شكّل الإعلان عن إصابة أسماء الأسد بمرض السرطان للمرة الثانية، مفاجئة وخطوة غير مألوفة لدى كثير من السوريين، كونه خرقاً للنمط السري الذي كان يتسم كغيره من الأنظمة الشمولية بالغموض والكتمان، ولاسيما فيما يتعلق بصحة الرئيس وأفراد عائلته، ولطالما كانت تحاط بغموض تام، ولا تكتشف إلا بعد فترة طويلة إن أُعلنت أصلاً، فكثير من الأحداث جرت في عهد حافظ وبشار الأسد بقيت حبيسة التاريخ، وفي ضوء تاريخ النظام الطويل في إخفاء الحقائق وتقديم روايات محددة تخدم أهدافه.
اعتاد السوريون تضليل النظام والشك برواياته الرسمية، فوراء كل قرار يُتخذ، أو كل خبر يُنشر في الإعلام، يخفي مصالح وأهدافاً محددة، ومن هنا انطلقت التحليلات حول الدوافع وراء هذه الشفافية المفاجئة، وفرضيات بشأن تأثير غياب أو تغييب أسماء عن المشهد السوري وخاصة الاقتصادي.
سرطان أسماء بين إعلانين
ليست هذه المرة الأولى التي يُعلن فيها عن إصابة أسماء الأسد بالسرطان، ورغم اختلاف نوع المرض، إلا أن الفارق كان في طريقة الإعلان وما تبعها من أحداث.
في 8 آب 2018، أُعلن عن إصابة أسماء الأسد بسرطان الثدي من خلال نشر صورة لها على حسابات "رئاسة الجمهورية" برفقة زوجها بشار الأسد، الذي وصفته في إحدى مقابلاتها بأنه "شريك العمر" في رحلتها مع المرض.
وأرفقت "رئاسة الجمهورية" الصورة بعبارة: "بقوة وثقة وإيمان.. السيدة أسماء الأسد تبدأ المرحلة الأولية لعلاج ورم خبيث بالثدي اكتشف مبكراً"، أعقبها نشر فيديوهات تظهر فيها برفقة زوجها وأولادها الثلاثة في مراحل متعددة من العلاج داخل مشفى تشرين العسكري بدمشق، إلى جانب صورة تتابع فيها عملها من داخل المشفى.
وبدلاً من اتخاذ تدابير احترازية نتيجة انخفاض مناعة الجسم وزيادة فرص الإصابة بالعدوى بعد العلاج الكيميائي، كثفت أسماء من ظهورها الإعلامي بشكل ملحوظ، حيث ظهرت 26 مرة منذ بدء إصابتها وحتى إعلان شفائها منه في 3 آب 2019.
ومن أبرزها كان زيارتها مع بشار الأسد لأحد أنفاق حي جوبر التي حفرها مقاتلو المعارضة بعد إعلان إصابتها بأسبوع فقط، بالإضافة إلى زياراتها للجمعيات الإنسانية ولقاءاتها المتكررة مع المصابين وأسر قتلى النظام.
أما إعلان الإصابة الأخير، فقد كان مقتضباً تحت عنوان "بيان من رئاسة الجمهورية"، وهي المرة الأولى التي ينشر فيها النظام بياناً يتعلق بصحة أحد أفراد الدائرة الضيقة، حيث كانت البيانات السابقة المتعلقة بالعائلة، تخص إعلانات الوفاة فقط.
وتضمن البيان: "بعد ظهور أعراض وعلامات سريرية مرضية تبعتها سلسلة من الفحوصات والاختبارات الطبية، تم تشخيص السيدة الأولى أسماء الأسد بمرض الابيضاض النقوي الحاد (لوكيميا)".
وأشار إلى أنّ أسماء الأسد "ستخضع لبروتوكول علاجي متخصص يتطلب شروط العزل مع تحقيق التباعد الاجتماعي المناسب"، مؤكداً أنها "ستبتعد عن العمل المباشر والمشاركة بالفعاليات والأنشطة كجزء من خطة العلاج".
