل معه قبل عامين، معبّراً عن استيائه الشديد من الفوضى والاستهتار من قبل موظفي الجامعة، والذي انعكس سلباً على كثيرٍ من الطلاب، الذين يواجهون تحدياتٍ أخرى كثيرة، من فسادٍ وابتزازٍ وتحرّشٍ وتضييق، دفعت بعضهم للعزوف عن الدراسة.
أخطاء تقضي على مستقبل الطلاب
أبرز التحديات التي عانى منها طلاب جامعة دمشق، حالة الإهمال واللامبالاة من قبل الموظفين الإداريين ومدرسي وعمداء الكليات، ليكون الطلاب ضحية أخطاءٍ ارتكبها أؤلئك الأشخاص.
يقول رضوان طالب سنة ثالثة في كلية الحقوق: "رسبت في ست موادٍ خلال الفصل الثاني للعام الدراسي 2018-2019، لذا تقدّمت بامتحان الدورة التكميلية في ذلك العام، واستطعت النجاح في المواد والترفّع للسنة الثالثة، سجّلت في الجامعة وبدأت الدوام في السنة الجديدة، وقدّمت على الامتحان العملي في بعض المواد قبل بدء الفحص النظري".
يضيف رضوان لموقع تلفزيون سوريا: "بعد صدور نتائج الامتحان العملي، تلقيت صدمةً كبيرة حين تم إخباري مع مجموعة من زملائي من قبل إدارة كلية الحقوق، بأننا راسبون في السنة السابقة، بحجة أنه لا يحق لنا التقدّم إلى الدورة التكميلية، وأن المواد التي قدمناها في تلك الدورة ملغاة بعد أن نجحنا فيها، وبالتالي يجب أن نعود مجدداً للسنة الثانية، بعدما مضى عدة أشهر على دوامنا في السنة الثالثة وتقديم امتحانات العملي".
وتابع رضوان متسائلاً: "ما هذه الفوضى!!!. هل علينا أن نتحمّل أخطاء غيرنا؟!، هل من المعقول أن نعود سنة للوراء بعدما ضمنا النجاح وسهرنا الليالي في الدراسة؟!، كان يجب على قسم الامتحانات في الكلية التأكد منذ البداية وفق اللوائح القانونية لديه، من مدى أحقيتنا في التقدّم على الدورة التكميلية، بدلاً من أن ينتظروا حتى نترفّع للسنة الثالثة، ومن ثم يخبرونا أن هناك خطأ وبأننا راسبون".
رغم تقديم الطالب رضوان وباقي زملائه شكوى إلى "وزارة التعليم العالي" في حكومة النظام لتسوية وضعهم، إلا أنهم لم يستفيدوا شيئاً، حيث اضطروا للعودة للسنة الثانية مجدداً، بينما لم يعاقب "مجلس التعليم العالي" في حكومة النظام الموظفين المخطئين.
يتنهد رضوان قليلاً بعدما تذكر مرارة ما حدث معه، ثم يقول مبتسماً: "يلي بشوف مصيبة غيرو بتهون عليه مصيبتو"، ليتابع قائلاً: "لن تصدقوا إذا أخبرتكم أنه كان لديّ صديق وصل إلى السنة الرابعة أدب فرنسي في كلية الآداب، ويوماً ما استُدعي لقسم شؤون الطلاب، وأخبروه أنه بعد تدقيق وضعه الدراسي تبيّن أنه منذ ثلاث سنوات تقدّم على الدورة التكميلية بمواد من الفصل الثاني، في حين لا يحق له التقدّم إلا بمواد من الفصل الأول، لذا يجب عليه أن يعود إلى السنة الأولى، ليُقرر حينذاك ترك الجامعة واللجوء إلى ألمانيا".
وفي آذار 2021 تفاجأ طلاب كلية طب الأسنان في جامعة دمشق، بخطأ فادح ارتكبه مدرس مادة (آداب ممارسة المهنة) في السنة الرابعة، حيث كانت أسئلة المادة تضم 60 سؤالاً، لكن 30 سؤالاً قد ظهرت عليها الإجابات، ما سبّب حالةً من الفوضى والبلبلة داخل قاعات الامتحان.
