على دراجة نارية برفقة زوجته وطفلته، وقف مصطفى المحمد، أمام "مجمع السلام الطبي" يسأل عن طبيبة نسائية، ليأتي الرد من الحارس بوجود قابلة قانونية متطوعة فقط.
وبعد ثوان يتلفّت المحمد حوله ويقول لزوجته "انزلي خليها تفحصك"، لينهي رحلة بحث عن طبيبة نسائية في ثلاثة مستشفيات في مدينة حارم بريف إدلب.
وتبدو صالات الانتظار في المستشفى خاليةً تماماً، إلا من تنقّل بعض موظفي المستشفى المتطوعين، وذلك ليس لقلة الاحتياجات الطبية للسكان، وإنما بسبب عدم قدرة المستشفى على استقبال المرضى لتوقف الدعم عنه منذ نحو 7 أشهر.
يقول المحمد وهو مهجر من منطقة "سهل الغاب" بريف حماة الغربي، ويقطن في مخيم للنازحين في محيط حارم، إن "هذا المستشفى الثالث الذي زرته اليوم، بحثاً عن طبيبة ولم أجد، والسبب أن الدعم متوقف، ولو لم أجد سأضطر للذهاب لسلقين أو سرمدا".
ويتأثر السكان المحليون وقاطنو الخيام، في منطقة حارم وريفها بتوقف الخدمات الطبية لـ"مجمع السلام الطبي"، بنسبة 90 %، وهو مستشفى الأطفال والنساء الوحيد في المنطقة التي يتجاوز أعدادها الـ 150 ألف نسمة، ويضطرون لقطع مسافة لا تقل عن 15 كيلو متراً.
وتعد أزمة "مجمع السلام الطبي" جزءاً من أزمة عامة يعانيها القطاع الطبي في منطقة شمالي غربي سوريا، إذ توقف المنح عن أكثر من 7 مستشفيات في إدلب خلال الأشهر الماضية، بحسب مديرية صحة إدلب، رغم العجز في الخدمة الطبية بسبب زيادة الكثافة السكانية واستمرار الأعمال العدائية ضد المنطقة، إلى جانب انتشار الفقر وعجز الأهالي عن زيارة المستشفيات الخاصة أو العيادات.
لا بدائل عن المستشفى
يشتكي السكان من غياب بديل عامٍ وغير مأجور عن المستشفى الذي توقف الدعم عنه، مع ارتفاع أجور المستشفيات والعيادات الخاصة، إلى جانب تكاليف التنقّل، كما هو الحال لدى شعاع محمد الخالد، وهي من سكان المدينة.
تقول الخالد لموقع "تلفزيون سوريا" إنه "لدي خمسة أطفال ويحتاجون بشكل شهري لخدمات طبية، وكان المستشفى يغطيها بشكل كامل، كان آخرها عملية ليد طفلي".
وتأمل في نهاية حديثها بتعجيل عملية تشغيل المستشفى من جديد، وتقديم الدعم الكامل له.
"10 في المئة فقط من الخدمات"
يوضح قدري عدلة، وهو المدير الإداري لـ"مجمع السلام"، أن "المستشفى يقدم في الوقت الحالي ما نسبته 10 % من الخدمات، وذلك بسبب غياب الكوادر الطبية والقدرات التشغيلية، بعد توقف الدعم مع بداية شهر تشرين الأول من العام الماضي".
ويضيف لموقع "تلفزيون سوريا" أن "المستشفى كان يقدم الخدمات شهرياً لـ 7500 مريض، بينما اليوم لا يتجاوز العدد 1000 مريض، ويتم استقبالهم ضمن الدوام الإداري ولأيام محدودة".
وحول الخدمات المتوفرة في الوقت الحالي، أوضح أنها "تقتصر على الولادة الطبيعية والمعاينات ضمن الدوام الإداري فقط، بعد أن تم إلغاء العمليات القيصرية، أما قسم الأطفال يقتصر عمله على العيادة ليومين فقط ضمن الدوام الإداري أيضاً، مع إلغاء الحواضن والعمليات والإقامة، لغياب القدرات المالية التشغيلية والكوادر الكافية، وكذلك تقدم الصيدلية الدواء المتوفر".
وكان يضم المستشفى في صورته الطبيعية، قسمين رئيسيين، وهما قسم النسائية الذي يضم العيادة النسائية والولادة الطبيعية والعمليات القيصرية، وقسم الأطفال يشمل عيادة الأطفال وإقامة الأطفال وعلاج سوء التغذية إلى جانب الحواضن والمخابر والصيدلية.
"اختصاص حيوي ونادر"
يجد الطبيب حسام قره محمد، وهو نائب مدير صحة إدلب أن "أهمية المستشفى تأتي من تغطيته لتخصص حيوي ونادر، وهو الصحة الإنجابية والأطفال، وندرته تأتي من حالة المنطقة التي تعاني نقصاً في الأصل من مستشفيات الصحة الإنجابية والأطفال على مدار الساعة من توليد طبيعي وقيصريات".
ويلفت لموقع "تلفزيون سوريا" إلى أن "استمرار توقف الدعم عن هذا المستشفى الحيوي، يمكن ـ لا قدر الله ـ أن يزيد من الأمراض والوفيات للأطفال الخدّج، على اعتبار أن هذه الحالات تضطر للسفر بمسافة لا تقل عن 15 كيلو متراً".
وفي رصدٍ لموقع "تلفزيون سوريا" فإن أقرب وجهتين لسكان منطقة حارم، هما مدينة سلقين بمسافة تصل لـ 15 كيلو متراً، ومدينة سرمدا تصل لـ 27 كيلو متراً، وهما مسافتان طويلتان على الحالات الإسعافية أو الولادات وحتى الأطفال.