وأثارت عبارة "الابتعاد عن العمل المباشر" فرضيات وتحليلات حول خلافات داخل العائلة، نظراً لأن غياب أسماء عن المشهد ليس بالأمر السهل، خاصة في ظل توليها ملفات حيوية في سوريا.
وفي ضوء الإشاعات التي انتشرت حول تدهور صحتها وسفرها إلى بريطانيا، خرجت أسماء في تسجيل مصور بعد ثلاثة أيام، اعتبرت فيه أن امتلاك القوة والإرادة ضرورة ليس للتغلب على المرض فقط، وإنما لتحمل البعد عن الناس، خاتمة كلامها بعبارة "بشوفكم عن قريب"، في إشارة إلى غيابها عن الظهور الإعلامي.
حديث أسماء كان مختصراً بشكل كبير، حيث لم يتجاوز التسجيل 43 ثانية فقط، وهو ما يختلف عن طبيعتها المعتادة، كونها تعتبر من الأشحاص المتعطشين للسلطة والتحدث ولفت الانتباه واستعطاف الناس.
من الظل إلى النفوذ
لم تكن مسيرة أسماء داخل عائلة الأسد، التي بدأت قبل 24 عاماً، مفروشة بالورود على الإطلاق، حيث تحولها من مصرفية تعمل في بنك "جيه بي مورغان" في العاصمة اللندنية، حيث ولدت وعاشت، إلى سيدة في بلاط قصر المهاجرين من خارج الطائفة، جعلها تواجه صعوبة في الحصول على مكانة بين العائلة الحاكمة.
وحسب ما نشرته صحيفة "ذي إيكونوميست" في تقرير لها 2021، فإن عائلة الأسد فشلت في إلغاء زواج بشار من أسماء، لذلك قيل لها "إن وظيفتها تتمثل في إنجاب الورثاء والبقاء بعيداً عن وسائل الإعلام".
وتعليقاً على ذلك يقول الكاتب الصحفي بسام جعارة لموقع تلفزيون سوريا إن إحدى المقربات من القصر الجمهوري، لم يذكر اسمها، قالت له إن "زواج بشار من أسماء كان سياسياً هدفه سرقة السلطة من العلويين".
بالفعل، بقيت أسماء بعيدة عن الظهور الإعلامي بعد زواجها، باستثناء عدة مقابلات مع وسائل إعلام أجنبية أجريت معها خلال مرافقتها لبشار الأسد إلى دول أوروبية، حيث لعبت دوراً في انفتاح الغرب على النظام، تحدثت فيها عن رغبتها في تغيير وجهة نظر العالم تجاه سوريا.
ومع وجود حيتان الاقتصاد وعلى رأسهم رامي مخلوف، حاولت أسماء تحدي هيمنته وأنشأت مجموعتها الاقتصادية تحت اسم "سوريا القابضة" كمنافس لشركته "شام القابضة" التي تضم كبار رجال الأعمال.
وفي ظل عدم تمكنها من كسر هيمنة ابن خال الأسد، وجهت اهتمامها نحو الأعمال الخيرية وأسست "الأمانة السورية للتنمية" في 2007، والتي أصبحت لاحقا أداة مهمة من أدوات النظام، حيث حصلت على ملايين الدولارات من الأمم المتحدة.
بعد عام 2011، وبينما كانت الأنظار تتوجه إلى ابنة حمص، المدينة التي شهدت أبشع المجازر، لمعرفة موقفها من الجرائم التي يرتكبها نظام زوجها بحق السوريين، كان جل اهتمامها منصباً على التسوق عبر الإنترنت وشراء الأحذية والفساتين من أشهر الماركات العالمية، حسب ما كشفته صحيفة "الغارديان" البريطانية بعد تسريب ناشطي المعارضة السورية لرسائل بريدها الإلكتروني.
وفي إحدى الرسائل المتبادلة بين أسماء وابنة أحد الزعماء الخليجيين حول موافقتها على ما يجري، عبرت أسماء بالقول "ليس لدي مشكلة مع الصراحة أو الصدق، في الحقيقة الأمر بالنسبة لي مثل الأكسجين، أحتاجه للبقاء على قيد الحياة. الحياة ليست عادلة يا صديقتي، ولكن في النهاية هناك واقع يجب علينا جميعاً التعامل معه".
