اعتادت سوريا قبل عام 2011 استقبال نخبة من نجوم الفن في العالم العربي، وحصرت سابقاً بمهرجانات رسمية كمهرجان الباسل أو مهرجان قلعة دمشق، ولاحقاً بدأت المهرجانات تنتشر كمهرجان الوادي، فضلا عن الفعاليات التي يعلن عنها أصحاب المطاعم والفنادق.
وخلال سنين الحرب توقفت كل الفعاليات الفنية في سوريا حتى عادت بشكل خجول في فترات الصيف وخاصة في شهر آب تزامناً مع عيد السيدة وعيد الصليب. ومنذ أربعة أعوام تقريباً بدأ أصحاب المنتجعات السياحية باستقطاب بعض النجوم العرب غير المشهورين وبعدها عاد مهرجان قلعة دمشق بشكل سنوي.
ويتزامن الترويج لهذه الحفلات والنشاطات السياحية، مع ارتفاع أصوات معارضة للنظام السوري وسياسات حكومته من داخل مناطق سيطرته، احتجاجا على انهيار الوضع المعيشي.
فنانون موالون للنظام يعودون إلى سوريا
عرف عن النظام السوري دعمه لفنانين عرب ولبنانيين، مثل نجوى كرم التي اعتادت الغناء في كل تجديد لولاية الأسد الأب وغيرها من النجوم، وكانت المفاجأة الكبرى العام الفائت بإحيائها حفلاً ضخماً في دمشق بعد غيابها لسنين طوال عن سوريا؛ وقد شهد الحفل حضوراً كبيراً.
وفي العام نفسه حضر الفنان "عمر سليمان" وأحيا حفلة حتى الفجر في مطعم في منطقة "وادي النصارى" وهو ما كان مفاجئاً لكثير من السوريين.
"أحب حضور الحفلات ولست منزعجاً من كثرتها ولكنه لأمر غريب أن تجد الشوارع تعج بدعايات الحفلات في وقت لا يجد السوريون فيه ما يسد رمقهم"؛ يقول سامر وهو شاب ثلاثيني يعاني الأمرين شهرياً ليعيل عائلته ويساندهم في المعيشة.
ويضيف أن بطاقة حضور حفلة ريم السواس في أحد المطاعم وصلت الأسبوع الفائت لمليون ليرة سورية، وهو ما يصرفه خلال ثلاثة أشهر، ويكمل ضاحكاً أن هذه المفارقة هي وجه سوريا المقبل، أناس لا يجدون ما يأكلونه وأناس يدفعون مصروف عائلة لشهر في حفلة واحدة.
هذا العام يعود مهرجان قلعة دمشق مع أسماء فنانين عرب وسوريين مترافقاً مع ضجة إعلامية كبيرة ودعايات كثيرة، ولن تتوقف هذه الحفلات فقط عند مهرجان قلعة دمشق، بل هنالك مهرجان الوادي إضافة لفعاليات منفصلة خلال موسم الصيف في المنتجعات السياحية مترافقة مع الأعياد الدينية.
ومن الأسماء التي ستحضر هذا العام إلى سوريا: مروان خوري، كارول سماحة، جوزيف عطية زياد برجي وصابر الرباعي وغيرهم.
تعويم النظام فنياً وسياحياً
منذ العام الفائت والنظام يسعى بعدة طرق لتحسين صورته وجذب المغتربين السوريين والسياح العرب إلى سوريا، ولا يقوم بذلك عبر وسائل إعلامه الرسمية إنما عبر منصات التواصل الاجتماعي من خلال المؤثرين السوريين المعروفين بموالاتهم للنظام السوري كصفحة "my syria" والتي تنشر مقاطع فيديو تظهر سوريا وكأنها جنة على الأرض.
وهذه الصفحة تحديداً وغيرها من الصفحات المعروفة بقربها من النظام السوري تعمل جاهدة لنشر صور وفيديوهات من مناطق سياحية في سوريا على مواقع التواصل الاجتماعي والترويج "للوضع الجيد والآمن في سوريا" حسب زعمهم.
ومنذ وقوع الزلزال المدمر في شباط، والنظام يستغل كل فرصة ممكنة ليعود إلى الساحة العربية والدولية. بداية من إعادة افتتاح السفارات العربية تباعاً والعودة للجامعة العربية وصولاً "للتلاحم السوري الإماراتي" كما يصفه الإعلام الرسمي.
