وسط غرفة غزاها التشقق، يحزم عبد الكريم النجم، وهو من سكّان مدينة سلقين في ريف إدلب، أمتعته وأثاثه، نحو وجهة إقامة جديدة، هرباً من منزله المتصدّع والمهدّد بالسقوط.
يقول "النجم" وهو مهجّر من مدينة خان شيخون جنوبي إدلب: "يعزّ علي ترك بيتي بعد إقامة قاربت الـ4 سنوات، لكن البيت متصدع بشكل خطير، ويمكن أن يسقط في أي لحظة على وقع الهزات الارتدادية".
ويلاحق عشرات العائلات في مناطق شمالي غربي سوريا، هاجس الانهيار المفاجئ لمنازلهم بعد تصدّعها بفعل الزلزال المدمّر الذي ضرب المنطقة، في السادس من شباط الجاري، خاصةً مع استمرار الهزات الأرضية الارتدادية.
وفي حديثٍ لـ موقع تلفزيون سوريا، يبدي الستيني "النجم" خوفه من إقامته بعد اليوم في المنزل، لذلك قرّر الرحيل إلى مدينة إدلب، مردفاً: "هناك أقاربنا ومعارفنا".
ويقول "النجم" الذي حاصرته التصدّعات في منزله وحتى الأبنية المحيطة في بنائه بمدينة سلقين: "لا قدّر الله، إذا نجا بيتي من الانهيار، من الممكن أن تسقط إحدى الأبنية التي تحيط بنا، ويعود الخطر لي ولعائلتي.. الأهوال التي عشناها يوم الزلزال أرعبتنا، لا يمكن أن أبقى في هذا المنزل".
الحال والمخاوف ذاتها لدى محمد دياب - وهو من قاطني بلدة كفريحمول - الذي لحق بمنزله (طابق ثاني) تصدع كبيرا، ولم يعد يأمن على الإقامة فيه، ويقول لـ موقع تلفزيون سوريا: "المنزل رغم كونه جديدا نسبياً، لكن الإقامة فيه تدعو للخطر.. أنتظر في الوقت الحالي أن يجهز بيتي الثاني حتى أنتقل إليه".
وينتظر "دياب" كشف المهندس المختص لتقييم حالة المنزل، مضيفاً: "الإقامة فيه تدعو للقلق بسبب الهزات الارتدادية.. لو كان البيت سليماً كما كثير من البيوت كان الحال أفضل، أما التصدّع فهو عرضة للانهيار ـ لا قدر الله ـ لذلك نعيش اليوم على أعصابنا".
"الهبوط يهددنا"
منذ ستة أشهر فقط، تسلم خالد خليل منزله الجديد في مدينة سلقين، واليوم ينقل أغراضه من المنزل بعناية فائقة، نتيجة الضرر والتصدع الكبيرين الذي لحق بمنزله.
يقول "خليل" لـ تلفزيون سوريا: "البناء القاطن فيه مع عائلتي هبط بمقدار 70 سنتيمتراً، نجونا بأعجوبة، بعد حصار في البناء دام ساعتين بسبب تصدع الدرج"، ويضيف: "المنزل الجديد، اشتريته وأقمت في سلقين بسبب عملي هنا، لكن الحمد لله سلامة عائلتي هي الأهم".
ويتابع: "أعمل حالياً على استخراج ما أمكن من أغراض المنزل، بعناية وحذر لأن البناء آيل للسقوط ومهدد، متجهاً نحو قريتي حير جاموس".
"23 لجنة هندسية"
أوضح المهندس سعيد الأشقر - مستشار وزير الإدارة المحلية في "حكومة الإنقاذ السورية" - أنّ "الوزارة شكّلت منذ انتهاء أحداث الزلزال المدمّر، صبيحة 6 شباط الجاري، لجان استجابة طارئة تضم العديد من المهندسين من ذوي الخبرة والرأي، من أجل الكشف على الأماكن المتضررة نتيجة الزلزال بالإضافة الى الأماكن المجاورة لهذه المباني".
ويضيف "الأشقر" لـ موقع تلفزيون سوريا: "شُكّلت هذه اللجان بقوام ثلاثة مهندسين تعمل على الكشف الحسي للمباني المتصدعة والمباني الآيلة للسقوط وتنظيم التقارير الفنية وفق الحالات المختلفة لهذه المباني، وجرى تطوير عمل هذه اللجان بتزويدها بمهندس مختص لعمليات الإحصاء واستقبال طلبات المتضررين في جميع المناطق".
وبلغت أعداد اللجان المشكّلة - بحسب "الأشقر" - 23 لجنة موزّعة على جميع المناطق، بالإضافة إلى اللجان المركزية المختصة في البت بالحالات الحرجة للمباني المتضررة والتي تؤثر على السلامة العامة.
ويشير إلى أنّ "مهمّة هذه اللجان تقديم تقاريرها بشكل دوري، حيث سيُستند إليها في عمليات الترميم والتدعيم، أما بالنسبة للمباني المتضررة القابلة للتدعيم، سيُنظّم بها تقرير فني للاستناد إليه في المراحل المقبلة".
وبحسب أرقام اللجان المشكّلة، بلغ عدد المباني المهدمة حتى تاريخه، 769 بناءً، في حين بلغ عدد الأبنية المتضررة نحو 4323 بناءً، والأرقام مرجّحة للزيادة، على اعتبار أنّ أعمال اللجان ما زالت مستمرة.
"مهندسون متطوعون"
مع التهديد الذي يلاحق عشرات الأبنية في المنطقة، يتداعى مهندسون متطوعون لعمليات الكشف على تلك الأبنية، للإسراع في إخلائها خشية تضرر مزيد من العائلات، التي ما زالت تتمسك بمنازلها لتعذّر تأمين السكن البديل.
وأوضح المهندس المدني عبد الكريم رزاز - مدير الشركة الهندسية في شركة "وايت روم" الخاصة - قائلاً: "نحن مجموعة من المهندسين العاملين في الشركة، تطوعنا منذ وقوع الزلزال في المنطقة وتضرر عدد كبير من الأبنية، في الكشف عن الأبنية المتصدّعة، بناءً على طلب الأهالي ـ كاستجابة طارئة ـ وبدورهم يرفعون تقييمات اللجنة إلى المجالس المحلية التي تصدر تقريرها سواء لتدعيم البناء أو إزالته، بحسب الحالة".
ويضيف "رزاز" لـ موقع تلفزيون سوريا: "وجدنا لعملنا أهمية، كمؤازرة للجان المشكلة من قبل وزارة الإدارة المحلية، واللجان الأخرى من المهندسين المنتسبين لنقابة المهندسين، لتسريع عمليات الكشف عن الأبنية للحفاظ على أرواح الأهالي القاطنين في الأبنية".
إلى جانب عمله في الفريق الهندسي المتطوع، يشير "رزاز" إلى "جهود كبيرة يقوم بها بشكل فردي، من خلال الاستجابة لجيرانه وأقاربه ومعارفه، على اعتبار أنّ حجم الضرر الذي خلّفه الزلزال، كان كبيراً وواسعاً، وأحدث تصدّعات في كمٍّ واسع من الأبنية".
وعلى اعتبار أنّ غالبية المنازل في مدينة إدلب طابقيّة ومكتظّة بالسكّان، يشير محدّثنا إلى "ضرورة تكثيف عمليات الكشف الهندسية لأنّ انهيار الأبنية سيهدد حياة أعداد كبيرة من الأهالي".