وبقيت أسماء في الظل، يقتصر ظهورها على زيارة جمعيات ولقاءات مع عائلات قتلى النظام، حتى وفاة أنيسة مخلوف، والدة بشار الأسد في عام 2016، عندها تغير كل شيء بعد غياب من كان يقف في وجه صعودها في قصر العائلة.
وبدأت بالظهور بشكل سريع على محورين: الأول إعلامي، من خلال إجراء مقابلات مع وسائل إعلام وزيارتها لأهالي البيوت الفقيرة خاصة في الساحل السوري؛ والثاني اقتصادي، من خلال تعزيز نفوذها عبر شخصيات وأذرع مرتبطة بها.
وفي أول مقابلة تلفزيونية لها بعد 8 سنوات، مع قناة "روسيا 24" في 2016، أكدت أسماء أنها لم تسع أبداً إلى الظهور العلني، مشيرة إلى أن وقوفها إلى جانب بشار الأسد لأنه "يتطابق تماماً مع قناعاتها".
ووسعت أسماء نفوذها وتحكمت بمفاصل الاقتصاد عبر "مكتب سري" تترأسه إلى جانب عدد من الأشخاص، حسب ما كشفته صحيفة "فايننشال تايمز"، والذي ضم كلاً من فارس كلاس، وهو الأمين العام لـ”الأمانة السورية للتنمية"، ولينا كناية، وكانت سابقاً مديرة مكتب أسماء.
إضافة إلى دانا بشكور المديرة الحالية لمكتب أسماء، ولونا الشبل أحد مستشاري بشار الأسد، وخضر علي طاهر وهو مالك لشركة "إيماتيل" أكبر مشغل لبيع الهواتف في سوريا، ويسار إبراهيم الذي يعتبر الذراع اليمين لأسماء، وصاحب إمبراطورية اقتصادية من خلال تأسيس العديد من الشركات في مختلف المجالات.
وبرزت أسماء، الذي وصفت بصفات متناقضة من "وردة الصحراء" و"سيدة الياسمين"، إلى "السيدة الأولى للجحيم" و"رمز الفساد"، كلاعب أساسي في مختلف الملفات، وخاصة الاقتصادية.
هذا اللاعب الجديد كان مغايرا لما ألفه السوريون بمختلف طوائفهم، منذ استلام آل الأسد سدة الحكم، في سبعينيات القرن الماضي، عندما سُلمت مفاتيح مخازن البلاد وثرواته إلى آل مخلوف، بدءاً من محمد مخلوف خال بشار الأسد، وصولاً إلى ابنه رامي.
بهذا التحول الدراماتيكي، لعبت أسماء دوراً في إعادة تشكيل بنية السلطة الاقتصادية وتوزيع القوة والصراع على النفوذ والموارد في سوريا، خاصة بعد صراعها مع رامي مخلوف، الذي كان أقوى رجل أعمال وخازن بيت مال الأسد لمدة عقدين من الزمن، قبل أن تطيح به أسماء الأسد القادمة من الغرب في 2020، لتتمكن من السيطرة على غالبية شركاته وخاصة "سيرتيل" و"MTN" للاتصالات.
وحسب ما قاله صحفي مطلع في الساحل السوري لموقع تلفزيون سوريا، طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، فإن "إقصاء رامي من المشهد كان متفقاً عليه بين أسماء وبشار الأسد".
وأضاف أن مخلوف توغل بشكل كبير ولم يعد بمقدور الأسد السيطرة عليه، لذلك كان المخطط إنهاء هيمنته، وتوزيع الأدوار على عدة شخصيات وعدم حصرها بيد جهة واحدة، حيث أُسندت المهمة إلى أبو علي خضر في الساحل السوري، وإلى حسام القاطرجي في حلب، ويسار إبراهيم في دمشق.
وانطلاقاً من مبدأ "مع أو ضد"، جمعت أسماء رجال الأعمال في فندق شيراتون بدمشق في 2020، ترأسه حاكم مصرف سوريا المركزي حينها، حازم قرفول، وعرض عليهم قائمة بالعقارات والأصول الأخرى التي يملكونها، والصفقات المربحة التي أبرموها، وهددهم بمصادرة ثرواتهم إذا لم يقدموا مساعدات مالية لخزينة الدولة.