اقرأ أيضا: في عوالم موازية.. حفلات "دي جي" بدمشق مقابل مأساة لاجئين سوريين غارقين
"كل فترة نسمع عن وفد إماراتي ويطلب منا مديرنا أن نتهيأ لاستقباله، معتادون على وفود روسية أو عراقية، ولكن الإماراتيين وجودهم جديد وله دوافع خفية" يقول مازن وهو موظف في أحد قطاعات الصحة في اللاذقية.
ويؤكد أن الهدف من هذه الزيارات وتحسين الواقع الخدمي الصحي في اللاذقية في المشافي والمراكز الصحية ورفدها بمعدات وكوادر، ماهو إلا لخدمة السياح العرب في حال احتاجوا لأي خدمة صحية إسعافية.
ولا يقوم النظام بأي حركة بشكل مفاجئ إنما يمهد لها وفق خطط مدروسة حسب قول "أحمد" وهو باحث في الشؤون الاجتماعية. والذي يرى أن القصة بدأت منذ قدوم الفنانين العرب والتمثيل في سوريا بشكل تدريجي وبعده كان مسلسل "الزند" والذي أمن له النظام السوري كل التسهيلات الممكنة للتصوير ونتج عنه إظهار الطبيعة والأراضي السورية بشكل مذهل وتبعه مصورون فوتوغرافيون أقاموا جلسات تصوير في نفس المناطق.
وبحسب أحمد فإن هذه الصور والفيديوهات والحملات الترويجية لواقع الطبيعة السورية والمنتجعات السورية وبشكل بسيط ومستمر ومتتابع تؤثر بالجمهور العربي وتدفعهم بشكل لا إرادي لزيارة سوريا؛ وهو مايعمل عليه النظام بكل الطرق ليضمن عودته للساحة الدولية ويضمن عودة ضخ أموال التعافي المبكر.
ماذا فعل النظام لاستقبال السياح العرب؟
للوهلة الأولى يظن المتابع للحملات الترويجية أن النظام سيقدم للسياح العرب كل التسهيلات الممكنة لقدومهم إلى سوريا، ما سينعكس إيجاباً على الواقع المعيشي بشكل عام. فيفترض تحسن واقع الطرق والخدمات الصحية وواقع المياه والكهرباء وتأمين الوقود للسيارات السياحية.
إضافة إلى إزالة حواجز داخل العاصمة دمشق، ومؤخرا إزالة حاجر البرجان على الطريق الدولي، بحسب صفحات موالية للنظام السوري.
لكن ما حصل هو العكس تماماً؛ فأول خطوة قامت بها حكومة النظام هي طرح بطاقة خاصة بالسياح لتعبئة الوقود الأوكتان 95 وبسعر أعلى من قبل، وبشروط خاصة للتعبئة، وبفرض أن محطات الوقود النظامية تخضع لشروط المراقبة فستكون خيار السياح الأول لتعبئة سياراتهم بدلاً من الشراء من السوق السوداء والتي لا تُضمن جودة الوقود منها وقد يكون غير نظامي ومغشوشا.
"سمير" شاب قرر هذا العام زيارة سوريا وإحضار سيارته الخاصة من دبي كي لا يضطر لاستئجار سيارة. بدأت معاناته منذ دخوله الحدود عند أول نقطة للجمارك، وبعد عبور عدة حواجز لقوات النظام اكتشف أن ما وفره من نقود دفعه كرشاوى هنا وهناك وجملة "شو جايبلنا معك من الغربة" لاحقته عند كل حاجز عبره. يؤكد سمير أنه لو علم بأن الوضع سيكون "كارثيا" لما فكر بالعودة. ويشار إلى أن التعامل بهذه الطريقة ليس محصوراً بالمغتربين السوريين بل بكل سيارة تحمل نمرة عربية تتجاوز الحدود وتتجول في سوريا.
وسمح النظام لمنتجعاته السياحية بالتعامل بالدولار من جديد مع السياح العرب والأجانب وتغاضى عن المغتربين السوريين فيما يخص هذا الأمر، وقد يكون هذا الشيء الوحيد الذي سهله النظام في موسم السياحة هذا العام، فلا صيانة للطرقات ولا تحسين لواقع المياه والكهرباء، وواقع الشواطئ السورية مايزال كما هو.