وتكررت ذات الحالة في كلية الحقوق، يقول معتز طالب سنة رابعة في كلية الحقوق: "خلال امتحان اللغة الإنكليزية تفاجأنا بتوزيع نموذج أوراق الأسئلة المؤتمتة وعليها الإجابات، وهنا سارع بعض الطلاب إلى نقل الإجابات، وبعد عشر دقائق تم سحب الأوراق، ليُعاد توزيع أوراق جديدة بلا أجوبة، علماً أن ذلك الخطأ الفادح أضرّ بنا بدلاً أن يفيدنا، حيث إن بعض الإجابات على ورق الأسئلة كانت خاطئة، إضافة إلى ضياع كثير من وقت الامتحان ريثما تم تبديل الأوراق، فضلاً عن توتر الطلاب نفسياً، وسحب بعض البطاقات الجامعية".
وفي كلية الحقوق أيضاً أدى خطأ تقني ارتكبه موظفو الكلية، لرسوب ثلاثة آلاف طالب وحصولهم على علاماتٍ متدنية، في امتحان مادة “مصادر الالتزام” للسنة الثانية، بعد إزاحة علاماتهم خلال عملية تصحيح الأوراق المؤتمتة عن طريق الكومبيوتر، ما أثار استياء الطلاب من ذلك الخطأ الناجم عن استهتار موظف الامتحانات المستخف بتعب الطلاب.
قصص عن الفساد
كذلك عانى الطلاب من عدم النزاهة من قبل مدرسي الجامعة في تصحيح المواد، تقول رؤى طالبة في كلية الإعلام: "قدمت اعتراضا في إحدى المرات على مادة «حقوق وحريات»، والتي رسبت فيها بعلامة 40، رغم أنني كنت متأكدة من نجاحي بعلامةٍ مرتفعة، فقالت لي موظفة في قسم الامتحانات، (روحي كلي شاورما أحسنلك.. مارح تستفادي شي ورح يتحططو عليكي)، والرد ذاته قيل لكثيرٍ من الطلاب الذين تقدّموا باعتراضاتٍ على موادهم بلا أي فائدة".
صحيفة "الوطن" الموالية، أكدت في تقريرٍ لها، أن هناك انتقاداتٍ طلابية طالت المعنيين في رئاسة جامعة دمشق، حول البطء الشديد في البت بالقضايا التي تتعلّق بالطلبة، وخاصةً موضوع إعادة النظر بالاعتراضات الامتحانية لعددٍ من الكليات، واللجان المشكّلة للنظر في تلك الاعتراضات.
تضيف رؤى لموقع تلفزيون سوريا: "زادت حالات الفساد بين الدكاترة ولا سيما خلال سنوات الحرب، حيث يتقاضى بعضهم رشوى من الطالب، ومن ثم يتم الاتفاق بين الطرفين على بعض الرموز على ورقة الإجابة، ليستطيع المدرس معرفة ورقة الطالب، ليمنحه علامة النجاح، أو درجة عالية إذا كانت الرشوى باهظة".
ومن حالات الفساد التي تحصل في الجامعات، توجيه تهديدات للمدرسين بالاعتقال أو التصفية من قبل بعض الطلاب، الذين يملكون واسطات أو صفات أمنية أو عسكرية، فيأتي اتصال هاتفي للمدرس بصيغة تهديد قائلاً: (هذا الطالب مو شغلتو يدرس نجحو بالمادة، أو الطالب عندو مهمة أمنية...)، وفي بعض الحالات قد يقوم الطالب بتقديم رشوى لمراقب الامتحان ليقوم بغض النظر عنه.
في آب 2020 أعلن عميد المعهد العالي لبحوث الليزر وتطبيقاته في جامعة دمشق الدكتور “يوسف سلمان”، استقالته من منصبه، وأكد في بيانٍ له أن سبب الاستقالة يعود إلى انتشار الفساد المالي والإداري من قبل بعض الدكاترة، إضافةً إلى تلقيه ضغوطات هائلة كي يوافق على إعطاء مرتبة شرف لطلاب لا يستحقونها لهم وضع معيّن.