ومن أشهر رجال الأعمال كان سامر فوز ووسيم قطان ومحمد حمشو، الذي يعتبر الذراع الاقتصادية لماهر الأسد، وغسان القلاع وسامر الدبس.
ولأن نظام الأسد هو "فاشي أمني عسكري، لا يمكن أن يسمح لأي شخص مثل أسماء أو غيرها بأخذ القرار منهم"، حسب ما يقول الصحفي بسام جعارة، أكدت صحيفة "فايننشال تايمز" أن بشار الأسد هو "مدير التفاصيل" لكل ما سبق.
وحسب وكالة "رويترز" فإن بشار الأسد وشقيقه ماهر طلبوا في 2019 من مدير جهاز المخابرات السورية آنذاك علي مملوك، "تعقب ثروة مخلوف في الخارج"، في إشارة إلى أن الصراع مع رامي وإعادة ترتيب خازن مال العائلة كان بإشراف بشار الأسد.
غليان في عرين الأسد
خلق نفوذ أسماء الأسد غلياناً في عرين الأسد بالساحل السوري، وتعالت الأصوات من الطائفة العلوية الذين انتقدوا مجلسها السري وتحميله المسؤولية عن انهيار الاقتصاد.
وبدأت الاحتجاجات "الفيسبوكية" تتوسع بشكل غير مسبوق، حيث ظهر ناشطون من الطائفة العلوية في فيديوهات ومقاطع مصورة على وسائل التواصل الاجتماعي، منتقدين بشكل مباشر بشار الأسد ونفوذ زوجته أسماء وتحميلهما مسؤولية التدهور الاقتصادي.
في 2 من نيسان 2023، نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن أحد الأشخاص من الطائفة العلوية قوله: "لم نمر بكل هذا لنضع سوريا في أيدي امرأة سنية".
وفي تموز العام الماضي، وجه الناشط العلوي إحمد إبراهيم اسماعيل رسالة نارية من قلب مدينة اللاذقية، إلى بشار الأسد وقال "لقد حان الوقت لأن يفهم الجنرال (الأسد) أننا نريد أن نعيش… لا يمكنك اعتقال جميع السوريين".
وكشفت ابنته لاحقاً في منشور عبر "فيس بوك"، قبل حذفه لاحقاً، أن الأجهزة الأمنية اعتقلت والدها بعد انتقاده، وقالت إن أحد الأشخاص عرف عن نفسه بأنه مفوض من المكتب السري تواصل مع والدها قبل اعتقاله وعرض عليه مبالغ مالية مقابل التوقف عن النشر.
كما ظهر الناشط أيمن فارس في تسجيل مصور في أغسطس من العام نفسه، موجهاً رسالة إلى بشار الأسد، قائلا فيها "إن زوجتك أبادت الساحل إبادة، وجوعتهم"، مضيفاً "أنت وزوجتك أفقرتوا الشعب".
ولم تمض ساعات على تسجيل أيمن فارس، حتى خرج الناشط السوري ماجد الداوي من محافظة اللاذقية، في تسجيل عبر "فيس بوك" وصف فيه بشار الأسد بـ"المنافق والكذاب"، وتحدث عن "ثورة كرامة جديدة".
وقال الداوي، موجهاً كلامه لبشار، "لم يبق لديك حاضنة شعبية تسلحها من أجل قتل من ثار ضدك، وبقي عندك فقط أفرع أمنية"، مضيفاً "أتحداك أنك تجرؤ على استخدام جيشك ضد شعبك مرة ثانية، لأن جيشك من الضباط الأحرار سوف يخلعك، وبالبوط العسكري".
هذا الغليان دفع الأسد وزوجته أسماء إلى تكثيف زياراتهما إلى قرى وبلدات الساحل السوري ذات الغالبية العلوية لاحتواء الغضب لكن دون جدوى، حيث استمرت الأصوات الغاضبة.
