أجرت شبكة "دويتشه فيله/ DW" الألمانية تقريراً بيّنت فيه استعانة الباحثين بآلية "المصادر المفتوحة" التي اعتمدوها للكشف عن جرائم الحرب المرتكبة في سوريا؛ من أجل توثيق الانتهاكات وجرائم الحرب المحتملة في أوكرانيا من جراء الغزو الروسي لها.
وقالت الشبكة في تقريرها المعنون: "خبرات من الحرب السورية في توثيق جرائم الحرب المحتملة في أوكرانيا"، إن الباحثين أصبح لديهم خبرة في توثيق جرائم الحرب عبر المصادر "مفتوحة المصدر" التي عملوا عليها من خلال رصد الصراع في سوريا الذي يتشابه مع الحرب الدائرة حالياً في أوكرانيا خاصة من حيث تورط روسيا في الحرب في البلدين وفي اتباع موسكو لتكتيكات حربية تكاد تكون متشابهة.
ويضيف التقرير أنه في كلا البلدين، استهدفت القنابل الروسية بنية تحتية مدنية ومدارس ودور رعاية الأطفال ومستشفيات وأسواق في أعمال قصف ترتقي لأن تكون جرائم حرب بموجب القانون الإنساني والقانون الدولي. واستعان الباحثون في كلا الحربين، بالمصادر "مفتوحة المصدر" للكشف عن الجرائم المرتكبة خاصة المعلومات المتوفرة عبر الإنترنت بالمجان ووسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما جعلها تسمّى بـ "المصادر مفتوحة المصدر".
وفي عملهم مع المصادر المفتوحة، يجمع الباحثون الأدلة ويتحققون منها على نطاق واسع بما يشمل ذلك هوية القوات المهاجمة وتمركزها وعدد الضحايا وحجم الضرر الذي لحق بالبنية التحتية فضلاً عن المعلومات عن المعدات العسكرية والأسلحة المستخدمة في شن الهجمات.
واستعان المحققون بالمصادر مفتوحة المصدر مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، مثل التسجيلات المصورة على وسائل التواصل الاجتماعي التي تظهر استخدام هجمات صاروخية. كما يحصي المحققون الدبابات التي تم تدميرها وأسماء القتلى من العسكريين والجنود، وينقسم فريق التحقيق بين من يعمل داخل الأراضي الأوكرانية وآخرين في دول أخرى، في تكرار لنفس الآلية المتبعة في سوريا، كما يشير التقرير.
البداية من سوريا
ويلفت التقرير إلى أنه مع بداية استخدام مجال التحقيق مفتوح المصدر في الصراع السوري، بدأ تطور هذه الوسائل، لكن الأمر نضج أكثر في الحرب في أوكرانيا.
وينقل التقرير عن مؤسس موقع "بيلينغكات" المتخصص والرائد في مجال التحقيقات الاستقصائية، إليوت هيغينز، قوله: "لقد وضع ما حدث في سوريا وأوكرانيا بين عامي 2014 و2017، الأسس لما يحدث اليوم"، مضيفاً أن التحقيقات التي أجراها موقعه في الحالة السورية "كانت الأساس لكل العمليات التي نستخدمها الآن في أوكرانيا. كذلك شكل الصراع السوري بداية علاقتنا الحالية مع مجتمع التكنولوجيا ومنظمات المحاسبة الدولية وصانعي القرار السياسي وغيرهم".
Bellingcat has been logging incidents that appear to depict civilian impact or harm since the beginning of the conflict in Ukraine.
— Bellingcat (@bellingcat) March 17, 2022
We have now visualised this data in a TimeMap feature that allows users to explore what we have found 👇 https://t.co/rUBG22X4SV
منظمة "مينمونك/ Mnemonic" غير الربحية (مقرها برلين)، لعبت أيضاً دوراً رئيسياً في جهود التحقيق في جرائم ارتكبت في الصراع السوري عبر مشروعها "الأرشيف السوري" للحفاظ على الأدلة الرقمية عن وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان خاصة أنها مهددة بالاختفاء.
ورأى مشروع "الأرشيف السوري" النور عام 2014 على يد الصحافي السوري هادي الخطيب بعد أن لاحظ ضياع أدلة محتملة على جرائم حرب إذ لم يكن ناشطو حقوق الإنسان يمتلكون في ذاك الوقت تقنيات لتخزين المقاطع المصورة وغيرها من مواد قاموا بنشرها وتسجيلها عن الصراع السوري.
الخطيب بدأ مؤخراً في تدشين "الأرشيف الأوكراني" لحفظ المواد من مقاطع مصورة وصور يعدّها موقع بيلينغكات ذات أهمية. ويقول الخطيب: "لم يستغرق الأمر سوى بضعة أيام حتى استطعنا إنشاء الأرشيف الأوكراني. نملك المعرفة والخبرة في إنشاء مثل هذا الأرشيف، إذ نعلم أن هناك معايير وبروتوكولات معينة يجب وضعها للحفاظ على هذه المواد".
وفي حالة رغبة المنظمة في استخدام هذه الأدلة الرقمية في ساحات المحاكم ، يتعين عليها الكشف عن المصادر والتأكيد بأنها لم تتعرض للتلاعب. وفي هذا السياق، قال الخطيب "لقد تعلمنا كل شيء خلال عملنا في الصراع السوري، فقد استغرق الأمر سنوات حتى وصلنا إلى هذه المرحلة فيما يتعلق بالمواد الخاصة بسوريا."
"Our city center is being erased." That's what one witness to the war in Kharkiv, Ukraine's 2nd city, told @hrw. We mapped the homes of the people we spoke to to videos of their neighborhoods, schools, churches, shops destroyed in 1st 11 days. Explore here https://t.co/HDbnjCeIAO pic.twitter.com/FZ85VWtt8i
— Sam Dubberley (@samdubberley) March 18, 2022
وأضاف الخطيب في حديث خاص مع معدّ تقرير الـDW: "أدركنا استخدام ذخائر عنقودية في أوكرانيا بمجرد رؤيتها وهو الأمر الذي تعلمناه من سوريا. لقد عرفنا كيف يمكن استخدامها وما ينجم عنها من انفجارات صغيرة مختلفة تقع في الوقت نفسه على نحو عشوائي".
وعلى وقع الهجمات الروسية التي استهدفت مناطق مدنية ومستشفيات ومزارع في سوريا، أسست منظمة "مينمونك" ما أطلق عليه الخطيب اسم "تحليل أفضل للأنماط"، ويعلّق: "هناك مؤشرات معينة تخلص إلى القول بأن استهداف مستشفى للولادة في ماريوبول بصاروخ لم يكن بالخطأ".
ويختم الخطيب حديثه بالقول: "يتعين علينا إثبات أن هناك نية متعمدة ولدينا منظومة عمل واضحة في هذا الإطار إذ نفهم كيفية القيام بذلك في الوقت الحالي بسبب أن ما تتعرض له ماريوبول وخاركيف تعرضت له مدينة حلب عام 2016".