شهدت القمة العربية 33 في العاصمة البحرينية المنامة فصلاً جديداً من فصول التقارب بين بشار الأسد والدول العربية، تمثل باللقاء الذي جمع الأسد مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على هامش أعمال القمة.
بمعزل عن الروايات التي انتشرت حول أسباب عدم إلقاء الأسد لكلمة ضمن مؤتمر القمة العام، والتي دارت حول عدم رغبته في الخوض في حرب غزة للحفاظ على النأي بالنفس عن التصعيد، أو الانزعاج من التطرق لتهريب المخدرات من الأراضي السورية، بدا واضحاً أن الدول العربية وعلى رأسها السعودية لديها رغبة في استكمال ما بدأته مع الأسد إلى النهاية، رغم ما يظهر من التعثر في المسار الجماعي على مستوى لجنة الاتصال العربية التي لم تفلح في عقد اجتماعها الذي كان مقرراً في العاصمة العراقية بغداد منتصف أيار/مايو الجاري.
النظام السوري والسعودية
تفيد المعلومات التي رشحت من أروقة القمة العربية بأن وفد النظام السوري هو من بادر بطلب اللقاء مع ولي العهد السعودي، مظهراً حرصه على معرفة الالتزامات التي يجب عليه الوفاء بها أمام الدول العربية.
على عكس ما يفعله النظام السوري تجاه لجنة الاتصال العربية التي لم يظهر التجاوب الكافي معها، فإنه يولي أهمية بالغة لإعادة العلاقات مع السعودية، حيث زار وزير خارجيته فيصل المقداد الرياض شهر نيسان/أبريل الماضي، بعد عدة أشهر فقط من عودة السفارة السعودية لممارسة نشاطها في دمشق عن طريق قائم بالأعمال.
للرياض أهمية بالغة بالنسبة للنظام السوري على مستويين، الأول سياسي وهو حجم تأثيرها في الساحة العربية، وامتلاكها قنوات دبلوماسية مهمة مع الولايات المتحدة الأميركية، أتاحت لها مؤخراً خوض مباحثات من أجل عقد اتفاقية سياسية أمنية تعيد من خلالها صياغة العلاقة بين الرياض وواشنطن، وبالتالي يعول النظام على هذه القنوات لإقناع واشنطن بإعادة النظر في العقوبات الاقتصادية، أما المستوى الثاني فهو اقتصادي حيث تعتبر السعودية من بين الدول المستهدفة من قبل النظام السوري لتوفير تمويل لعمليات إعادة التعافي المبكر وإن كان تحت غطاء الأمم المتحدة.
دعم مشروط للتقارب
لا يبدو أن التقارب العربي مع النظام السوري بعيدٌ عن السياق الإيراني أو ضده، خاصة أن التقارب السعودي مع النظام بدأ منذ اتفاق الرياض وطهران على استعادة العلاقات الدبلوماسية في آذار/مارس 2023.
من الواضح أن إيران أتاحت لحلفائها في المنطقة مساحة للتحرك باتجاه العرب من خلال عدة خطوات، وأبرزها تطبيع العلاقات مع السعودية، والتي تبعها تطور ملحوظ في العلاقات بين الرياض والنظام السوري من جهة، والرياض مع الحكومة العراقية من جهة أخرى.
من جهة أخرى، تبذل طهران جهوداً كبيرة للتقارب مع الأردن والأخيرة لما تمانع هذا، بالإضافة إلى التعاطي الإيجابي مع حلفاء طهران في العراق وسوريا في حال تمت معالجة مخاوفها الأمنية.
من المؤشرات المهمة على عدم معارضة إيران لانفتاح النظام السوري على العالم وخاصة الدول العربية، التزامها طوال فترة الحرب على غزة بعدم استخدام الأراضي السورية لتهديد أمن إسرائيل، رغم الضربات التي تلقتها وأدت إلى مقتل قيادات بارزة في الحرس الثوري على الأراضي السورية، وخاصة تعرض سفارتها للقصف الإسرائيلي في نيسان/أبريل الماضي.
تدخلت إيران لخفض نشاط الميليشيات التابعة لها على الأراضي السورية إلى الحد الأدنى، وباتت تفضل الاعتماد أكثر على التنسيق مع العشائر العربية شمال شرقي سوريا لممارسة الضغوطات على القوات الأميركية المنتشرة في المنطقة، ويبدو هذا في إطار عدم إحراج النظام السوري أمام الدول العربية، وإتاحة المجال أمام مسار التطبيع، بل ذهبت أبعد من هذا وأعادت نشر القوات الموالية في القنيطرة جنوبي سوريا قرب هضبة الجولان، بالتوازي مع نشر العديد من نقاط المراقبة الروسية.
وتتيح إيران هامشاً من المناورة أيضاً في الساحة العراقية لحلفائها من أجل تحسين العلاقات مع دول الجوار والولايات المتحدة الأميركية، لكن ضمن ضابط عدم التضحية بالمصالح الإيرانية، رغبة منها بتحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية بما يخدم مصالحها.
ويبدو أن دول المنطقة بدأت تفكر جدياً بالتفاهم المباشر مع إيران من أجل حل الملفات العالقة، وبالتالي فإن استيعاب حلفاء إيران جزءاً من هذا التوجه تبلور بشكل أكبر بعد القناعة بعدم ثبات الموقف الأميركي تجاه طهران نظراً لتبدل الإدارات الأميركية، والحرص المستمر من قبل الديمقراطيين على الحفاظ على المسار التفاوضي مع طهران.
رسائل طمأنة إلى إيران
وفي أواخر عام 2023 نأت كل من السعودية والإمارات بنفسيهما عن المشاركة في عملية حارس الازدهار التي قادتها واشنطن من أجل استعادة الاستقرار في البحر الأحمر، عقب التصعيد من طرف جماعة الحوثي اليمنية المدعومة من إيران، مما أعطى مؤشراً جديداً على رغبة عربية بإرسال رسائل طمأنة باتجاه إيران، مفادها الحرص على عدم توتير العلاقات، خاصة بعد أن أعلنت طهران بشكل قاطع رفضها لهذه العملية، ولوحت بمواجهتها.
منذ عملية طوفان الأقصى، ترسل طهران بشكل مستمر الرسائل باتجاه الدول الإقليمية، وتعبر من خلالها عن رغبتها بالتنسيق المشترك من أجل وضع تصورات لواقع المنطقة بعد توقف المعارك في غزة، إلا أن الحفاظ على مسار التهدئة والاستمرار في العمل على تحسين العلاقات مرتبط بعوامل كثيرة أهمها الجدية الإيرانية بعقد تفاهمات راسخة مع دول الجوار.
تقارب وفق الرؤية الإيرانية
عموماً، وفق المعطيات الراهنة، تبدو عملية تقارب الأسد مع العرب أقرب لكنها تسير وفق الرؤية الإيرانية، وليست عملية تمرد على طهران، رغم مساعي الأسد لإيهام العرب بعكس هذا، وهذا لا يمنع أنه يفكر بالخيارات البديلة التي توفر له البقاء في حال كان هناك توجه حقيقي مستقبلاً لإضعاف النفوذ الإيراني.