واعتقلت القوى الأمنية التابعة للنظام، المحامي سامر رجب، مطلع العام الحالي، على خلفية منشور له على وسائل التواصل الاجتماعي، شتم فيها بشار الأسد وزوجته ورؤساء الأجهزة الأمنية، واصفاً إياهم بأنهم خدم لأسماء الأسد ويعملون تحت إمرتها.
وينحدر رجب من اللاذقية، وهو متزوج من سماح جمال الأسد، شقيقة كفاح الأسد، ويعمل بالتجارة أيضاً ويملك العديد من محطات الوقود في اللاذقية.
لماذا غيبت أسماء؟
منذ مطلع العام الحالي، نقلت وسائل إعلام مختلفة عن صراعات بين أسماء الأسد وأذرعها الاقتصاديين، وبينما ذكر موقع "صوت العاصمة" عن تعرض يسار إبراهيم للتسمم قبل أشهر، ذكر موقع "نورث برس" أن خلافات برزت بين أسماء وحسام قاطرجي على خلفية رفضه دفع إتاوات للمكتب السري.
كما ذكرت صحيفة "العربي الجديد" وموقع "صوت العاصمة" وضع أبو علي خضر تحت الإقامة الجبرية، وهو ما أكده الصحفي المطلع لموقع "تلفزيون سوريا" باقتياده إلى دمشق ووضعه في فيلا في منطقة يعفور بريف دمشق، وتم قطع الاتصالات عنه خوفاً من تكرار سيناريو تسجيلات رامي مخلوف.
وعلى الرغم من عدم إمكانية التحقق من مصدر المعلومات السابقة، إلا أن تزامنها مع الإعلان عن مرض أسماء الأسد وغيابها عن المشهد يخفي وراءه الكثير من التساؤلات، ويشير إلى انتهاء "لعبة أسماء" كما وصفها الكاتب بسام جعارة.
وقال جعارة إن تعظيم دور أسماء عبر الإعلام خلال السنوات الماضية، وأنها تمتلك قراراً وصلاحيات أمنية وعسكرية وأنها تقود انقلاباً سنياً في سوريا، كان "لعبة من قبل بشار الأسد، بهدف خلق رامي مخلوف جديد للسوريين لكن من السنة، وإبعاد صفة السرقة والسيطرة عن العلويين".
وأضاف: "أسماء لا تملك القدرة على اتخاذ أي قرار أمني أو اقتصادي داخل النظام، وكل ما تستطيع عمله هو التأثير على بشار، لذلك الدور الذي أعطي لها كان أكبر من حجمها بكثير وله أهداف سياسية".
بسام جعارة: الهدف من تضخيم أسماء رسالة بأن النظام ليس علوياً والقرار فيه ليس للعلويين
وأشار جعارة إلى أن الهدف من تضخيم أسماء "إسقاط صفة الفساد عن العلوية" التي ارتبطت بآل مخلوف طيلة العقود الماضية، وإيصال "رسالة بأن النظام ليس علوياً والقرار فيه ليس للعلويين، وإنما لأسماء الأسد السنية عبر إظهارها بأنها متحكمة ورمز الفساد في سوريا".
واعتبر أن "أسماء الأسد بغبائها قبلت لعب هذا الدور، لكن عندما كبرت اللعبة وبدأ أهالي الساحل بشتم بشار علناً، قرر إيقافها بغض النظر عن صحة مرضها أم لا".
من جانبه أوضح الكاتب السوري بسام يوسف لموقع تلفزيون سوريا، أن كراهية أهالي الساحل لأسماء الأسد بدأت منذ قضية رامي مخلوف، الذي كان يقدم مساعدات مالية وخدمات صحية عبر "جمعية البستان"، لكن مع بروز أسماء خفت هذه المساعدات بشكل كبير.
بسام يوسف: كراهية أهالي الساحل لأسماء الأسد بدأت منذ قضية رامي مخلوف، الذي كان يقدم مساعدات مالية وخدمات صحية عبر "جمعية البستان"
واستبعد يوسف إصابة أسماء بسرطان الدم، واعتبر أن هدفه إبعادها عن المشهد العام لوجود ترتيبات سياسية جديدة بأطراف دولية، متسائلاً "ما هو الدور والتسمية الرسمية لأسماء الأسد لكي تعلن الدولة أنها مريضة".