وفي حزيران 2019 كشف عميد كليتي الحقوق والاقتصاد في فرع درعا بجامعة دمشق الدكتور أحمد الحراكي، لوسائل إعلامٍ موالية، عن فضيحة هي الأكبر من نوعها في الجامعة، حيث قام طالب بالتنسيق مع أحد الموظفين، بعملية تسريب الأسئلة إلى مجموعة من الطلاب.
القبول بالتحرّش أو الرسوب!
التحرّش كان بمنزلة كابوس يؤرق كثيرا من الطالبات، "هبة محمود" إعلامية في قناة "الميادين" الموالية، كانت طالبة في كلية الإعلام بجامعة دمشق، كتبت منشوراً على صفحتها على الفيس بوك، تحدثت فيه عن تعرّضها للتحرّش من قبل أحد المدرسين في الجامعة، وختمت المنشور بهاشتاغ "#افضحوا المتحرشين".
وقالت "هبة محمود" في منشورها: "كنت في أول العشرين عندما تعرّضت لمحاولة تحرّش سفيهة من أستاذٍ جامعي، يومها دفعته عني بيدين مرتجفتين وضعيفتين، وخرجت من مكتبه باكية، لم أداوم في الجامعة بعدها لفترة خوفاً وذعراً، ومادة هذا الدكتور رافقتني حتى سنة تخرجي، وحين ذهبت للشكوى عليه قال لي إداريٌ في كلية الآداب: لن تستفيدي شيئاً، ولا داعي للشوشرة وهذا أفضل لك".
قصة "هبة محمود" واحدة من بين كثير من قصص التحرّش بالطالبات، والتي قد تصل إلى الآلاف، لكن لم نسمع كثيراً منها، بسبب تفضيل معظم الطالبات التكتم على الموضوع، لكن طالبة في قسم التاريخ بجامعة دمشق، كانت جريئةً وفضّلت أن تروي لموقع تلفزيون سوريا، قصة التحرّش التي تعرّضت لها، شريطة عدم ذكر اسمها.
تقول الطالبة: "في إحدى المرات صعد معي بالميكرو باص معيد في الكلية يشرف على تدريس إحدى موادنا، وخلال الطريق سألني عن مكان إقامتي ومن يسكن معي في المنزل، وبالوقت نفسه كان يحاول الاقتراب مني أكثر، وفجأةً وضع يده على قدمي وقال لي بنظرةٍ شهوانية: (لا تاكلي هم المادة رح نجّحك فيا بعلامة عالية إذا مشيتي ع كيفي)".
وتابعت الطالبة قائلةً: "شعرت بصدمةٍ كبيرة، وعلى الفور أبعدت يده القذرة وطلبت من السائق التوقف، نزلت من السرفيس وقلبي يخفق. امتنعت عن الذهاب للجامعة بسبب حالتي النفسية السيئة، وبعد فترة علمت من إحدى صديقاتي أن هذا المدرس يعمل عنصراً لصالح الأمن العسكري، وقام بالتحرّش بثماني طالبات أخريات، وهناك كثير من الطالبات وأنا واحدة منهنّ، تعرضنّ للتحرّش من مدرسي الجامعة، لكن رفضنّ الشكوى لإدارة الجامعة خوفاً من الفضيحة، ولتجنب الرسوب في المادة".
في المقابل هناك طالبات كانت لديهنّ الجرأة لفضح إساءات الدكاترة وابتزازهم لهنّ، ففي أيلول 2018 أحيل دكتور جامعي من قسم اللغة العربية بجامعة دمشق للتحقيق بقضية تحرشٍ بطالبةٍ لديه، وتم إيقافه عن التدريس في الجامعة، وتضمنت الشكوى التي تقدّمت بها الطالبة محادثاتٍ على الفيس بوك والواتساب مع الدكتور المذكور، فيها ما يخلّ بالآداب وصور عن الحوارات التي جرت معه، بحسب ما أفاد موقع "صاحبة الجلالة" الموالي.
