أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مطلع الشهر الجاري، أن بلاده تستعد لعودة مليون لاجئ سوري بصورة "طوعية" إلى "المناطق الآمنة" في الشمال السوري، ضمن خطط تراها أنقرة بأنها تصب في صالح اللاجئين، في حين ينتقدها آخرون ويرون بأنها مغايرة عما أُعلن عنه، وخاصة أطراف المعارضة السياسية في تركيا.
شبكة "دويتشه فيله/ DW" الألمانية أوردت تقريراً حمل عنوان "ما هدف تركيا من إعادة توطين لاجئين في شمال سوريا؟"، أوضحت فيه أن اللاجئين السوريين في تركيا (أكثر من 3،5 ملايين لاجئ) باتوا اليوم "بيادق على رقعة الشطرنج السياسي مع ارتفاع معدل التضخم وضعف قيمة الليرة في حين لا يفصل سوى عام عن إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية"، وفق وصفها.
واعتمدت الشبكة الألمانية في الإجابة عن السؤال الذي عنوت فيه تقريرها، على آراء خبراء وسياسيين أتراك يقيمون خارج تركيا، بالإضافة إلى تجارب بعض اللاجئين السوريين في تركيا.
المناطق "ليست آمنة"
ونقلت DW عن الخبير التركي والحاصل على درجة الدكتوراة من جامعة كامبريدج البريطانية غوني يلدز، أن الهدف السياسي من الخطة المطروحة تتمثل في "السيطرة على المشاعر المعادية للاجئين التي تُعد عاملاً مؤثراً رئيسياً على الناخبين الأتراك في الانتخابات المقبلة".
وقال إن "المنطقة الآمنة" التي يقترحها الرئيس التركي في إدلب "ليست آمنة" في ضوء استمرار القصف الروسي.
وترى الشبكة أن "المنطقة الآمنة" في إدلب باتت تجذب النازحين السوريين مع استمرار تقديم المساعدات الإنسانية بشكل منتظم في حين تشير تقارير غير مؤكدة إلى أن منطقة مخصصة لمليون شخص باتت مكتظة بأكثر من 5 ملايين شخص وهو رقم يبدو منطقياً في ضوء تردي الأوضاع في سوريا بشكل عام، بحسب قولها.
وتفاقمت الأوضاع مع خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا وما ترتب عليه من ارتفاع أسعار المواد الأساسية، بالإضافة إلى انخفاض الأموال التي يقدمها المانحون إذ استطاع مؤتمر المانحين الأسبوع الماضي جمعَ 6.7 مليارات دولار فقط (6.3 مليارات يورو) ما يعد تراجعاً كبيراً عن التقديرات الأممية إذ كانت الأمم المتحدة تأمل في جمع 10.5 مليارات دولار.
وزاد الطين بلة ما أعلنته روسيا من أنها ستعارض تجديد التفويض الأممي لإدخال المساعدات إلى سوريا عبر الحدود التركية خلال التصويت المنتظر مطلع تموز المقبل.
عودة "ليست" طواعية
وتنقل الشبكة عن الشاب السوري "أحمد" (23 عاماً) الذي طلب عدم الكشف عن هويته، بأنه جرى نقله قسراً إلى مدينة عفرين السورية في العاشر من أيار الجاري بعد أن أجبرته الشرطة التركية في إسطنبول على التوقيع على "وثيقة العودة الطواعية". وذلك بسبب سفره من مدينة مرعش إلى إسطنبول بدون إذن سفر.
كما أعرب الشاب السوري محمد (24 عاماً) الذي يقيم منذ نحو عامين في تركيا، عن قلقه حيال إمكانية ترحيله إلى سوريا. وقال للشبكة: "يقع منزلي قرب دمشق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد وأخشى أنه إذا اضطررت للعودة، أن أُعتقل على الفور".
أما السورية "منى" فتأمل في الحصول على الجنسية التركية والبقاء في مدينة إسكندرون التي انتقلت إليها منذ عام 2017. ونقلت الشبكة عن منى (35 عاماً) وهي أم لطفلين يتعلمان اللغة التركية في المدرسة في حين يعمل زوجها في البناء، قولها: "كانت السنوات الخمس الماضية جيدة ومستقرة، لكننا الآن نشعر بالقلق بعد أن سمعنا عن خطط إعادة التوطين".
وأشارت الأمم المتحدة إلى أنه جرى التحقق من عودة أكثر من 81 ألف لاجئ عادوا إلى سوريا منذ عام 2019 وهو ما يتناقض بشكل كبير مع الأرقام التي قدمتها الداخلية التركية في آذار الماضي إذ أعلنت عودة 500 ألف لاجئ سوري.
الإنجازات التركية في الشمال السوري
وأشارت الشبكة في تقريرها إلى أن تركيا أنجزت بناء منازل سكنية وصل عددها إلى 100 ألف منزل بنهاية العام الماضي بما يشمل بناء مدارس ومستشفيات وبنى تحتية في إدلب ومحيطها.
وجرى تقسيم شمالي سوريا إلى منطقة عازلة (آمنة) بعمق 30 كيلومتراً على طول الحدود السورية - التركية المتاخمة لمناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية/ قسد" في شمال شرقي سوريا.
وترى المستشارة السياسية في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمؤسسة (فريدريش إيبرت شتيفتونغ) في برلين، سلام سعيد، أن تركيا "اجتاحت شمال شرقي سوريا عام 2016 ومنذ ذلك الحين تمارس الضغط على (الأكراد) في هذه المناطق. وفي حالة تمكن الرئيس التركي من تنفيذ خطط إعادة توطين نحو مليون سوري غالبيتهم من العرب في هذه المنطقة، فإن هذا سيكون بمنزلة ضربة قوية لـ (أكراد) سوريا" وفق ما نقلت عنها الشبكة الألمانية.