بدوره، أكد الصحفي المطلع أن "جمعيات رامي مخلوف كانت تساعد العلويين بسخاء، ولكن بعد استلام أسماء الأسد وتخفيف المساعدات، حدثت أزمة اقتصادية لديهم مما ولد حقداً عليها"، مضيفاً أن كراهية أهالي الساحل لها تعود إلى "عنجهيتها" الكبيرة في زياراتها الشعبية إلى قرى وبلدات المنطقة، على عكس ما يصوره إعلام النظام.
ويروي الصحفي حادثة جرت خلال زيارة أسماء إلى الساحل، حيث اشتكت إحدى إمهات القتلى من الوضع الاقتصادي، لترد عليها أسماء بعنجهية بأن "الساحل السوري هو المخدة التي ننام عليها أنا وسيادة الرئيس"، ما خلق مشكلة بين الحاضرين والقوى الأمنية المرافقة لها.
واعتبر الصحفي أن بشار الأسد شعر بكره الطائفة له، وتغييب أسماء عن المشهد له أسباب مباشرة وغير مباشرة.
السبب غير المباشر هو إقناع السوريين بقيامه بإصلاحات، وأن أسماء كانت رأس الفساد، أما السبب المباشر فهو "تخفيف الاحتقان الموجود ضده في الساحل والعودة إلى الحضن العلوي لأنه يعلم جيداً أن من أبقاه في الحكم هم العلويون ومن يزيحه عن الحكم هم العلويون"، حسب تعبير الصحفي.
وأشار إلى أن أسماء الأسد، التي اخترقت كل الأجهزة في سوريا باستثناء جهاز المخابرات، "كانت الضحية والشخصية التي حمّلها بشار كل السيئات وحان وقت ذبحها".
صحفي من الساحل السوري: أسماء الأسد، اخترقت كل الأجهزة في سوريا باستثناء المخابرات، وكانت الضحية والشخصية التي حمّلها بشار كل السيئات وحان وقت ذبحها
كما اعتبر أن التسجيل الأخير الذي ظهرت فيه أسماء الأسد وختمته بعبارة "بشوفكم عن قريب"، إضافة إلى أن "تعابير وجهها ليست كما كانت سابقا، وطريقة كلامها باختصار شديد ليست من شيمها" دليل على أنها "ليست راضية" عن تغييبها عن المشهد.
هل من بديل؟
وفي ظل غياب أسماء، باتت التساؤلات حول الاسم الذي سوف يتسلم مفاتيح خزينة آل الأسد ويشرف عليها، لاسيما أن السوريين اعتادوا وجود شخصية اقتصادية بارزة تدير وتهيمن على كل شيء.
إلا أن محللين أجمعوا لموقع تلفزيون سوريا بأن غياب أسماء لن يمهد لإعادة هيكلية الشبكات الاقتصاد السورية، كما لن يكون هناك اسم بديل لعدم تكرار التجارب السابقة.
الكاتب بسام يوسف، قال إن سوريا دولة مافيات وإن غياب أسماء سوف يؤثر على "آليات النهب في سوريا"، مضيفاً أن الأموال التي نهبتها أسماء الأسد خلال السنوات الماضية تم نقلها كلها إلى الخارج وخصوصاً دول الخليج ووضعت باسمها.
وأكد يوسف أن غياب أسماء لن يكون له أي تأثير لأن "النسبة الساحقة من السوريين وتحديداً في منطقة الساحل يعلمون أن هذه الشخصيات مجرد لصوص، والتالي استبدال لص مكان لص لن يؤثر عليهم".
من جانبه توقع بسام جعارة تقليص دور ونشاط أسماء الأسد إلى حد كبير وخاصة الإعلامي، وإنهاء الحديث عن سيطرتها وتحكمها ودورها الاقتصادي لتخفيف موجة الكراهية في الساحل وإعادة التوازن للأمور.
إضافة إلى عدم ظهور شخصيات جديدة بدلاً عنها، لأنها "لعبة انتهت سواء كان المرض صحيح أم لا، واستفادة النظام من هذه اللعبة من أجل تغير مصطلح علونة الفساد إلى سنية الفساد"، حسب كلامه.