فضيحة جنسية أخرى كانت حاضرة في كلية الآداب، وأطاحت بمدرس مادة "الثقافة القومية" الدكتور "علي بركات"، لكن الأمر الصادم أنه بعد عدة أشهر قررت إدارة جامعة دمشق وبقرارٍ وزاري، إعادة الدكتور "بركات" إلى التدريس ضمن قسم علم الاجتماع عام 2016، رغم الفظائع التي ارتكبها، حيث حاول ابتزاز الطالبات وإجبارهنّ على النوم معه وتلبية رغباته الجنسية، وإرسال صور للفتيات وهنّ عاريات مقابل النجاح في مواده، وفق ما ذكرت طالبات لعدة وسائل إعلامٍ موالية.
وفي محاولةٍ من النظام إسكات الطلاب والتغطية على الانتهاكات التي يرتكبها المدرسون والإداريون في الجامعة، كشفت وثيقة تداولها ناشطون على الفيس بوك، عن تهديداتٍ وجّهتها إدارة جامعة دمشق لطلاب كلية الآداب بالفصل النهائي من مقاعد الدراسة، في حال استخدموا مواقع التواصل الاجتماعي لفضح ممارسات الكوادر التدريسية والإدارية.
تضييق على الطلاب
اشتكى كثيرٌ من الطلاب في جامعة دمشق، من التضييق الشديد عليهم من قبل رئاسة الجامعة أو المدرسين، وقال طالب من كلية العلوم فضّل عدم ذكر اسمه: "أصبحنا نشعر أن الجامعة تتعمّد تطبيق سياسة تطفيش الطالب، ولا تريد أحداً أن يتخرج، والسبب معروف لأن حكومة النظام ليس لديها قدرة على تأمين فرص عملٍ للخريجين، وبالوقت نفسه كي يُسرّعوا خروج الطلاب من الجامعة ليلتحقوا بالخدمة العسكرية".
وتكررت في جامعة دمشق حالات رسوب جميع الطلاب في مادةٍ واحدة، ففي نيسان الماضي تفاجأ طلاب كلية العلوم برسوب جميع المتقدمين لامتحان اللغة الفرنسية للفصل الثاني، وبررت أستاذة المادة ذلك في حديثها لوسائل إعلامٍ موالية، أن الراسبين كانوا يتغيّبون عن جميع المحاضرات.
وسبق أن حصل الأمر ذاته في كلية الهندسة المعمارية، حيث رسب جميع طلاب السنة الثانية (فصل ثاني) بمادة "الثقافة القومية"، وكذلك واجه طلاب الهندسة المدنية المصير ذاته، حيث كانت نسبة النجاح 9% فقط في مادة “فيزياء المهندسين” ضمن السنة الأولى، رغم أنها تعتبر من المواد البسيطة وغير المتخصصة بالأمور الإنشائية أو المدنية البحتة.
وأضاف الطالب في كلية العلوم "يتعمّد الدكاترة وضع أسئلة صعبة للغاية لتخفيض معدّل النجاح، وفي معظم الأحيان نجيب على جميع الأسئلة بشكلٍ صحيح، ورغم ذلك نحصل على علامة نجاح متدنية أو لا نرفّع المادة، إضافةً إلى أن مدة الامتحان قليلة، وليس هناك أيام كافية بين كل مادة، ليستطيع الطالب تحضيرها ومراجعتها بشكلٍ جيد".
وفي مطلع 2019 أصدرت وزارة التعليم العالي في حكومة النظام، قرارًا يقضي بتحديد مدة الامتحانات بخمسة عشر يوماً، وبالتالي انخفضت تلك المدة إلى نصف ما كانت عليه سابقًا، كما ألغت وزارة التعليم العالي في آب 2019، الدورة التكميلية في الجامعات السورية اعتباراً من العام الدراسي 2019-2020، وبالتالي لم يعد لدى الطلاب فرصةً لتعويض المواد التي رسبوا فيها، ما يعني أن عليهم الانتظار عاماً كاملاً لتقديم المواد والترفّع للسنة التالية.